نجاح محاولة اغتيال وفيق صفا يوجّه ضربة قوية للبنية التحتية السياسية

خطط أميركا وإسرائيل للبنان ما بعد «حزب الله»!

12 أكتوبر 2024 10:00 م

سلّطت محاولة إسرائيل، اغتيال وفيق صفا، رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في «حزب الله»، الضوءَ على الاستراتيجية الأميركية - الإسرائيلية الأوسع لزعزعة استقرار الشبكة السياسية للحزب، وذلك من ضمن الخطة التي تستهدف عزله وإقصاءه عن المشهد السياسي وسط اعتقاد بأنه أصبح ضعيفاً حتى قبل بدء المعركة البرية.

ويلعب صفا دوراً حاسماً في تنسيق علاقات الحزب مع مؤسسات الدولة اللبنانية، بما في ذلك القوى الأمنية والجهاز القضائي والجيش، وتعكس محاولة اغتياله، التي أسفرت عن مقتل 22 مدنياً وإصابة نحو 120 آخَرين، استعداداً لاستهداف شخصيات غير عسكرية، ما يزيد من تصعيد التوترات في بيئة متقلّبة بالفعل.

وجاء هذا الهجوم في توقيت مهم. فقد نزح أكثر من 1.1 مليون مدني بسبب العمليات الإسرائيلية، ما أدى إلى أزمة إنسانية تُفاقِم عدم الاستقرار السياسي.

وقد دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الشعبَ اللبناني إلى الانتفاضة ضد «حزب الله»، في حين تدعو السفيرة الأميركية في بيروت إلى استبعاد الحزب من الساحة السياسية.

وكان من شأن اغتيال صفا أن يشلّ التنسيق الداخلي للحزب، بما يتماشى مع الجهود الأوسع لإضعافه سياسياً، ولو نجحت المحاولة لَوجّهت ضربة قوية لبنيته التحتية السياسية.

وتشكل علاقات صفا العميقة داخل المؤسسات اللبنانية، خصوصاً في تنسيق الأمور الأمنية، نقطة محورية لاستراتيجية الحزب.

ولو قُتل كان ذلك ليعطّل الشبكات الداخلية للحزب ويؤخر قدرتها على الحفاظ على نفوذها على جزء من هياكل الدولة.

ومع ذلك، فإنه لم يكن ليدمّر البنية التحتية السياسية بالكامل، حيث تظلّ روابطه الاجتماعية والسياسية متجذرة بعمق في المجتمع اللبناني.

ويؤكد وقوع الاغتيال في منطقة مكتظة بالسكان في بيروت استعدادَ إسرائيل للمخاطرة في شكل كبير باستهداف قيادة الحزب.

ومع ذلك، فإن هذا العمل يحمل إمكان حدوث رد فعل دبلوماسي عنيف، خصوصاً إذا استمرت الخسائر المدنية في الارتفاع. ومثل هذه التكتيكات تخاطر بإثارة غضب اجتماعي واسع النطاق ما يزيد من تعقيد الوضع السياسي الهشّ في لبنان.

ويشير قرار إسرائيل باستهداف شخصية غير عسكرية مثل صفا إلى توسيع نطاق عملياتها، بهدف تفكيك القيادة السياسية للحزب، إضافة إلى قيادته العسكرية.

ويبدو أن هذا التحول في الاستراتيجية يشكل جزءاً من جهد طويل الأمد للحد من نفوذ الحزب وربما إثارة الاضطرابات الداخلية أو حتى الحرب الأهلية، وهو السيناريو الذي قد يُضعف الضغوط التي يمارسها «حزب الله» على حدود إسرائيل.

وقد يرى المعارضون السياسيون للحزب، الذين شجعهم الدعم الخارجي، أن ثمة فرصة لتحدي هيمنة الحزب ما يؤدي إلى عدم الاستقرار الداخلي.

وتثير الضغوط المتزايدة على الحزب، من القوى الخارجية والمنافسين الداخليين، المخاوف بشأن احتمال تجدد الصراع الداخلي، خصوصاً مع استمرار الانهيار الاقتصادي في تعميق الانقسامات.

ويعكس سلوكُ إسرائيل، إلى جانب الضغط الأميركي من أجل التغيير السياسي، محاولةً أوسع لمعاودة تشكيل مستقبل لبنان بطريقةٍ تخدم المصالح الغربية، وربما على حساب وحدة البلاد واستقرارها.

ومع مواجهة الحزب لتحديات متزايدة، سواء من الداخل أو الخارج، فإن البيئة السياسية الهشة تتأرجح على شفا المزيد من عدم الاستقرار.

ويبدو أن المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين يستعدون لمرحلةِ ما بعد «حزب الله»، متوقّعين سيناريو يتم فيه تهميشه من السلطة السياسية وبناءً على هزيمته في ساحة المعركة التي لا تزال على اشتعالها.

ويعكس هذا التخطيط الثقةَ في نتيجة حاسمة للصراع الدائر، ولكنه قد يشير أيضاً إلى محاولةٍ للاستعداد لاحتمالِ عدم تحقيق الأهداف العسكرية على الأرض بالكامل وتعويض ذلك باستبدال نفوذ الحزب بنظام موالٍ للغرب.

ورغم أن نجاح هذه الخطة لا يزال غير مؤكد وسابق لأوانه، يأمل المسؤولون الأميركيون أن يتحوّل ميزان القوى بعيداً عن «حزب الله».

وتتضمن هذه الإستراتيجية حظرَه كحزب سياسي وطرْد نفوذه من قطاعات الدولة الرئيسية مثل القطاع العام وقوات الأمن، ما يؤدي فعلياً إلى حرمان جزء من السكان، الذين يشكلون ما يناهز ثلث البلاد، من حقّهم في التمثيل الصحيح.

ويهدد هذا السيناريو بتآكل الأساس ذاته للإطار الديمقراطي في لبنان، واستبدال نظامه السياسي التعددي.

وتبدو مثل هذه الطموحات سابقة لأوانها، حيث لا يزال الحزب راسخاً بعمق داخل النسيج السياسي والاجتماعي، والصراع بعيداً عن الحل.

علاوة على ذلك، فإن الأزمة الاقتصادية تجعل مثل هذا التحول غير مرجَّح، حيث سيكافح السياسيون لكسب الدعم من السكان الذين فقدوا منازلهم بسبب الحرب.

وهذا من شأنه أن يترك أكثر من مليون شيعي نازح في الشوارع، ليس في معارضة للحزب، ولكن في تحدٍّ لنظام جديد محتمَل موالٍ للولايات المتحدة، مستحضرين ذكريات تاريخية للتجاهل المتكرّر.

ويؤكد احتمال تصعيد العنف والانقسام الداخلي هشاشة المشهد السياسي والتحديات التي تواجه أي جهود لإعادة تشكيل مستقبل لبنان بطريقة تستبعد «حزب الله».

وفي نهاية المطاف، تستحضر الجهود الأميركية والإسرائيلية لإعادة تشكيل النظام السياسي أحداثَ عام 1982، عندما سعى غزو إسرائيل والحرب الأهلية التي تلتْه إلى إضعاف فصائل لبنانية وتغيير توازن القوى.

ومع ذلك، فشلت تلك الجهود في تحقيق أهدافها على المدى الطويل. وقد تواجه استراتيجية إسرائيل الحالية قيوداً مماثلة لجهة تحويل ديناميات القوة داخل لبنان، نظراً للنفوذ المتجذّر لـ «حزب الله».