حين نتفكر ونتبصر في تصميم الرب الخالق للحياة الإنسانية بكل جزيئاتها وتفاصليها نجد أنها مبنية وقائمة على التبادل والتعاون بين الإنسان وأخيه الإنسان، حيث تكون حياة أي إنسان محالة من غير تلقي شيء من العون من غيره على صعيد حاجاته البدنية والروحية والفكرية.
وفي ظل الحضارة المادية التي نعيشها اليوم التي تشجع على الانشغال بالشأن الشخصي إلى حد الأثرة والأنانية، وجعلت من الصراع والتنافس على الاستحواذ على المزيد من المال والنفوذ والشهرة والسلطة مصدراً للاستغراق في كل ما هو خاص وشخصي، وكان ذلك على حساب التفكير في الآخر، والوقوف إلى جانب المحتاج والضعيف والمكروب، وذوي الظروف الصعبة. وما نخشاه هو استمرار تراجع حالة التواصل الروحي والعاطفي القائم على الاهتمام والمراعاة والشعور بمشاعر الآخرين وتقديم المعونة لهم.
عندما كبرنا وبدأت علاقاتنا تتراجع وتسوء من سيئ إلى أسوأ، استوعبنا وأدركنا تأثير الماديات على حياتنا وعلاقاتنا بأنواعها وأصنافها، تآكلت العلاقات الأولية وتبعتها الثانوية وانتهت بالعلاقات المرجعية، كما قسمها وصنفها مؤسس علم الاجتماع، العالم ابن خلدون، رحمه الله، لا يوجد بيت أو مؤسسة أو جماعة إلا ونشب بينهم الخلاف، قد يكون اختلافاً على أشياء أو مواضيع لا تستحق الخلاف. فكل الأطراف تأخذهم العزة بالإثم، ويتعالون على الاعتراف بالخطأ، وكلهم يتمسك ويتعصب لرأيه أو موقفه، من هنا تبدأ العلاقات الاجتماعية بالتآكل إلى أن تصل إلى الانهيار، سواء كانت علاقات عائلية أو صداقات أو زمالات دراسة أو عمل.
ومن أهم أسباب الخلافات بالعلاقات الاجتماعية، إما أن يكون مفهوم غير مقصود، وإما مقصود غير مفهوم، أما الشيء الآخر شخصنة المواضيع، وعدم التفريق بين الشخص وأفكاره، إن أردنا النقاش فلابد أن نناقش فكرة الشخص وليس ذاته، وبما أن الأفهام تختلف والبيئات تتفاوت في درجات تمسكها بالعادات والتقاليد والقيم المجتمعية، فلا يجوز أو يحق لنا أن نعيب أو ننقد ما يناقض ما وضعناه دستوراً لحياتنا، مستمدينه من القيم الأخلاقية والمجتمعية.
برأينا السبب الجوهري لتصدع وتفتت العلاقات الاجتماعية أياً كان نوعها أو صنفها، التلاعب السافر بمفاهيم كنّا نجسدها بالعلاقات، مثل التراحم والتواصل والتعاون والتشاعر المتبادل مع الآخرين، وحلّ محلها النقيض من مفاهيم الكره والبغض، والقطيعة، وعدم التعاون، وانعدام الشعور والإحساس بمعاناة الآخرين.
من يرد النجاح والفلاح والاستمتاع في علاقاته بأنواعها فعليه الرجوع للمفاهيم الإيجابية التي رضعناها من صدور أمهاتنا وتحديثها، وتجسيدها في علاقاتنا، وتكون عاموداً وأساساً في تعاملاتنا مع الآخرين أياً كان موقعهم في حياتنا.
M.alwohaib@gmail.com
mona_alwohaib@