دُعي أكثر من 24 مليون ناخب في الجزائر، للتوجّه إلى صناديق الاقتراع غداً، في انتخابات رئاسية يعتبر الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون الأوفر حظاً للفوز فيها بولاية ثانية.
وقد تمكّن تبون، من تغيير صورته كأحد وجوه النظام إلى رئيس بوجه أبوي بالنسبة لكثيرين، لكن سجله في مجال الحريات يتعرّض لانتقادات كثيرة.
ويعدّ تبون (78 عاماً) أوّل رئيس جزائري من خارج صفوف جيش التحرير الوطني الذي قاد حرب الاستقلال ضد المستعمر الفرنسي (1954 - 1962).
ويتمثّل الرهان الرئيسي الذي يواجهه في نسبة المشاركة مقارنة بانتخابات العام 2019 التي أوصلته إلى الرئاسة بـ 58 في المئة من الأصوات وسط نسبة امتناع قياسية.
وجرى الاقتراع آنذاك في خضم الحراك الشعبي المطالب بتغيير مكوّنات النظام الحاكم منذ استقلال البلد عن الاستعمار الفرنسي في 1962، بعد أن أسقط الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.
ويقول مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسط في جنيف الجزائري حسني عبيدي لـ «فرانس برس»، إن «الرئيس حريص على أن تكون نسبة المشاركة كبيرة. إنه الرهان الرئيسي بالنسبة له. يريد أن يكون رئيساً عادياً وليس رئيساً منتخباً بشكل يثير الجدل».
وتقدّم للانتخابات ثلاثة مرشحين لقيادة البلاد التي يبلغ عدد سكانها نحو 45 مليوناً، والتي تعتبر أكبر مصدّر للغاز الطبيعي في أفريقيا.
ويعتبر تبون المرشح الأوفر حظاً. وترشّح في وجهه الإسلامي المعتدل عبدالعالي حساني شريف والاشتراكي يوسف أوشيش.
ويحظى تبون بدعم أحزاب الغالبية البرلمانية المكوّنة من جبهة التحرير الوطني والتجمّع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل وحركة البناء، إضافة إلى النواب المستقلين.
وعبدالعالي حساني شريف (57 عاماً) هو رئيس حزب حركة مجتمع السلم الإسلامية منذ سنة. وهو مهندس أشغال عمومية ونائب سابق في البرلمان (2007 الى 2012). وكانت الحركة امتنعت عن المشاركة في انتخابات 2019.
أما يوسف أوشيشي (41 عاماً) فهو صحافي سابق وعضو في مجلس الأمة، الغرفة الثانية للبرلمان، ويمثّل حزب جبهة القوى الاشتراكية، أقدم حزب معارض في الجزائر وله معقل تاريخي في منطقة القبائل.
وقاطعت جبهة القوى الاشتراكية الانتخابات الرئاسية منذ عام 1999.
وافتتحت مراكز الاقتراع للجزائريين المقيمين في الخارج الاثنين ودّعي إليها أكثر من 800 ألف ناخب. كذلك انطلقت الأربعاء عملية التصويت في المراكز المتنقلة المخصصة للمناطق النائية في بلد تفوق مساحته 2,3 مليون كلم مربع معظمها صحراء.
وبدأ الصمت الانتخابي منذ منتصف ليل الثلاثاء بعد حملة انتخابية جرت على غير العادة في فصل الصيف وسط حرارة شديدة الارتفاع، ما أدّى الى إقبال ضعيف على المهرجانات الانتخابية.
المزيد من الحريات
وقد تودّد المرشّحون إلى الشباب الذين يشكّلون أكثر من نصف السكان، بوعود تتعلّق بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية، على أمل تحسين القدرة الشرائية وجعل الاقتصاد أقل اعتماداً على المحروقات.
على المستوى الدولي، يبرز الدعم التام للقضيتين الفلسطينية والصحراوية من جانب المرشحين الثلاثة.
وأكّد تبون أنه نجح بالفعل خلال ولايته الأولى في تصحيح أخطاء الماضي في البلاد وإعادة الجزائر - ثالث أكبر اقتصاد في أفريقيا حالياً - إلى المسار الصحيح رغم «الحرب ضد الجائحة (كوفيد - 19) والفساد» في العامين الأولين.
في المقابل، تعهّد منافسا تبون بمنح الجزائريين المزيد من الحريات. وأعلن أوشيش التزامه «بالإفراج عن سجناء الرأي من خلال عفو رئاسي ومراجعة القوانين الجائرة».
أما حساني شريف فقد دافع عن «الحريات التي تم تقليصها إلى حدّ كبير في السنوات الأخيرة».
وبحسب عبيدي، فإن «الرئيس تبون مطالب بمعالجة التراجع الكبير في الحريات السياسية والإعلامية في ظل الطلاق البائن بين الجزائريين والسياسة كما هي الحال اليوم».
وأعربت منظمة العفو الدولية غير الحكومية في بيان في الثاني من سبتمبر عن قلقها من الوضع.
في الشارع، تباينت التوقعات. فالبعض يأمل في حدوث تحسّن في القدرة الشرائية مع اقتراب بداية العام الدراسي الجديد، بينما لا يؤمن البعض الآخر بأي تغيير ولا يبالي بالعملية الانتخابية.
لكن بالنسبة للكثير من الجزائريين، فإن أكثر ما يشغل بالهم هو التحديات الاقتصادية وتحدّث كثيرون من الأشخاص الذين التقتهم «فرانس برس» عن ارتفاع تكاليف المعيشة، ولم يرغب أي منهم في ذكر اسم عائلته.
وقال محمد (22 عاماً) «بصراحة، كلّ ما أريده هو الذهاب إلى بلد آخر. بمجرد أن أحصل على ما يكفي من المال لأدفع لمهرّب، سأغادر البلاد».
ولا تعرف عائشة (30 عاما)، ما إذا كانت ستصوّت أم لا، مضيفة «سأقرّر ذلك يوم الانتخاب. أعلم أن علينا التصويت، لكن السياسيين لا يتذكّرون النساء إلا عندما تكون هناك انتخابات ويريدون أصواتهن. بعد ذلك، ينسونهن حتى الانتخابات التالية».
خمسة أمور يجب معرفتها عن الجزائر
في ما يأتي خمسة أمور يجب معرفتها عن البلد الواقع في منطقة المغرب والذي كان مستعمرة فرنسية سابقة، وهو اليوم قوة إقليمية غنية بالغاز، ويزيد عدد سكانه على 45 مليوناً.
الغاز والنفط
الجزائر هي أكبر مصدّر للغاز الطبيعي في أفريقيا وعضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).
وتحتوي صحراء الجزائر الشاسعة على معظم احتياطاتها الكبيرة المؤكدة والبالغة نحو 4,504 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي و12200 مليون برميل من النفط الخام.
تشكّل عائدات المحروقات ثلاثة أخماس دخل الدولة الموجّه لدعم البنزين والكهرباء والخدمات الصحية والاجتماعية، والسلع الأساسية.
والجزائر مورّد حيوي للغاز إلى الاتحاد الأوروبي عبر خطي أنابيب رئيسيين، هما ترانس ميد الذي يمتد إلى إيطاليا عبر تونس، وميدغاز إلى إسبانيا.
وتحاول الجزائر التي تقلّ أعمار 45 في المئة من سكانها عن 25 عاما، تنويع اقتصادها لتلبية احتياجات مواطنيها.
ومن أجل تقليل اعتمادها على الطاقة، تعمل الجزائر على تشجيع النشاط التجاري والاستثمار الأجنبي والزراعة، وهو القطاع الذي يعوقه التصحر.
خصومة مع المغرب
تشهد العلاقات بين الجزائر والمغرب توتراً شديداً يتمحور حول الصحراء الغربية، وهي منطقة غنية باحتياطي الفوسفات والسمك وتعتبرها الرباط جزءاً من أراضيها.
وقطعت الجزائر الداعمة لجبهة بوليساريو المطالبة باستقلال الصحراء الغربية، علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب عام 2021.
في 2021، رفضت الجزائر أيضاً تجديد اتفاق مدته 25 عاماً لتصدير الغاز عبر الأراضي المغربية، ويتسابق الخصمان الإقليميان لبناء خط لضخ الغاز النيجيري إلى الأسواق الأوروبية.
كما يمتد التنافس بينهما إلى المياه وكرة القدم والنقل الجوي، مع وجود منافسة شرسة بين الخطوط الجوية الجزائرية والخطوط الجوية الملكية المغربية.
الاستقلال وما بعده
ظلّت الجزائر مستعمرة فرنسية لمدة 132 عاماً. وحصلت على الاستقلال في يوليو 1962 بعد حرب دامية استمرت قرابة ثماني سنوات وأسفرت عن مقتل مئات الآلاف.
وأطاح العقيد هواري بومدين (واسمه الحقيقي محمد بوخروبة) بالرئيس المؤسس للجزائر أحمد بن بلة في يوليو 1965، وقاد البلاد وحزب جبهة التحرير الوطني حتى وفاته عام 1978.
بعد أول انتخابات تشريعية متعددة الأحزاب عام 1991 والتي تصدرت نتائجها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، أعلنت حال الطوارئ وتدخّل الجيش عام 1992 لوقف المسار الانتخابي.
واندلعت إثر ذلك حرب أهلية أودت بنحو 200 ألف شخص قبل أن تنتهي «العشرية السوداء» في عام 2002.
حراك احتجاجي
بدأ حراك احتجاجي واسع يطالب بالديمقراطية في العام 2019، إثر إعلان الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة البالغ حينذاك 82 عاماً ترشحّه لولاية خامسة، ما أدى إلى تنحّيه بعد عقدين في السلطة تحت ضغط الشارع والجيش.
واستمر الحراك حتى بعد استقالة بوتفليقة، مطالباً بتغييرات شاملة في النظام السياسي القائم منذ الاستقلال.
في ديسمبر 2019، فاز عبدالمجيد تبون، رئيس الوزراء السابق في عهد بوتفليقة، بالانتخابات الرئاسية.
وتوقفت الاحتجاجات عام 2020 وسط قيود فرضت لاحتواء جائحة "كوفيد - 19".
موسيقى الراي
ظهرت موسيقى الراي الجزائرية في العقود الأخيرة من الحكم الاستعماري، في مواجهة القيود الاجتماعية. في 2022، صنفت منظمة "اليونيسكو" هذه الموسيقى في قائمتها للتراث الثقافي غير المادي.
واكتسبت موسيقى الراي ومركز إنتاجها الأكبر مدينة وهران في غرب الجزائر، شعبية كبيرة منذ الثمانينات ومازالت تؤثر على أجيال من الفنانين.
عام 1992، أصبح الشاب خالد أول فنان من منطقة المغرب العربي يصل إلى قائمة أفضل 50 أغنية عالميا بأغنيته «ديدي».