دول الخليج وحرب الظل بين إيران وإسرائيل!

26 أكتوبر 2024 10:00 م

دول الخليج تقع بين المجالين العسكريين الإيراني والإسرائيلي، ماذا يعني ذلك؟ قبل الجواب دعونا نسرد بعض الحقائق المهمة. أولاً: المواجهة العسكرية بين إيران والكيان الصهيوني الغاصب تتم من خلال المجال الجوي فقط. من جهة، إيران تشن هجومها على إسرائيل عبر الصواريخ البالستية الفرط صوتية والمسيرات الموجهة، وفي المقابل يشن الكيان الصهيوني هجومه على إيران عبر الطيران الحربي والصواريخ والمسيرات أيضاً.

ثانياً: النسبة الأعظم من المواجهات التي تمت قد انحصرت في استهداف المنشآت العسكرية دون غيرها من الاقتصادية أو المالية أو المدنية. وذلك يعني أن احترام قواعد الاشتباك لا تزال قائمة في ساحتي الطرفين جغرافياً.

ثالثاً: إن الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية إلى جانب الدول الخليجية سواءً كانت مؤيدة للكيان الصهيوني أو التي تقف على الحياد، لا تؤيد التصعيد لحرب شاملة ولا استهداف للمواقع النووية أو ذات العلاقة بالطاقة مثل النفط والغاز.

رابعاً: مثلما هناك تصعيد في منطقة الشرق الأوسط هناك أيضاً حرب دائرة بين أوكرانيا وروسيا، وصراع عسكري تكتيكي بارد بين الصين وأميركا في محيط تايوان.

هاتان الجبهتان لا تنفكان عن حلبة الصراع في الشرق الأوسط، بل تعتبر جميعها مسرحاً إستراتيجياً واحداً إذا أخذنا تداخل المصالح والصراع على سلم القوة العالمي بين كل من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية في حلف الناتو من جهة وإيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية من جهة أخرى.

خامساً: إن الصراع مع الكيان الصهيوني لن ينتهي حتى لو تم وقف إطلاق النار، فالحرب الدائرة في الوقت الراهن ستولد حتماً أحد السيناريوهات الثلاثة المحتملة، إما امتداد نفوذ الكيان الغاصب على مجمل الشرق الأوسط بصورة مباشرة أو غير مباشرة وهزيمة المتحدين له، وإما هزيمة الكيان الصهيوني واضمحلاله، أما التوصل إلى حل دولتين أو دولة واحدة تضم اليهود والفلسطينيين على حد المساواة، فهو احتمال غير مرجح للأطراف حتى هذه الساعة في ضوء المعادلة الصفرية التي تحكم العقيدة الإستراتيجية لجميع الأطراف.

سادساً: الحقيقة المرة والتي لا مفر من مواجهتها أن دول الخليج العربية قد مرت خلال الأربعين سنة الماضية بخمس حروب مأسوية وكارثية وهي الحرب الإيرانية - العراقية، حرب تحرير الكويت بعد العدوان العراقي الغاشم، حرب إسقاط نظام صدام وتداعياته، الحرب على «داعش»، والحرب في اليمن. كل تلك الحروب قد كلّفت دول الخليج أكثر من ثلاثة تريليونات دولار، ناهيك عن الخسائر البشرية والبيئية والاقتصادية غير المباشرة.

في ظل الاعتبارات والحقائق السابقة، لا شك أن دول الخليج تقع بين المطرقة والسندان من حيث إن تطور المواجهة بين إيران وإسرائيل سيكون عبر المجال الجوي الخليجي، وهو ما يجعل دول الخليج في حرج شديد لمنع أو السماح لهذه العمليات، من حيث إن ذلك سيؤثر على أمنها القومي.

كما أن تطور المواجهة العسكرية في مرحلة ما بعد احترام قواعد الاشتباك بين الطرفين لربما يطول المنشآت النووية أو النفطية وتلك التي تتصل بالغاز، وهذا ما سيؤثر بشكل بالغ على البيئة والأسعار ولربما الإنتاج عوضاً عن احتمال إغلاق مضيق هرمز الإستراتيجي خاصة إذا امتدت الحرب إلى البحر من خلال الغواصات والبوارج التي يمتلكها أطراف الصراع.

ماذا يمكن عمله؟

أعتقد أن دول الخليج تمتلك مقومات كبيرة ومؤثرة إذا ما قرّرت الدخول إلى حلبة التفاوضات بشكل مدفوع بالمحافظة على أمنها القومي من التداعيات المحتملة. فهذه الدول لها تأثيرها الاقتصادي، خاصة في مجال الطاقة والاستثمار، على السياسة الأوروبية والأميركية التي تستطيع بفعل ذلك الضغط على الكيان الصهيوني إيقاف الحرب وإدراك أن العقيدة الدينية والسياسية المتطرفة التي يتبناها لن تسهم إلا بتدمير ذاته والمنطقة.

ومن جانب آخر، تستطيع دول الخليج عبر نفوذها السياسي والعسكري تحريك دول عالمية مؤثرة مثل الهند والصين واليابان ودول أميركا اللاتينية الرئيسية كالبرازيل والأرجنتين ودول إسكندنافية في أوروبا عوضاً عن الدول الأفريقية وخاصة تلك التي تتخذ موقفاً منصفاً مثل جنوب أفريقيا.

وعلى مرتكز ثالث، تستطيع دول الخليج أيضاً في جمع الدول العربية على مساحة سياسية أكبر من فسحة الشجب والاستنكار بحيث يكون صوتها مسموعاً بشكل أكبر لدى إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. وعلى جناح الدول الإسلامية تستطيع الدول الخليجية التحرك في إطار منظمة التعاون الإسلامي ونظريتها في عدم الانحياز وذلك لخلق جبهة دولية ضاغطة على الدول التي تؤيد الكيان الغاصب.

ما يجب أن نعلمه بأن نتنياهو وعصابته بدأوا الإحساس بوهم الانتصار وقرب الهزيمة، لذلك فهم يسعون إلى توريط أطراف أخرى في هذه الحرب من أجل الخروج منها بأقل الخسائر، وبعد تلك الهجمات المرتدة بين طرفي الصراع لم يعد الأمر متعلقاً بهما فقط، وإنما هو ممتد إلى جميع حيثيات ومتغيرات الأمن القومي لجميع دول الخليج، لذلك أعتقد أن التحرك واجب إستراتيجي بالفعل وليس بتكتيكي.