صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد بتركيزه على المشاريع الإنتاجية في كل لقاء مع السلطة التنفيذية يستحقّ بجدارة لقب «أمير التنمية» لأن سموه يُمهّد بزرع اليوم حصاد المستقبل لأجيال الكويت.
بادئ ذي بدء، لا بُدّ من التوقّف أولاً عند الجهود الشخصية التي بذلها سمو الأمير عندما كان ولياً للعهد بتحريك الجمود في المشاريع عبر التوجّه إلى الشرق. إلى الصين تحديداً، لتنويع الجهات المساعدة في الاستثمار وعدم حصر التعاون في مناطق واتجاهات معينة.
... من هنا نبدأ قصتنا مع ميناء مبارك الكبير وهي قصة مختلفة تماماً عمّا نسمعه ونقرأه يومياً.
النظر بعين التقييم العلمي لمشروع هذا الميناء يكشف كمّ الصعوبات والمطبّات التي تسبّبت فيها إدارة الحكومات السابقة قبل أن نقول الظروف الإقليمية وتحويله من مشروع تنموي إلى ورقة في ملف العلاقات السياسية الكويتية - العراقية. فالمشروع أسندت عقوده لشركات محلية وأجنبية عام 2006، بمعدل إنجاز أبطأ من سير السلحفاة. وكان من المتوقع افتتاحه عام 2010 ثم تأخر وضع الحجر الأساس إلى 2011 بعد تكرار حزم العطاءات قبل ذلك.
ثم دخلنا في المصاعب السياسية والفنية، فالعراق خشي على انسداد مجرى شط العرب حول الفاو عبر المراسي الستين التي كان مُخطّطاً لها في المشروع الأساسي للميناء فتم تخفيضها إلى 24، والفرق الفنية المحلية والأجنبية واجهت إشكالات مائية وترابية في تلك المنطقة المغلقة واضطرت إلى الانشغال في أمور أخرى مثل سحب رمال وتذويبها وإعادة تجريف الممرات المائية وما قد يعنيه ذلك من وقت وكلفة خصوصاً أن هذه الإشكالات في موقع ميناء مبارك وبشهادة المختصين لا حلّ جذرياً لها وهي تحتاج عمليات صيانة على مدار العام.
وبين الأمور الفنية والتقنية، وهنا لا نتحدّث عن أسرار، تعرّض تنفيذ مشروع الميناء ويتعرّض لعقبات سياسية وصار مرتبطاً إلى حد ما بإشكالية ترسيم الحدود مع العراق وما يرافق ذلك من فتح آفاق وإغلاقها حسب «المزاج» الإقليمي، ناهيك عن تطورات مثل الاتفاق الرباعي بين تركيا وقطر والإمارات والعراق الذي أبرم قبل أشهر لبناء وتشغيل ميناء الفاو العراقي ومنه إلى طريق التنمية الذي يربط الخليج بأوروبا.
والمفارقة، أن المسؤولين الكويتيين عندما يتم سؤالهم اليوم عن ميناء مبارك الكبير يردّون بـ«فخر» بأن نسبة الإنجاز شارفت على 52 في المئة. لكن أحداً لا يسألهم لماذا بقيت هذه النسبة على حالها تقريباً من نهاية عام 2018 وحتى الآن... هي نفسها الإدارة الحكومية التي شهدت تخبّطاً في العقود السابقة ما زالت تراوح مكانها.
هذه الصورة السريعة تأخذنا إلى التفكير «من خارج الصندوق» كما يقولون. ففي الكويت موانئ يمكن في حال تطويرها وبكلفة أقل بكثير من كلفة ميناء الشمال أن تفي بالغرض وأكثر مثل الشويخ والشعيبة ويمكن حتى إعادة تطوير موانئ أصغر مثل الدوحة.
فليستمر الاتفاق مع الصين، إنما بدل هذه المهمة الشاقة فنياً والمتعبة سياسياً والمُكلّفة على مستويي الصيانة ومواجهة ظروف الطبيعة، لماذا لا يبنى في مكان ميناء مبارك الكبير أكبر محطة لتوليد الكهرباء في المنطقة وهي مشروع إنتاجي تنموي إفادته للكويت أكبر بكثير من إفادة الميناء، خصوصاً أن بالإمكان اليوم الاستفادة من البنى التحتية التي أنجزت (من طرق وجسور) للوصول إلى منطقة الميناء.
هذا المشروع بتنفيذ مشترك مع الصين سيغطي حاجة الكويت لسنين مقبلة ويحوّلها من دولة تستورد الكهرباء إلى دولة تبيع الكهرباء.
هذا المشروع سينفذ من دون أي إشكالات أو تعقيدات فنية أو سياسية.
هذا المشروع سينجح لأن دولة فيها مليارا شخص لا تنقطع عندها الكهرباء قادرة على إنجازه بسرعة وحتى إدارته بأي صيغة مثل BOT.
هذا المشروع مُحرّكاته موجودة من خلال وجود موارد الطاقة في الكويت.
هذا المشروع سيعطي الكويت أوراقاً أخرى غير تنموية واقتصادية، إذ إن الواقع الكهربائي للعراق وإيران يشير إلى حاجة ماسة لهما في استيراد الكهرباء وربما فتح أيضاً باب التصدير من خلالهما إلى دول أخرى. وفي مشاريع تعاون كهذه يصبح استقرارك مطلباً إقليمياً أيضاً وليس حاجة محلية داخلية فحسب.
قد يقول البعض إنها فكرة ثورية لكننا نُعيد ونقول إنها فكرة تنموية وربحية بأبعاد إستراتيجية إقليمية أيضاً، وبوجود صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد في سدّة القرار وأولويات مشروعه التي عبّر عنها مراراً وأهمها تعبيد الطريق لمستقبل الكويت والكويتيين، فلا شيء يمنع من طرح أيّ فكرة خصوصاً إذا كانت تنسجم مع هذه الأولويات.
ولن يكون مُستغرباً أن نرى من يحاول عرقلة مثل هذه الفكرة وغيرها من داخل السلطة التنفيذية لأكثر من سبب، منها عدم الرغبة في بذل مجهود إضافي أو فقد الهيمنة على إدارة المشروع إن تغيرت طبيعته. لكنّنا في الكويت أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن نُغيّر من أسلوب الإدارة الذي أثبت فشله تنموياً على مدى عقود واللحاق بتجارب دول الجوار، وإما أن نستمر في عقلية الإدارة نفسها ونعتمد نظرية «الهون أبرك ما يكون» ونتحدّث عن نسب إنجاز لمشاريع مثل ميناء مبارك الكبير... هي نفسها من ست سنوات.