وما زالت سماء غزة تعلوها أقمار عدة، منها ما هو مضيء كالبدر، يحمل الخير، ومنها ما هو أقل إشعاعاً... وهناك ما هو مظلم لا يحمل إلّا الشر، فاختلف الناس حول تلك الأقمار.
ماذا كانوا يتوقعون من الشعب الفلسطيني بعد ما عانى ومازال يُعاني من الظلم والاضطهاد ونزع كرامته على مدى سبعة عقود من الزمن، ليأتي بنيامين نتنياهو، ليمارس الضغط الأكبر على إرادة الشعب الفلسطيني الذي أثبت صلابته، فكانت غزة وكان «طوفان الاقصى» واللوم على الغرب الذي لم يوقف نتنياهو لأنه تمادى، فما قام به يفوق «الهولوكوست» بمرات عدة.
وأستغرب من شدة الوقاحة التي جاء بها هذا المسؤول الى المنطقة بعد أن اعتمد مجلس الأمن، رؤية الرئيس جو بايدن في الثاني من يوليو، ولم تكن إلا رؤية اسرائيل، ثم سرعان ما أراد إضافة بعض الشروط الجديدة، بل حاول فرضها على الدول العربية المشاركة في المفاوضات، ومازال يتهم غزة بقوله إن المقاومة الفلسطينية هي سبب عدم وقف الحرب.
لقد وعد نتنياهو بالقضاء على«حماس»وباسترجاع الأسرى، ولم ينجح إلا في ارتكاب سلسلة من المجازر وسط ذهول العالم الرافض، وصمت العالم المؤيد لها.
ولكن العالم الحر مازال نابضاً بالحق من قبل الكثيرين... فها هو الصحافي الأميركي ستيف سوسبي، يؤكد«أن غزة هي مسؤوليتنا كأميركيين وكبشر للتراجع وللتوحّد من أجل وقف القتل».
كما انتقدت النائبة في مجلس النواب الأميركي الهان عمر، إدارة بايدن لرفضها الاعتراف بـ«الابادة الجماعية»في غزة، كما أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن، تعرّض للإذلال خلال زيارته الى اسرائيل لبحث صفقة تشمل تبادل الاسرى ووقف اطلاق النار في غزة، وهو الذي قال في أول زيارة لإسرائيل إنه يتحدث كيهودي نجا والداه من«الهولوكوست»! فكان تصريحاً غير موفق.
وكشف الجنرال الأميركي المتقاعد دوغليس غريغر، ان هناك قوات أميركية تقاتل في غزة مع دولة الاحتلال، بينما قال رئيس الاستخبارات الاسرائيلية السابق عامي ايلون، حين سئل عما يمكن أن يفعله أي فلسطيني،«سيقاتل ضد إسرائيل لنيل حريته، وسيفعل أي شيء للحصول على الحرية، ولا يمكنني ردع أشخاص يؤمنون بأن ليس لديهم ما يخسرونه، ونحن كإسرائيليين لا يجب أن نحصل على الأمن إلا اذا حصلوا هم على الأمل... فغالبية الإسرائيليين لا يعرفون ماذا يحصل لأنهم يرفضون رؤية ما يحصل. وعندما نرفض رؤية الحياة اليومية للفلسطينيين، فلن نفهم لماذا يواجهوننا ويحاربوننا، لذا، شئنا أم أبينا فنحن مَنْ نتحكم بحياة هؤلاء الملايين».
وقال السيناتور بيرني ساندرز رداً على سؤال لمذيعة شبكة «سي إن إن» كايتلين كولينز، إن«الناس تريد إيقاف نتنياهو عن القيام بالدمار الكبير الذي فرضه على غزة، وهو الآن بين أروقة المحكمة الدولية حول الإبادة الجماعية، وما يحدث الآن في غزة شيء مروع وغير مقبول».
لقد اعتقد نتنياهو ومَنْ يسانده، بأنه باغتيال إسماعيل هنية وفؤاد شكر، حقق نصراً، وهو واهم في ذلك، لأنه وباختصار لم يغيّر المعادلة، لأنه لم يستعد الأسرى، ولم يقض على المقاومة الفلسطينية، ولم يسيطر على غزة ولم يجعل البحر الأحمر آمناً أمام البواخر التجارية، ولم يعد المستوطنين الى شمال الكيان الصهيوني بعد تهجيرهم من مستوطناتهم بفعل المقاومة.
وقال المدير السابق لمكتب نيويورك في المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة كرايغ مؤخيبر،«لدينا مذبحة للأبرياء في كل يوم مع العذاب وتدمير البنية التحتية المدنية الحيوية، وكل يوم كذبة اسرائيلية شفافة أخرى لتبرير جرائمها».
ورأى جون ماكدونال أنه«يجب محاسبة جميع المرتبطين بجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل بما في ذلك المتحدثون الرسميون الذين تم ارسالهم لتبرير القتل الجماعي للمدنيين في غزة».
ويرى الدكتور جايسون هيكيل، الأستاذ في معهد العلوم والتكنولوجيا البيئية في جامعة برشلونة، أن كل مفاوضات وقف إطلاق النار لم تكن إلا تمثيلية من جانب اسرائيل والولايات المتحدة، لكسب الوقت لمواصلة تدمير غزة.
ومن أعجب الأمور ورغم كل ما حدث، هناك من يأمل في تعايش مع الشعب المحتل، بينما علّق عضو المجلس التشريعي الفلسطيني السابق مصطفى البرغوثي بان اتفاقية أوسلو«انتهت»، فقد باتت مخلوقاً قتله الإسرائيليون.
وتسطع ازدواجية المعايير في سماء العالم الدولي بقوة، عندما تعرّض قاضي المحكمة الدولية الى التهديد، وقالوا له، هل تعتقد ان المحكمة الدولية وضعت لكل الدول، بل هي ابتكرت للدول المتقدمة فقط، ولا يمكن أن تستعملها الدول الضعيفة.
ويستمر الكذب الاسرائيلي، ليس على مستوى نتنياهو فقط، بل يمتد ليصل الى رئيس دولة الاحتلال إسحاق هيرتسوغ الذي ادعى في مؤتمر ميونيخ للأمن، أن هناك كتاباً يحمل عنوان«نهاية اليهود»، وأنه من تأليف المجاهد محمود الزهار، بينما المؤلف الحقيقي هو شيخ مصري اسمه أبوالفداء محمد عزت محمد عارف.
ومن تابع هرتسوغ يستشف أنه مولع بالكذب، فقد سبق وأن ادعى أنه وجد كتيبات لصناعات أسلحة كيميائية في غزة ليتبين لاحقاً انه كتاب عن سيرة ذاتية... بل انه نشر كلاماً مفاده بأنه تم العثور على كتاب«كفاحي» الذي قام هتلر بتأليفه!.
همسة:
سوف تبقى غزة قمراً منيراً في سماء الكفاح الإنساني.