في ضوء سعي إسرائيل إلى توسيع رقعة الحرب

«حزب الله»... العائد من الصدمة باشر خطة دفاعية لصد التوغل البري

10 أكتوبر 2024 10:00 م

يصرّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على ضرب إيران لجر أميركا إلى الحرب أو إلى الدفاع عن إسرائيل بما أوتيت من قوة، لما يقدم له هذا الاشتباك من فرصٍ لفرض سياسته التوسعية التي تتيح له البقاء في الحكم لأطول مدة ممكنة ما دامت الحرب مستمرة، أو تقدم له الفرصة الذهبية لمعاودة انتخاب دونالد ترامب إذا تلكأت الإدارة الديمقراطية الحالية عن دعمه العسكري، ما سيؤثر، بتقدير نتنياهو، على مسار الانتخابات الأميركية في الخامس من نوفمبر المقبل.

وفي هذا الوقت، تستمر الاستعدادات الإسرائيلية للاجتياح العسكري البري، بدءاً بجنوب لبنان أملاً في تحقيق نتنياهو أهدافه بهزيمة «حزب الله» وإعادة المستوطنين إلى الشمال. إلا أن هذا الهدف يبدو أنه أصبح أكثر تعقيداً بعدما ظهرت إشارات استعادة الحزب، عافيته.

وتدور الاشتباكات في جنوب لبنان على أربعة محاور تشترك فيها أربع فرق إسرائيلية (91، 98، 36 و146)، وهي تستعد لدخول لبنان بعد أن تؤمن لها القوات الخاصة الخرق المطلوب في خط التأمين الأول، تفادياً للأفخاخ المميتة للدبابات، وهي السلاح الأساسي للاندفاعة البرية.

واستمر، في هذا الوقت، تدفق الرجال والعتاد لمواقع «حزب الله» في الجنوب والبقاع لتعزيز القدرات الدفاعية ومواجهة القوات الإسرائيلية التي لابد أن تدخل إلى الأراضي اللبنانية لتلتحم معها القوات المدافعة وتمنعها - إذا استطاعت - من تنفيذ أهدافها.

ويعتبر الحزب أن هذا المعركة ليست نزهة لدرايته بأنه مجموعة منظمة غير نظامية تقاتل أقوى جيش في الشرق الأوسط، وأحد الأقوى عالمياً.

إلا أن هذا لن يثنيه عن وضع خططه والاستعداد لخوض المعركة الآتية، والتي لابد منها لتقرير مصير لبنان والمنطقة.

خط التأمين

وتشتبك قوات النخبة في «حزب الله» - وحدات الرضوان - مع الإسرائيليين في خط التأمين الأول، وهو خط الاستطلاع الذي يمنع المباغتة ويشاغل العدو قبل وصوله بدباباته إلى قوات تمركز الحافة الأمامية.

وهي منطقة التماس الأول مع تقدم قوات الاستطلاع التي يتعامل معها الحزب لتأخير تأمين تقدم الدبابات في المرحلة اللاحقة.

وتعتبر هذه المجموعات «شبه انتحارية» لأنها تفاجئ وتتفاجأ وتقع في كمائن وتنصب الأفخاخ، ومهمتها إنهاك القوى المتقدمة ذات الكفاءة العالية الخبرة في معارك سابقة في قطاع غزة ولبنان.

ولم تصطدم قوات التأمين التابعة للحزب مع القوى الإسرائيلية المتقدمة والتي تتألف من مشاة ودبابات تأمن قضم الأراضي وتتمركز في مرتفعات حساسة ثابتة.

الحافة الأمامية

وتتألف وحدات «حزب الله» في منطقة الحافة الأمامية من قوات النخبة والقوات المجهزة بالصواريخ الليزرية الموجهة من الأجيال المختلفة، والتي تعتبر صائدة للدبابات ولتجمعات القوات البرية.

وفي هذه النقطة، توجد كل الإمكانات العسكرية للحزب التي تشكل ثقل القوات التي ستشتبك مع العدو.

قوات الاحتياط

تتألف هذه القوات من أقوى العناصر التي تتمتع بتجهيزات مختلفة تستخدمها قيادة غرفة القيادة والسيطرة لدعم الجبهة بوحدات إضافية عندما تدعو الحاجة لضخ مجموعات إضافية على جبهة أكثر من غيرها أو على جبهات عدة إذا دخل الجيش الإسرائيلي من مواقع عدة، جنوباً.

وفي هذه المنطقة الخلفية توجد غرفة القيادة والسيطرة الرئيسية التي تدير مع غرف قيادة فرعية متقدمة المعركة وتؤمن مستلزماتها اللوجستية.

وفي مثل هذه المعركة، تحتاج إسرائيل لقوة مهاجمة بين ثلاثة إلى ستة أضعاف القوات المدافعة في حرب المدن والقرى. ولهذا حشدت أربع فرق لبدء الهجوم الكبير، وهي قوة أكبر من حجم القوات التي اجتاحت لبنان عام 1982.

وتشترك في الاجتياح الحالي فرق مثل فرقتي 91 و36 التي اشتركتا في حرب عام 1982، إلا أنها أصبحت أكثر تطوراً وعدداً، ومن المرجح أن تتغير مواقع دخولها إلى الأراضي اللبنانية، كما هو متوقع.

لذلك، فإن القوة التي حشدتها إسرائيل لا يمكن أن تهدف إلى احتلال شريط حدودي فقط لتأمين عودة المستوطنين إلى الشمال، بل لتشتبك مع جماعة أقوى بكثير من منظمة التحرير الفلسطينية عام 1982 وأكثر تسليحاً وتطوراً وتتمتع بخبرات قتالية متراكمة من حروب خاضتها في سورية والعراق، ومن المرجح أن يندفع الجيش الإسرائيلي إلى ما بعد حدود نهر الليطاني... إذا استطاع.

وقد استعاد «حزب الله» أنفاسه بعد خسارة أمينه العام السيد حسن نصرالله وكذلك العشرات من القادة القدامى والقدرات الصاروخية، التي تقول المصادر إن «إيران عاودت ترميمها وأرسلت الخبراء من الحرس الثوري لدعم غرف العمليات وتعزيز القدرات التي تتدفق إلى جنوب نهر الليطاني وشماله ما دامت الطرق لم تتقطع ومازالت معابر الإمداد سليمة».

وقد خرج نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم بثقة أكبر، ليؤكد إعادة ترميم مراكز القيادة وعودة الحزب للسيطرة التامة على كامل وحداته القتالية، واستوعب الضربة القاسية التي مني بها في الأسابيع الأولى التي سبقت بدء الحرب البرية.

كما أخرج «حزب الله» صوراً جديدة لمسيرته «الهدهد» التي أظهرت أهدافاً جديدة ولاسيما مستشفيات ميدانية مستحدثة في حيفا ومخبأة تحت الجسور، ليؤكد على تجديد بنك الأهداف ونياته بتهجير سكان حيفا.

إذ لم يعد الحزب يخشى على بيئته الحاضنة التي هجرتها إسرائيل من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية في موجة نزوح ناهز عددها مليون ومئة ألف شخص. ولهذا يتوجه لتهجير سكان حيفا البالغ عددهم مليون نسمة ما دامت أزيلت كل الخطوط الحُمر.

ولم يعد «حزب الله» يتردد في ضرب منشآت اقتصادية وبنى تحتية وأهداف عسكرية بعد أن دُمرت المناطق ذات الغالبية الشيعية، ومناطق بيئته الحاضنة بعد استهداف المدنيين أيضاً.

لا يمكن إسرائيل أن تكتفي بالتفكير في القضاء على وحدتي «حزب الله» الخاصة «نصر» و«عزيز» المتموضعتين جنوب نهر الليطاني من دون الأخذ في الحسبان الذهاب نحو وحدة «بدر» المتمركزة شمال النهر وتمتد منطقة سيطرتها إلى جزء من البقاع. ولذلك فإن تطوير الخطط العسكرية الإسرائيلية يعتمد على اشتراك سلاح الجو والبحر، وعلى نتائج المعركة وتحمل قيادتها العسكرية والسياسية للخسائر البشرية إذا ما سجلت بأعداد كبيرة.

ولذلك، فإن تحديد الأهداف النهائية لهذا الاجتياح يعتمد على الميدان ونتائجه وقوة الصد التي تتهيأ لخوض معركة وجودية على كامل الخريطة اللبنانية.