انقسام واسع حول «جبهة الإسناد»

لبنانيون خائفون من الحرب... «لم نعد نتحمّل ولا أفق للمستقبل»

26 سبتمبر 2024 10:45 م

بيروت - أ ف ب - في لبنان المثقل بالأزمات السياسية والاقتصادية، يُغرق شبح الحرب كثيرين مجدداً في الحزن واليأس.

ويختصر أنيس ربيز هذا الشعور قائلاً «كلّ شيء ينهار حولنا، لا نقوى على تحمّل هذه الحرب».

ويتابع ربيز (55 عاماً)، وهو مالك شركة عقارية، لـ «فرانس برس» بينما يركن سيارته في أحد شوارع الأشرفية في شرق بيروت، «نفسية الناس متعبة. تكفينا الحرب الاقتصادية والأموال (العالقة) في المصارف».

ويشهد لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ خريف العام 2019 في ظل تدهور غير مسبوق لقيمة العملة اللبنانية وفقدان قيمة كل الودائع بالليرة اللبنانية أو تجميدها.

وفي أغسطس 2020، دمّر انفجار ضخم مرفأ بيروت والمنطقة المحيطة به وحصد قتلى وجرحى وأغرق اللبنانيين في غضب على فساد وسوء إدارة ساهما في حصول الانفجار.

كل ذلك، وسط انقسام سياسي وشلل مؤسساتي، بينما تدير البلاد حكومة تصريف أعمال ويعجز البرلمان منذ العام 2022 عن انتخاب رئيس.

وبدأ التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل منذ قرابة عام مع اندلاع الحرب في قطاع غزة، عندما فتح الحزب «جبهة إسناد» للفلسطينيين ضد إسرائيل. وتصاعدت المواجهة منذ الاثنين وحصدت مئات الشهداء والجرحى في لبنان بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية، ونشرت الذعر.

في شوارع العاصمة، حركة السير والناس أبطأ من العادة، في مؤشر على حالة ترقّب يعشيها اللبنانيون في ظلّ إغلاق المدارس والجامعات، وتحويل بعضها مراكز إيواء لعشرات آلاف الأشخاص الذين فروا من مناطق طالها القصف الإسرائيلي هذا الأسبوع.

ويقول ربيز «الوضع لا يطمئن، لا أفق للمستقبل أو حتى بصيص نور»، مشيراً الى هجرة آلاف الشباب على وقع الأزمات المتلاحقة.

«فداء للمقاومة»

أمام مركز تسوّق في الأشرفية، تقول عبير خاطر (43 عاماً) لوكالة فرانس برس «أنا جاهزة أساساً في حال اندلاع حرب، أعددت حقيبة تحتوي على أوراق أولادي الثبوتية وجوازات سفر وثياب، وضعتها قرب الباب».

وتروي الأم لثلاثة أولاد، وهي مديرة متجر، أنها انتقلت وعائلتها من منطقة عين الرمانة المتاخمة للضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «حزب الله»، إلى بلدة بحمدون شرق بيروت. «أخشى سقوط صاروخ عن طريق الخطأ، لا يمكن لأحد أن يعرف ما قد يحصل لنا».

وتقول إن أولادها لم يتعافوا نفسياً بعد من انفجار مرفأ بيروت. وتضيف «عام 2006 (الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل)، لم أكن متزوجة. لكن الآن يتملكني خوف كبير على أطفالي».

وخاض «حزب الله» وإسرائيل حرباً مدمّرة صيف 2006 استمرت 33 يوماً، وأسفرت عن مقتل 1200 لبناني، معظمهم مدنيون، و160 قتيلاً في الجانب الإسرائيلي معظمهم من الجنود.

كما ألحقت الحرب دماراً هائلاً في مناطق وبنى تحتية لبنانية.

ويختلف اللبنانيون حول «جبهة الإسناد»، بين من يعتبر أن «حزب الله» يجرّ لبنان إلى حرب لا يريدها الكثير من اللبنانيين، ومن يدعم الحزب من دون تردد ضد إسرائيل. لكن القلق حيال المستقبل يجمعهم.

وسط ساحة ساسين في الأشرفية حيث يرفرف علم لبناني ضخم، يجلس محمد خليل على مقعد خشبي يفكّر بكيفية تأمين لقمة عيش عائلته بعد أن نزح مع زوجته وأطفاله الثلاثة ووالدته من قريته دير انطار في محافظة النبطية (جنوب).

ويقول خليل (33 عاماً) «منذ نحو ثلاث ساعات، أفكر كيف سأؤمن عملاً ومسكناً، لدي أطفال يجب أن يذهبوا إلى المدارس، أفكر في مستقبلهم... لكنني اصطدم بحائط مسدود».

رغم ذلك، يبدو خليل واثقاً من أنه «في نهاية المطاف، سيكون النصر حليفنا».

ويتابع «ما حصل لأهل الجنوب يجب ألا يُسكت عليه»، مؤكداً أن كل شيء «فداء للمقاومة».

«ينتهي لبنان»

ويتمتع «حزب الله» بنفوذ سياسي كبير في لبنان ويتهمه خصومه بأنه يتحكّم بـ«قرار السلم والحرب»، ويشكّل «دولة ضمن الدولة» ويستخدم سلاحه «للترهيب» في الداخل. لكن منذ بدء التصعيد، تبدو البلاد منقسمة أكثر من أي وقت مضى.

وتقول غادة حاطوم في شارع الحمرا في غرب بيروت «حزب الله ليس الدولة ليأخذ قرار السلم والحرب، هو كيان مواز للدولة، وأثبت لشعبه وبيئته التي تحتضنه أنه اتخذ قراراً خاطئاً. لا أحد يجهّز نفسه للحرب ولا يبني ملجأ. هل أرواحنا رخيصة لهذه الغاية؟ إذا لم يكن لدي ملجأ أختبئ فيه لماذا تجرني الى الحرب»؟

على أحد أرصفة الأشرفية، يعزف فكتور (65 عاماً) الذي رفض إعطاء اسم عائلته على آلة الأكورديون، غير مكترث لهدير دراجات نارية وأبواق سيارات من حوله.

ويقول الرجل الذي عاش الحرب الأهلية (1975 - 1990) لفرانس برس «تفصلني الموسيقى عن الواقع، وتهدئ أعصابي».

ويضيف بنبرة هادئة «لستُ خائفاً من اندلاع حرب لأننا اعتدنا الحروب ومن له عمر لا تقتله الشُدّة».

على بعد عشرات الأمتار، تبدي نينا روفايل التي كانت تسير بخطوات متسارعة تعاطفها مع أهالي الجنوب الذين فروا من منازلهم، لكنها تخشى من تصعيد إضافي.

وتسأل «لديّ خوف من الغد... من سيرمّم؟ من سيبني؟ من سيُطعم؟ ومن سيعلّم؟ لدي خوف من كل شيء».

وتضيف المدرّسة الخمسينية «لا أشعر بالخوف من اندلاع حرب فحسب، إنما لدي خوف من أن ينتهي لبنان بالكامل».