رسالة بالستية إستراتيجية من «حزب الله» لإسرائيل... هل تخرق الضوابط؟

25 سبتمبر 2024 10:00 م

- التراشق بالنار كما هو الواقع الحالي يصبّ في مصلحة إسرائيل
- الأسوأ مازال أمامنا والسلام بعيد المنال في ظل حُكْم نتنياهو

أطلق «حزب الله» صاروخاً بالستياً من الجيل القديم، «قادر 1»، من دون إطلاق صواريخ أخرى تحميه أو تفتح الطريق أمامه لخرْق الدفاعات الجوية والصواريخ الإسرائيلية الاعتراضية، كرسالةٍ ليس إلا ليدعو إسرائيل لإبقاء الضوابط دون خرقها قبل أن تنفلت الأمور نحو الحرب الشاملة.

إلا أن خطط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لا تتجه نحو خفض التصعيد، بل على العكس، لن يرضخ منذ الأيام الأولى للحرب الثالثة مع لبنان لعدم اكتفائه بضرْب آلاف الأهداف في اليومين الأولين بل سيندفع أكثر في التدمير ما يفتح الأمور على جميع الاحتمالات.

وَقَفَ نتنياهو منتقداً بشدة قرار رئيس الوزراء السابق ايهود باراك عام 2000 بالانسحاب من «المنطقة الآمنة» المعلنة ذاتياً في جنوب لبنان بعد 18 عاماً من الاحتلال.

وزَعَمَ أن الانسحاب من دون مفاوضات واتفاق مع «حزب الله» علامة ضعف سمحتْ بنمو قدراته العسكرية ومهّدت له طريق الصعود إلى السلطة وزيادة قدراته الصاروخية التي تشكل تهديداً لإسرائيل، ما أسس لسابقة خطيرة قوّضت الردع الإسرائيلي في المنطقة.

لذلك، فلدى رئيس الوزراء حساب قديم مفتوح مع لبنان لن يقتصر على عودة النازحين إلى الشمال جراء حرب الإسناد التي قام بها «حزب الله» دعماً لغزة. بل لدى نتنياهو أهداف أخرى غير معلنة يرغب في تنفيذها إذا استطاع وسنحت له الفرصة لذلك ما دامت الخسائر مقبولة ويستطيع ليس فقط تحمُّلها بل التعويل عليها ليبني عليها دعماً شعبياً أكبر.

إلا أن إطلاق «حزب الله» صاروخاً بالستياً واحداً يعكس قراراً مدروساً بسبب امتلاكه مجموعة وترسانة من الصواريخ البالستية الدقيقة وبعيدة المدى وكذلك الخبرة بإغراق منظومة الصواريخ الإسرائيلية الاعتراضية قبل ضرب صواريخ يرغب في إيصالها إلى هدفها من خلال إطلاق عدة صواريخ بالستية في الانطلاقة الواحدة.

ويُعد هذا الصاروخ المنفرد بمثابة تحذير إستراتيجي بأن الحزب مستعد للانخراط في حرب أوسع النطاق ولكن أيضاً مستعد للعودة إلى قواعد الاشتباك الأولى مع خفض التصعيد من دون التخلي عن دعم غزة شرط أن تستجيب إسرائيل بالمثل، وهي وسيلة من الممكن ان تحول دون العبور إلى حرب شاملة أكثر تدميراً.

ولهذا الصاروخ المنفرد إشارة واضحة لإسرائيل بأن أفعالها لها عواقب وان المزيد من العدوان سيؤدي إلى دخول «حزب الله» في معركة شاملة تنقل الحرب إلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية واستهداف المدن والبنى الأساسية الرئيسية بدل ضبط النفس الحالي.

وتالياً، فإن دعوة الحزب لإسرائيل هي لتعديل تكتيكاتها الاستفزازية بسرعة قبل نقْل المعركة إلى المراكز المدنية وقبل ان تنتهي أي فرصة أو خيار سوى الردّ على نطاق أوسع وكسْر جميع الخطوط الحمر.

ومن الصعب التكهن اذا كان نتنياهو سيلتزم بهذه المعادلة نظراً لمسار الحرب والتفوق الجوي الإسرائيلي الذي يعطيها الشعور بفائض القوة، وسط انطباع بأن التدمير الكبير والتهجير القسري في الجنوب سيدفعه لأهداف أكبر.

وتقول مصادر قيادية عسكرية ان «التراشق بالنار بين الطرفين كما هو الواقع الحالي يصبّ في مصلحة إسرائيل إذا بقي ضمن حدود الأهداف المدنية وبعيداً عن البنى التحتية وخصوصاً ان إسرائيل تستهدف جميع عائلات المقاتلين من دون تمييز وداخل منازلهم ومزارعهم اينما وُجدوا في البقاع والجنوب وعلى كامل الجغرافيا اللبنانية. وفي أي لحظة تَضرب إسرائيل مقدرات إقتصادية أو نفطية تابعة لحزب الله سيتمّ الرد عليها بضرب الإقتصاد الإسرائيلي وقدراته ما يعطي أفضلية ومرونة وفرصة لإيذاء حكومة نتنياهو وإظهار القوة الأكبر».

وتضيف المصادر «أن غالبية سكان البقاع والجنوب والضاحية الجنوبية في حالة إخلاءٍ لمنازلهم، وتالياً فإن التهجير قد حصل ما يساعد حزب الله على الرد المماثل وبقوةٍ إذا خرقت إسرائيل الخطوط الحمر رداً على ضرب تل أبيب ما يحرر الحزب من الضوابط التي يتمسك بها».

ومما لا شك فيه أن لدى «حزب الله» ترسانة من الأسلحة المتقدمة التي لم يخرجها بعد ولن يتوانى عن استخدامها، بحسب تقويم الموقف كل ساعةً بساعة.

ولدى الحزب وحدات قتالية جغرافية في جنوب لبنان (بدر وعزيز ونصر) تملك قوات برية خاصة وكمية من الصواريخ المناسبة للاشتباك مع إسرائيل في حال التوغل البري.

إلا أن الوحدات الصاروخية الاختصاصية لم تشارك في المعركة بعد، عدا الصواريخ المتوسطة من نوع فادي 2 و2 و3. وتالياً فإن الوحدات الاختصاصية الموجودة في مواقع محصنة تحتفظ بقواتها الصاروخية كما هي ولم تتأثر بأي ضربة جوية إسرائيلية.

إذاً، فمن معركة الاحتواء إلى المعركة المتقدّمة المفتوحة ممرّ صغير وضيّق وخطر، خصوصاً ان «حزب الله» وبيئته تعرضا لضربات قاسية منذ عملية التخريب لأجهزة النداء وبعدها المئات من الضحايا الذين سقطوا دفعة واحدة.

وتالياً فقد أصبح هذا الجيش المنظّم وغير النظامي بقيادته المتجددة أكثر استعداداً لتجاوز جميع الخطوط الحمر بتدحرجٍ وانتظام، خصوصاً ان قدراته المحصنة ولا سيما في سلسلة الجبال الغربية تنتظر لدخول الحرب عند الطلب.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الحزب ينتظر دخول إسرائيل في حرب برية إذا كان ذلك هدف نتنياهو الأبعد، خصوصاً انه لن يستطيع تحقيق هدف إعادة سكان إسرائيل إلى الحدود الشمالية وان الحزب لن يتوقف عن دعم غزة وانه يحضّر القوة الخاصة لدخول المعركة البرية إذا فرضتْها إسرائيل.

ويدل هذا المشهد على أن الحرب الثالثة على لبنان مازالت في بدايتها وان تدحرج الأحداث صعوداً يدلّ على خطورة مسار هذه الحرب وان الأسوأ مازال أمامنا والسلام بعيد المنال في ظل حُكْم نتنياهو.