رؤية ورأي

«طوفان الأقصى» وجائحة كورونا

9 أكتوبر 2024 10:00 م

الكثير من القنوات الفضائية عرضَ برنامجاً خاصاً، أو خصّصت حلقة من برنامج سياسي دوري، لتغطية ذكرى مرور سنة على «طوفان الأقصى»، وتضمّنت لقاءات مع محلّلين سياسيّين وخبراء عسكريين ومفكرين وكتّاب للحديث حول الطوفان والحرب في غزّة، وتبعاتها الممتدّة في الشرق الأوسط.

بطبيعة الحال، المداخلات والآراء كانت متفاوتة ومتناقضة بين قناة وأخرى، وبين ضيف وآخر، كلّ حسب منظوره ومبادئه وقيمه، أو كلّ حسب انتماءاته ودوافعه الأخرى الموضوعية وغير الموضوعية.

ما لفت انتباهي هو تبدّل المنظور والمبادئ والقيم لدى أحد المشاركين بعد انتقاله إلى منصّة أخرى لتداول حرب أخرى. وهذا المشارك هو الكاتب والمفكر والفيلسوف الفرنسي برنار هنري ليفي، الذي استضيف في برنامج «فريد زكريا جي بي إس» الأسبوعي على قناة «سي إن إن» الإخبارية في 6 أكتوبر الجاري.

من بين الأمور التي دفعتني إلى متابعة اللقاء، الكلمات التي عرّف بها مُقدّم البرنامج ضيفه. حيث قال: إن الضيف الفرنسي الصهيوني (أي الذي يؤمن بالأيديولوجية الوطنية الإسرائيلية) قد سافر إلى إسرائيل في 8 أكتوبر 2023 (أي في اليوم التالي لواقعة «طوفان الأقصى») ليكون شاهداً على ما حدث بعد الهجوم الوحشي الذي شنته «حماس». وأن تلك المشاهدات دفعته إلى تأليف كتابه الأوّل بشأن إسرائيل، وهو بعنوان «إسرائيل لوحدها».

حيّرني عنوان الكتاب، وجعلني أتساءل كيف لمفكر صهيوني بارز أن يُؤلّف كتاباً ينتقد فيه إسرائيل بشأن عزلتها عن شعوب العالم على خلفية جرائم الحرب التي ارتكبتها؟ ولكن سرعان ما تبدّدت الحيرة وحل محلّها الاستياء. فالمفكر الفرنسي الصهيوني يستنكر «وقوف إسرائيل منفردة في حربها الحالية ضد الإرهاب بعد تعرّضها لهجمات 7 أكتوبر 2023، في حين تشكّل ائتلاف دولي داعم لأميركا في حربها ضد الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وساند ائتلاف دولي فرنسا في حربها ضد الإرهاب بعد هجمات 13 نوفمبر 2015».

المفكّر الفرنسي يرى أن «إسرائيل لوحدها في الشعور بالحزن والأسى، وفي القتال والفوز. ودول العالم منعزلة عنها، باستثناء عدد من الحلفاء – مثل أميركا وفرنسا – الذين يبتزونها، يحذّرونها ويساومونها من أجل تقديم تنازلات وقبول حلول وسط».

هذا الطرح الشاذ دفعني إلى البحث عن المزيد من اطروحاته، فوجدّت له صفحة على منصّة «يوتيوب» تحتضن العديد من مشاركاته المتلفزة، من بينها خمسة مقاطع فيديو رفعت إلى الصفحة خلال يومي 6 و7 أكتوبر. أحد هذه المقاطع الخمسة يعرض اللقاء أعلاه مع قناة «سي إن إن»، والمقطع التالي يعرض كلمته التي وجهها إلى مجلس حقوق الانسان – التابع للأمم المتحدة – بشأن الحرب في أوكرانيا.

رغم أن المشاركتين في يوم واحد، إلا أن منظور المفكّر الفرنسي انحرف 180 درجة في اللقاء التالي. فمن خلال هذا المنظور المعكوس، تجاهل المفكّر متطلبات الأمن الوطني الروسي بعد أن قدّس متطلبات الأمن الوطني الإسرائيلي، وسلّط الأضواء كلها على غزوٍ اخترق سيادة أوكرانيا بعد أن تجاهل اختراق سيادة لبنان، وعلى حرب إبادة الشعب الأوكراني بعد أن تناسى إبادة الشعبين الفلسطيني واللبناني، وعلى اتفاقيات جنيف (بشأن حماية حقوق الإنسان الأساسية في الحروب) بعد أن تغافل عنها تماماً في لقائه السابق.

وفي الختام، لا بد من التأكيد على أن ظاهرة الازدواجية في المواقف والآراء ليست مقتصرة على الصهاينة أو أتباع الأيديولوجيات الأخرى، ولا على الفرنسيين أو عموم الغربيين. فهي ظاهرة مستشرية بين جميع فئات البشر وفي كل دول العالم. حتى في الكويت، لدينا – مثلاً – نوّاب سابقون ونشطاء سياسيون كثر انقلب منظورهم للمادة (28) من الدستور، بين ما كان عليه في بداية جائحة كورونا، وبين ما هو عليه هذه الأيّام...

اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.

abdnakhi@yahoo.com