نظراً إلى أن النقل البري يُعتبر مسؤولاً عن حوالي 15 % من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي، يصعب أن نرى كيف سيُحقق العالم أهدافه المناخية الصافية الصفرية ما لم يتخل الناس عن سياراتهم التي تعمل بالبنزين والديزل.
لسنوات عدة، قدمت الحكومات إعانات سخية لتشجيع السائقين على التحوّل إلى المركبات الكهربائية. ومع انخفاض الأسعار وتحسّن التكنولوجيا، انتقلت السيارات الخالية من الانبعاثات من نطاق ضيق إلى اتجاه سائد.
وبدأت شركات صناعة السيارات في إعادة تجهيز المصانع وتقديم مجموعة أوسع من المركبات الكهربائية لتلبية الطلب. وانخفضت أسعارها إلى ما يُقارب أسعار السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري، وبدأ الأمر يبدو وكأن عصر محرك الاحتراق انتهى قبل الموعد المتوقع.
هذا العام، يمر التحوّل إلى المركبات الكهربائية بفترة تذبذب. وتعمل الحكومات على تقليص الحوافز المالية لمشتري المركبات الكهربائية، بينما أخذ نمو المبيعات يشهد توقفاً، الأمر الذي دفع القائمين على صناعة السيارات إلى إعادة النظر في بعض خطط الاستثمار التي كانت مبنية على التحوّل السريع إلى المركبات الكهربائية.
ما الذي جرى للطلب على السيارات الكهربائية؟ تطرح وكالة «بلومبيرغ إن إي إف» هذا السؤال في مقال نشرته أخيراً على موقعها، حيث توضح أنه رغم أن الصين تواصل تسجيل نمو صحي، إلا أن الطلب في أوروبا وأميركا الشمالية بدأ يتباطأ. وحسب الوكالة، تضاعفت مبيعات السيارات الكهربائية بالكامل، إضافة إلى المركبات الهجينة التي يمكن تشغيلها بالبنزين أو الديزل أكثر من الضعف في 2021 ونمت 62 % عام 2022.
لكن النمو تباطأ إلى 31 % العام الماضي. وكانت الصين المحرك الرئيسي، حيث مثلت 59 % من المبيعات العالمية، باستثناء المركبات التجارية.
وفي أوروبا والولايات المتحدة، انعكس التحول إلى المركبات الكهربائية بشكل فعّال، حيث استحوذت السيارات ذات أنابيب العادم على حصة متزايدة من إجمالي المبيعات. وانكمشت حصة سوق السيارات التي تعمل بالبطاريات في أوروبا إلى 14 % في أغسطس من أكثر من 15 % قبل عام.
وفي ألمانيا، أكبر سوق في القارة، انخفضت مبيعات المركبات الكهربائية بنسبة 69 %. وتوقعت شركة أبحاث السيارات جيه دي باور أن تشكل النماذج التي تعمل بالبطاريات 9 في المئة من المبيعات في الولايات المتحدة هذا العام، بانخفاض عن تقدير سابق بلغ 12.4 %.
وتحذر بعض شركات صناعة السيارات في أوروبا الآن من أنها قد تتكبّد غرامات بمليارات اليوروات إذا لم تتمكن من تلبية أهداف المناخ الطموحة للاتحاد الأوروبي بسبب انخفاض مبيعات السيارات الكهربائية.
لكن ما الذي يسبب هذا التباطؤ؟ بالنسبة للموجة الأولى من السيارات الكهربائية، تمكنت شركات صناعة السيارات من استقطاب زبائنها من خلال فكرة أنهم أول من يقود سيارة كهربائية، عدا تزويد المركبات بالأدوات والوظائف التقنية لتعزيز مكانتها.
ومع مرور الوقت، بدأ الوعي يتشكّل لدى السائقين حول تكاليف هذه السيارات، عدا عن الأمور المتعلقة بإعادة شحنها في الطرق، ما ينطبق بشكل خاص على أصحاب هذه السيارات في الولايات المتحدة، حيث تتجمع مواقع شحن السيارات الكهربائية في المدن وعلى طول السواحل الشرقية والغربية.
وفي أوروبا، تزامن انخفاض المبيعات مع رفع الحكومة للدعوم. وبدون هذه الدعوم، لاتزال السيارات الكهربائية باهظة الثمن مقارنة بالسيارات التي تعمل بالوقود المكافئ. وكمعدل وسطي، تعتبر السيارات الكهربائية بالكامل أغلى بنسبة 30 % و27 % بأوروبا والولايات المتحدة على التوالي مقارنة بالسيارات الأخرى.
إضافة إلى أن الحكومات في أوروبا والولايات المتحدة تحمي شركات تصنيع السيارات المحلية بالرسوم الجمركية وغيرها من الحواجز لإبقاء شركات تصنيع السيارات الكهربائية الصينية مثل شركة بي واي دي تحت السيطرة.
وخفّفت شركات مصنعة عدة، بما في ذلك جنرال موتورز وفورد ومرسيدس بنز وفولفو وتويوتا، من طموحاتها في مجال السيارات الكهربائية.
وتستهدف شركات صناعة السيارات التقليدية التي لديها تاريخ طويل في تصنيع المركبات ذات محرك الاحتراق - بيع 23.7 مليون سيارة كهربائية في 2030، أي أقل بأكثر من 3 ملايين وحدة مما توقعته العام الماضي، وفقاً لـوكالة بلومبيرغ بي إن إف.
حتى شركة تسلا، الشركة المصنعة للسيارات الكهربائية توقفت عن الإشارة إلى هدفها بتسليم 20 مليون وحدة سنوياً بحلول 2030.
خفض الإنفاق على السيارات الكهربائية
في الولايات المتحدة، ألغت شركة فورد سيارة دفع رباعي كهربائية بالكامل بثلاثة صفوف وأرجأت إنتاج شاحنة «بيك آب» من الجيل التالي، ما أدى إلى خفض إنفاقها على السيارات الكهربائية إلى 30 في المئة من نفقاتها الرأسمالية السنوية من حوالي 40 في المئة سابقاً.
كما تعمل شركة فولكس فاجن على خفض الإنتاج. وتخوض الشركة، أكبر شركة لصناعة السيارات في أوروبا، مفاوضات مع النقابات العمالية بشأن خطة محتملة لإغلاق مصنعين في ألمانيا.