رويترز - قالت ثلاثة مصادر مطلعة على عمليات «حزب الله»، إن تسلسل القيادة المرن، إلى جانب شبكة الأنفاق الواسعة والترسانة الضخمة من الصواريخ والأسلحة التي عززها على مدار العام الماضي، يتيح للحزب الصمود في وجه الضربات الإسرائيلية القاصمة وغير المسبوقة.
وقد أثرت الهجمات الإسرائيلية على مدار الأيام الماضية، بما في ذلك استهداف قيادات كبيرة وتفجير أجهزة الاتصال اللاسلكية، على توازن الحزب المسلح والسياسي.
وقتلت إسرائيل يوم الجمعة، القيادي إبراهيم عقيل الذي أسس وقاد «وحدة الرضوان» التي تمثل قوة النخبة.
وقال رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي هيرتسي هاليفي، الأحد، إن مقتل عقيل أحدث هزة في صفوف التنظيم.
وتعلن إسرائيل ان ضرباتها دمرت أيضاً آلاف الصواريخ والقذائف.
لكن اثنين من المصادر المطلعة على عمليات «حزب الله» قالا إنه تحرك سريعاً لتعيين من يخلف عقيل وغيره من كبار القياديين الذين قتلوا في الضربة الجوية التي وقعت الجمعة في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وأكد الأمين العام السيد حسن نصرالله في خطاب ألقاه في الأول من أغسطس، أن الحزب يعين سريعاً خليفة، كلما قُتل أحد قادته.
وذكر مصدر رابع، وهو قيادي في الحزب، أن الهجوم على أجهزة الاتصال جعل 1500 من المقاتلين غير لائقين للقتال بسبب إصاباتهم، إذ أُصيب كثير منهم بفقدان النظر أو بُترت أيديهم.
ورغم أن هذا يمثل ضربة قوية، فإنه لا يمثل سوى جزء ضئيل من قوة «حزب الله»، التي قدر تقرير للكونغرس الأميركي يوم الجمعة عدد مقاتليه بما يتراوح بين 40 و50 ألفاً.
وسبق أن أعلن نصرالله ان قوام المقاتلين يبلغ مئة ألف.
وقالت المصادر الثلاثة إنه منذ أكتوبر الماضي، عندما بدأ الحزب إطلاق القذائف على إسرائيل لدعم حركة «حماس» في غزة، أعاد نشر مقاتليه في مناطق المواجهة في الجنوب، بما في ذلك عن طريق استدعاء بعضهم من سورية.
وأضافت أن الحزب عمل أيضاً على نقل الصواريخ إلى لبنان بوتيرة سريعة، تحسباً لصراع طويل الأمد، ولفتت في الوقت نفسه إلى أن الحزب يسعى لتجنب حرب شاملة.
وإيران هي الداعم والمورد الرئيسي للأسلحة للحزب، الذي يعتبر الفصيل الأقوى في «محور المقاومة» الذي تقوده طهران ويضم قوات غير نظامية متحالفة معها في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. والكثير من أسلحة الحزب نماذج إيرانية أو روسية أو صينية.
ولم تقدم المصادر، التي طلبت كلها عدم ذكر أسمائها بسبب حساسية الأمر، تفاصيل عن الأسلحة أو الجهة التي يتم شراؤها منها.
ولم يرد المكتب الإعلامي للحزب على طلبات للإدلاء بتعليق لإضافته لهذه التغطية.
وقال أندرياس كريغ، المحاضر الكبير في كلية الدراسات الأمنية في كينغز كوليدج لندن، إنه رغم ارتباك عمليات الحزب بسبب هجمات الأيام الماضية فإن الهيكل التنظيمي المتماسك يساعد في جعله قادراً على الصمود لأقصى درجة.
وأضاف «هذا هو العدو الأكثر قوة الذي واجهته إسرائيل على الإطلاق في ساحة المعركة، ليس بسبب الأعداد والتقنيات ولكن بسبب القدرة على الصمود».
صواريخ قوية
تصاعدت حدة القتال هذا الأسبوع، إذ قتلت ضربة إسرائيلية قياديا آخر من الحزب وهو إبراهيم قبيسي، الثلاثاء. ومن جانبه سعى «حزب الله» إلى إظهار قدرتها على مواصلة العمليات فأطلق مئات الصواريخ باتجاه إسرائيل في هجمات على أهداف أبعد من أي وقت مضى.
وأعلن الحزب أمس، أنه استهدف قاعدة استخبارات إسرائيلية بالقرب من تل أبيب، على بعد أكثر من 100 كيلومتر من الحدود.
وذكر الجيش الإسرائيلي ان صفارات الإنذار دوت في تل أبيب عندما اعترضت أنظمة الدفاع الجوي صاروخ سطح - سطح واحداً.
ولم تذكر الجماعة بعد ما إذا كانت أطلقت أياً من صواريخها الأقوى الموجهة بدقة، مثل «فاتح-110» البالستي إيراني الصنع الذي يتراوح مداه بين 250 و300 كيلومتر.
ووفقاً لورقة بحثية نشرها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن عام 2018، فإن فاتح-110 الذي يمتلكه الحزب مزود برأس حربية تزن 450 إلى500 كيلوغرام.
وقال أحد المصادر، وهو مسؤول أمني كبير، إن هجمات الحزب الصاروخية ممكنة لأن تسلسل القيادة واصل العمل رغم بعض الارتباك الذي تعرض له لفترة وجيزة بعد تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكي (بيجر) وكذلك أجهزة (ووكي توكي) التي يستخدمها أفراد الحزب.
وتابعت المصادر الثلاثة ان قدرة حزب الله على التواصل مدعومة بشبكة هاتفية ثابتة خاصة بالجماعة التي تصفها بأنها بالغة الأهمية لاتصالاتها، وأكدت انها مستمرة في العمل، فضلا على أجهزة أخرى.
وكان الكثير من مقاتلي الحزب يحملون نماذج قديمة من أجهزة البيجر، على سبيل المثال، والتي لم تتأثر بهجوم الأسبوع الماضي.
ولم تتمكن «رويترز» من التحقق من المعلومات بشكل مستقل. ووقعت معظم الإصابات الناجمة عن انفجار أجهزة البيجر في بيروت بعيداً عن الجبهة.
وكثف الحزب استخدام أجهزة البيجر بعد منع حظر مقاتليه في فبراير من استخدام الهواتف المحمولة في ساحة المعركة في أعقاب مقتل قياديين.
وأشار المسؤول الأمني الكبير إلى أنه إذا انفصلت سلسلة القيادة فإن هناك مقاتلين في الخطوط الأمامية مدربون على العمل في مجموعات صغيرة مستقلة تتألف من قرى قليلة العدد بالقرب من الحدود وقادرة على محاربة القوات الإسرائيلية لفترات طويلة.
وهذا هو بشكل دقيق ما حدث عام 2006، عندما صمد المقاتلون لأسابيع وبعضهم في قرى واقعة على الخطوط الأمامية غزتها إسرائيل.
وتؤكد إسرائيل انها صعّدت هجماتها لتقليص قدرات الحزب وتأمين عودة عشرات الآلاف من الإسرائيليين النازحين إلى منازلهم بالقرب من الحدود اللبنانية والتي فروا منها عندما بدأ الحزب في إطلاق الصواريخ في الثامن من أكتوبر.
وأعلنت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنها تفضل التوصل إلى اتفاق تفاوضي يقضي بانسحاب الحزب من منطقة الحدود، ولكنها مستعدة لمواصلة حملة القصف إذا رفض ذلك، ولا تستبعد أي خيارات عسكرية.
ويعني صمود الحزب أن القتال أثار مخاوف من حرب طويلة الأمد يمكن أن تشمل الولايات المتحدة، الحليف الوثيق لإسرائيل، وأيضاً إيران، خصوصاً إذا شنت إسرائيل هجوما بريا في جنوب لبنان وانغمست فيه.
ولم يرد الجيش الإسرائيلي على طلب للتعليق في شأن هذه القصة.
وحذر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يوم الاثنين من عواقب «لا رجعة فيها» قد تترتب على اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية إن واشنطن لا تتفق مع استراتيجية التصعيد التي تنتهجها إسرائيل وتسعى إلى تهدئة التوترات.
ترسانة تحت الأرض
ذكر المصدران أن صواريخ أُطلقت يوم الأحد من مناطق في جنوب لبنان رغم تعرض هذه الأماكن تحديدا لاستهداف من إسرائيل قبلها بفترة وجيزة مما يدل في رأيهما على أن بعض أسلحة حزب الله مخبأة بعناية.
ويُعتقد أن للحزب ترسانة تحت الأرض ونشر الشهر الماضي صوراً بدا أنها تُظهر مقاتلين يقودون شاحنات محملة بمنصات إطلاق عبر أنفاق. ولم يحدد المصدران ما إذا كانت الصواريخ التي أُطلقت الأحد تم إطلاقها من تحت الأرض.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إن وابل الصواريخ يوم الاثنين دمر عشرات الآلاف من صواريخ وذخيرة الحزب.
وافاد الجيش الإسرائيلي بأن ما تم ضربه يوم الاثنين شمل صواريخ كروز بعيدة المدى وصواريخ برؤوس حربية قادرة على حمل متفجرات تصل إلى مئة كيلوغرام وصواريخ قصيرة المدى وطائرات مسيرة ملغومة.
ولم يتسن لـ «رويترز» التحقق بشكل مستقل مما قاله الجيش الإسرائيلي.
وقال بواز شابيرا، الباحث في مركز ألما، وهو جهة بحثية إسرائيلية مختصة بشؤون حزب الله، إن إسرائيل لم تستهدف بعد مواقع استراتيجية مثل مواقع الصواريخ بعيدة المدى والطائرات المسيرة.
وتابع «لا أعتقد أننا اقتربنا بأي حال من الأحوال من نهاية ذلك».
وأورد تقرير الكونغرس ان من المعتقد أن ترسانة الحزب تضم نحو 150 ألف صاروخ.
وقال كريغ إن الصواريخ البالستية الأقوى والأبعد مدى محفوظة تحت الأرض.
وقضى «حزب الله» أعواما وهو يحفر شبكة أنفاق تشير تقديرات إسرائيلية إلى أنها تمتد مئات الكيلومترات.
وأعلن الجيش ان ضربات يوم الاثنين الجوية استهدفت مواقع إطلاق صواريخ مخبأة تحت منازل في جنوب لبنان.
وأكد «حزب الله» انه لا يضع بنية تحتية عسكرية قرب المدنيين. ولم يصدر بياناً في شأن نطاق تأثير الضربات الإسرائيلية منذ الاثنين.
الأنفاق
قال نصرالله إن ترسانة الأسلحة والأنفاق التي يمتلكها الحزب توسعت منذ حرب 2006، وخاصة أنظمة التوجيه الدقيق.
وأعلن مسؤولون في حزب الله أنه تم استخدم جزء صغير من الترسانة في القتال خلال العام الماضي.
ويقول مسؤولون إسرائيليون إن البنية التحتية العسكرية للحزب متغلغلة بشكل وثيق في القرى والتجمعات السكنية في جنوب لبنان، حيث يتم تخزين الذخيرة ومنصات إطلاق الصواريخ في المنازل في مختلف أنحاء المنطقة.
وتقصف إسرائيل بعض هذه القرى منذ شهور بهدف إضعاف قدرات الحزب.
لكن التفاصيل المؤكدة بخصوص شبكة الأنفاق تظل نادرة.
وذكر تقرير صدر في 2021 عن مركز ألما، الإسرائيلي المتخصص في حزب الله، أن إيران وكوريا الشمالية ساعدتا في بناء شبكة الأنفاق في أعقاب حرب 2006.
وكافحت إسرائيل بالفعل من أجل القضاء على قادة «حماس» ووحداتها القتالية المعتمدة على نفسها في الأنفاق المارة عبر غزة.
وقالت كرميت فالنسي، الباحثة البارزة في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب «هذا هو أحد أكبر التحديات التي نواجهها في غزة، ومن المؤكد أنه شيء قد نواجهه في لبنان».
وتابع كريج أنه على عكس غزة حيث يتم حفر معظم الأنفاق يدوياً في تربة رملية فإن الأنفاق في لبنان تم حفرها عميقاً في صخور الجبال.
وأضاف «الوصول إليها أصعب كثيراً من غزة وحتى تدميرها أصعب».