قضيتُ الشهر الماضي في ربوع المملكة المغربية في إجازة داخلية مفتوحة متعددة الاتجاهات، ما بين تلبية دعوة صديق في أقصى الجنوب المغربي إلى دعوة أخرى تبعد عن الأولى ما يُقارب ألف وستمئة كيلو متر، حيث يصرّ ذلك الصديق الذي يعيش في مدينة وجدة على الزيارة والتهديد بالمقاطعة وحظر التعامل مع العبدلله، في حال عدم تلبية الدعوة.
في الصحراء المغربية إفطارك وغداؤك وعشاؤك من لحم الجمل، حتى تشعر بأنك أصبحت منطاداً، وهذا هو كرم المغاربة بتعدده واختلاف أنواع موائده. ومن الجنوب نعود لمدينتي الحمراء مراكش التي أصبحت شبه (خاوية) في الشهر الثامن والحرارة فيها تتجاوز منتصف الأربعين درجة، (يا ربي السلامة) وماهي إلا يومان حتى يتم الهروب شرقاً في (الاوتوموبيل) وحيداً، مع توقف في مكناس (مدينة الشرفا) لمدة يوم ومن ثم السير شرقاً.
طرق سريعة تنافس أجمل طرق العالم، تارة في أرض منبسطة وتارة أخرى أنت في أعلى سلسلة جبلية ولكن لا تشعر إطلاقاً بأي صعوبة.
وصلنا (وجدة) عند صاحبنا حيث كرم الضيافة وحُسن اللقاء ومن ثم قمنا معاً بالذهاب إلى السعيدية التي أنعم الله عليها بأجمل شاطئ على مستوى البحر المتوسط، وكانت تغص بالزوار وخاصة من مغاربة أوروبا، وفجأة تجد أمامك (الزريقا) وهي سيارة الصديق الجميل سي عبدالسلام، يا للهول الزريقا قطعت مسافة تسعمئة كيلو متر من مراكش للسعيدية وهي تحمل ذلك المتقاعد العسكري (سي عبسلام ) جاء بالأسرة ليقضي اجازته على شواطئ السعيدية.
هناك صفة مشتركة ما بين المغاربة والكويتيين وهي (التحلطم) أي التذمر، لو تأخرت إشارة المرور دقيقة واحدة تجد السائق المغربي يحمّل الأمم المتحدة المسؤولية وإذا دخل إلى مقهى وتأخر عليه الطلب بسبب الزحام في المكان تجده (يتحلطم) ويقول لك (البلاصه زوينه لكن الخدمه ماكايناش سي جابر).
من طرائف التحلطم المغربي كنت في يوم من الأيام مع صديق مراكشي يشتكي من كل شيء من الغلاء ومن أخلاق الناس ومن أداء الحكومة وكلما خرجنا بسيارته تبدأ نغمة التحلطم والتذمر، ومراكش بلد فيها مؤتمرات طوال العام وتكثر فيها المواكب الرسمية لضيوف البلاد، وكانت هذه المواكب تزعج صاحبنا مع أنها لا تعطل السير سوى دقيقتين على الأكثر وينتقد هذا الصديق كل شيء على الطالعة والنازلة، لا الحكومة تعجبه ولا البرلمان ولا الناس ودائما يقول (خويا احنا المغاربة فينا كذا وكذا) مع أنه هناك مبالغة في نقده، ودائماً أقول له الناس تحلم بالعيش في المغرب وانت لا يعجبك العجب.
يوماً ما توقفنا عند إشارة المرور وجاء عسكري على دراجة نارية ووقف معترضاً الطريق وأشار بيده ألا يتحرّك أحد حتى يمر الموكب، فجأة قفز صاحبي من السيارة مهرولاً وبصوت عالٍ (عاش الملك عاش الملك) ولم أكن أعلم بأنه موكب جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، إلا بعد أن مر وهو يشير بيده محيياً الجميع، المغاربة يتذمرون ويشتكون وينتقدون لكن الوطن والملك هما عينا كل مغربي ومغربية، فهناك حب يتبادلونه مع ملك أحبهم وأحبوه، وفي ذات يوم قلت لصاحبي (بركة عليك كل نهار شكايه وتذمر قول الحمدلله على نعمة المغرب) فنظر إليّ وهو يتهيأ للانطلاق بسيارته (الزريقا) وقال بلهجة أهل مراكش (خويا اشبيتي دابا؟!) فجاوبته (مابغيت والو خويا) الله يعاون... دمتم بخير.
jaberalhajri8@