كانت البداية مثيرة للاهتمام، في مواجهة غلاء الأسعار والرغبة في موازنة الراتب التقاعدي مع المصروفات التي هي عبء ثقيل على المواطن، خصوصاً من كان موظفاً بشهادة علمية محدودة وراتب لا يسد احتياجات بيته وأسرته.
لكن اليوم ارتفع سقف المطالبات بنوع من المبالغة، فقبل أيام عدة تفاعل مرتادو مواقع التواصل الاجتماعي مع موضوع قائمة مطالب المواطنين المتقاعدين، ومنها المطالبة بمجمع تجاري خاص وحديقة وصالة زفاف... وغيرها.
اعتقدتُ في البداية أن الموضوع مُزحة، وصُدِمت بجدية هذه المطالب، فتساءلت بيني وبين نفسي: إلى أين سيصل المتقاعدون بمطالبهم؟
إن استخدام اللغة العاطفية البحتة في المطالبة أمر مثير للاستغراب، فهنالك حالات في المجتمع تستحق الاهتمام أكثر لأسباب صحية خارجة عن قدراتهم، كذوي الاحتياجات الخاصة، فهم يحتاجون إلى تعامل خاص بهم.
وهناك كذلك الأطفال الذين يتعرّضون للعنف المنزلي، فهم يستحقون الاهتمام المجتمعي، وحمايتهم بالسرعة القصوى... وتجاهل معاناتهم ومعاناة ذوي الهمم -على سبيل المثال- سيشكل خطراً مجتمعياً كبيراً.
لا ضير في أن تطفو على السطح قضية متقاعد يسعى لرفاهيته بعد عناء سنين في العمل، لكن لابد أن يكون الهدف معقولاً ومدروساً وجاداً، بلا تسرع ولا مبالغة، لأن هذا سيشكل ردة فعل عكسية لتلك المطالبات كي يظهر المتقاعد بصورة هلامية غير واضحة.
لا أحد يحاربهم، أو يقف ضد إنصافهم وتحقيق أمانيهم، فأحدنا لن يعمل مدى الحياة، لكننا نرغب برؤية دراسة واضحة للصعوبات التي يواجهها المتقاعدون واقتراح حلول فعالة تخدم المصلحة العامة في المجتمع.
وبمناسبة الحديث عن المصلحة العامة، أنا أبدي اعتراضي على بعض من يعتبرون أنفسهم وحدهم الفئة المظلومة في المجتمع، وبأن قضيتهم لابد أن تكون القضية الأولى والمحورية في كل وقت، لدرجة بلغت حد منع الانتقاد، حتى صرنا نفكر كثيراً قبل الخوض في موضوعهم، وبطرح مليء بالمجاملات، كي لا نُقابل بهجوم غير مبرر أو أن نُنعت باللامبالاة وعدم الاكتراث لهم.
أعتقد أن قضية المتقاعدين بحاجة لأشخاص يستطيعون مناقشتها باتزان ودون مبالغة، والاهتمام بمطالبات مُستحقة، فلو كان العالم كله يدور حول المتقاعدين، لأعلنّا جميعاً تقاعدنا قريباً!