اعتبر أستاذ علم الأنثروبولوجيا والآثار في جامعة الكويت الدكتور حسن أشكناني أن برنامج «قصة أرض» الذي يُقدمه على «منصة 51» وتلفزيون الكويت أصبح مرجعاً موثوقاً لجميع المشاهدين، خصوصاً وأنه يستند إلى أكثر من 455 مصدراً وتقريراً علمياً.
وأوضح أشكناني في حوار مع «الراي» أن البرنامج فريدٌ في تاريخ التلفزيون، كونه متخصصاً وكاملاً وشاملاً لقصة أرض الكويت لناحية التاريخ الجيولوجي، مشيراً إلى أن جزيرة فيلكا وحدها احتضنت حضارات تعود إلى 2050 سنة قبل الميلاد.
كما أضاء أشكناني على العديد من المعلومات والنقاط التاريخية والجيولوجية، بالإضافة إلى تلك التي تتعلّق بثقافة الإنسان، وغيرها نسرد تفاصيلها في هذه السطور.
• يُعرض لك حالياً على «منصة 51» وتلفزيون الكويت برنامج «قصة أرض»، وهو من البرامج التي تعود بالمشاهد إلى عصور قديمة جداً، فكيف بدأت اللبنة الأولى للبرنامج حتى تبلورت الفكرة وأبصرت النور؟
- كانت البداية في إقامة عمل تلفزيوني توثيقي لمعرفة الثقافات والحضارات التي عاشت على أرض الكويت منذ آلاف السنين. فهناك الكثير من البرامج الثقافية والحوارات التاريخية والتراثية على قنوات تلفزيون الكويت منذ سنوات، ولكن لا يوجد برنامج واحد متخصص وكامل وشامل لقصة أرض الكويت، من ناحية التاريخ الجيولوجي وتكوين أرض الكويت قبل 26 مليون سنة، وكذلك التاريخ الثقافي الذي بدأ من الناحية الأثرية قبل 7200 سنة كأقدم استيطان وموقع بشري على أرض الكويت. لذلك يعتبر برنامج «قصة أرض» فريدٌ في تاريخ تلفزيون الكويت لأنه خصّص مواسم وحلقات للحديث عن كل الاكتشافات الأثرية في دولة الكويت من قبل البعثات الأثرية، ليصبح البرنامج مرجعاً موثوقاً لجميع المشاهدين، مستنداً إلى أكثر من 455 مصدراً وتقريراً علمياً في إعداد كل تلك المعلومات.
• كونك أستاذ علم الأنثروبولوجيا والآثار في جامعة الكويت، هل أسهمت خبرتك في هذا التخصّص بثراء البرنامج وإعداده بالطريقة العلمية الصحيحة؟
- طبعاً. فأنا حصلت على درجة الماجستير والدكتوراه من الولايات المتحدة الأميركية في تخصص الأنثروبولوجيا «علم ثقافة الإنسان»، والتخصص الدقيق في فرع علم الآثار، وتحديداً آثار الخليج العربي باستخدام أحدث منهجية علمية في أميركا وهي التحليل الكيميائي والفيزيائي والمعدني لآثار الإنسان القديم.
وبعد دراستي في الولايات المتحدة لما يقرب العشر سنوات، وإجراء التحاليل المختبرية، والمشاركة في أبحاث علمية، ونشرها في أفضل مجلات العالم المتخصصة، ومنها بحث حصل على الأكثر تنزيلاً على مستوى العالم حول موقع ميناء دلمون «موقع الخضر» في فيلكا قبل 4000 سنة، إضافة إلى دعوتي للانضمام في مجلات مرموقة للتحكيم والتقويم، فأصبحت هناك خطوة مهمة لعرض كل تلك الخبرات والمعلومات والنتائج العلمية حول آثار الكويت في برنامج متخصص يبث في قنوات مهمة وعالمية ورسمية مثل تلفزيون دولة الكويت، عوضاً عن الاعتماد على الطرق التي كنت أسلكها في برامج «التواصل الاجتماعي».
• ذكرت في البرنامج أن أرض الكويت احتضنت 7 حضارات، بالإضافة إلى بعض الآثار التي يعود تاريخها إلى ملايين السنوات، ولكن لماذا ظلّت هذه الآثار منسية رغم أهميتها الثقافية والجيولوجية؟
- بالعكس آثار دولة الكويت ليست منسية، بل هناك اهتمام من قبل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالإشراف والرعاية الكاملة للبعثات الأثرية التي تفد كل عام إلى دولة الكويت للعمل في المسوحات والتنقيبات الأثرية في مناطق، مثل كاظمة والصبية وجزيرة فيلكا. وكذلك اهتمام المجلس الوطني بطباعة تلك التقارير العلمية وتغطية تكاليف التحاليل المختبرية وإقامة مؤتمر علمي كل عام في دولة الكويت بالتعاون مع المركز الفرنسي للعلوم الاجتماعية والذي مقره في الكويت، فضلاً عن إقامة مؤتمرات ومحاضرات علمية حول آثار الكويت في متحف ومختبر الآثار والأنثروبولوجيا في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت. كما لا ننسى رعاية المجلس لمؤلفاتنا وأبحاثنا ونشرها وتوزيعها في المناسبات والمعارض المهمة مثل معرض الكتاب الدولي السنوي الذي يُقام في الكويت. أما المواقع الجيولوجية، فهي من مهمة هيئة البيئة التي مازالت تحرص على الحفاظ على تلك المواقع المميزة والتعاون المشترك مع أساتذة علوم الأرض في كلية العلوم بجامعة الكويت ومعهد الكويت للأبحاث العلمية. ما نحتاجه اليوم هو إبراز تلك الكنوز الجيولوجية والثقافية والأثرية إعلامياً وعلى جميع المستويات ولجميع الأعمار والفئات.
• تحدّثت عن ثقافة الإنسان الكويتي، وما طرأ عليها من تغيرات مع مرور الزمن، فهل ما نشهده من «هبّات» في مجتمعنا، يعتبر جزءاً من تلك الثقافة؟
- الثقافة هي مركّب جميل من العادات والتقاليد والأخلاق والملبس والمأكل والسكن وكل ما يسلكه الإنسان مع جماعته في المجتمع. فالثقافة عبارة عن بناء تراكمي ينتج بعد سنوات من خبرة الإنسان مع مجتمعه، والثقافة مترابطة ومتماسكة مثل ما حدث مع الكويت قبل النفط، فعادات العلاج والمعتقدات الشعبية كانت متوافقة ومترابطة مع طبيعة التعليم التقليدي والاقتصاد التقليدي، ولكن كل هذا أصابه التغيير بعد اكتشاف النفط، فتغيرت المساكن والملابس واندثرت المعتقدات الشعبية، حتى أصبح المجتمع يمتلك ثقافة متأقلمة مع الوضع الجديد، عن طريق عمل تحديثات على بعض الأنماط الثقافية القديمة، مثل تطور وظيفة الديوانية، وتحول جلسات شاي الضحى إلى «الواتس أب» أو اختفائها لعدم وجود دور لها في الحياة الحديثة. لذلك، «الهبّات» هي جزء من الممارسات الثقافية التي تحتاج إلى فترة زمنية للإقرار بصمودها وتصبح جزءاً من ثقافة المجتمع أو أنها تنتهي وتندثر بعد فترة زمنية. ولكن ظاهرة «الهبة» هي من اختصاص الانثربولوجيا الثقافية التي تهتم في دراسة الظواهر الثقافية في المجتمعات الحالية.
«أقدم سفينة»
يحمل أشكناني قطعة من الطين المحروق تحمل رسمة أقدم دليل سفينة في العالم من 7000 سنة، عثرت عليها البعثة البريطانية في منطقة الصبية (يعود إلى ثقافة العبيد - العصر الحجري الحديث المتأخر 5000 قبل الميلاد).
«ساحرة فريدة»
قال أشكناني إنه «لا شيء يثير اهتمامي وإعجابي كما هي الحال مع فيلكا، فهي جزيرة ساحرة فريدة في حضاراتها ومعالمها الأثرية والطبيعية والجيولوجية». ومضى يقول: «تخيّلوا أن هذه الجزيرة الصغيرة التي تشكّلت جيولوجياً قبل 6000 سنة وُجدت على أرضها حضارات تعود إلى 2050 سنة قبل الميلاد (سلالة أور الثالثة) و(حضارة دلمون 2000 سنة قبل الميلاد)، و(شعوب البحر 1700 سنة قبل الميلاد)، و(الكاشية 1500 سنة قبل الميلاد) و(الهلنستيين 280 سنة قبل الميلاد)، والمسيحية والساسانية في القرن السابع ميلادي، بالإضافة إلى الحضارة الإسلامية في القرن التاسع الميلادي».
«هبة أرض الكويت»
وصف أشكناني جزيرة فيلكا بأنها «هبة أرض الكويت»، مؤكداً ظهور العديد من المواقع من القرن 18 و19 ميلادي المرتبطة بأهاليها، وانتقالهم من موقع قرية القرينية وقرية الدشت وقرية سعيدة وقرية الزور. كذلك تنوع المواقع الأثرية من قلعة وقصر ومعابد ومساكن وميناء ومنازل ومزارع ومقابر من كل العصور، «يجعل من فيلكا مكاناً فريداً يُبهر أي متخصص أو عالم آثار».