إسرائيل تستخدم «الدبلوماسية القذرة» لفرض استسلام المقاومة

10 أغسطس 2024 10:00 م

بعد أقل من 24 ساعة على إعلان أميركي - قطري - مصري عن الاقتراب من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وفي مدرسةٍ مئات العائلات النازحة من القطاع، قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي المدنيين المهجّرين فيها وقتلتْ أكثر من مئة منهم وجرحت العشرات.

وهذه المدرسة رقم 80 التي تقصفها إسرائيل وبداخلها نازحون مهجّرون مرات عدة من مناطق متفرقة من غزة، في تمادٍ سبُبه الأساسي عدم تحميل حكومة بنيامين نتنياهو ثمن ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية داخل القطاع من المجتمع والمؤسسات الدولية، ما يطلق العنان لحكومةٍ ومجتمع متطرف بالقتل اللا محدود للشعب الفلسطيني.

أما السبب الثاني فهو تمتُّع إسرائيل بدعمٍ أميركي مطلق وحمايةٍ في الأمم المتحدة، ما يساعد نتنياهو على تغطية جرائمه واستباحة جميع القوانين الدولية. ولهذا فإن أي حديث عن وقف نارٍ أو مباحثاتٍ في هذا الإطار ما هو إلا رماد يُذر في العيون لأن أي وقفٍ للحرب يعني نهاية حياة نتنياهو السياسية.

ولهذا فإن رئيس الوزراء يهرب ويعطّل المفاوضات من خلال القتْل الجَماعي لأنه لم يَعُد يطيق رؤية فلسطيني واحد على أرض فلسطين.

تتعمّد إسرائيل قتل المدنيين - في مشهد أصبح كلاسيكياً - أثناء مفاوضات وقف إطلاق النار لإجبار المقاومة الفلسطينية على الاستسلام من دون شروط. وهذا تكتيكٌ عسكري معروف باسم «الدبلوماسية القذرة» أو «الدبلوماسية القسرية» أو «العنف الإستراتيجي الدبلوماسي» ليَضع نفسه في خدمة الأهداف السياسية.

وكثيراً ما يُستخدم لممارسة الضغط النفسي على الجانب الآخَر بقتْل أعداد كبيرة من الأبرياء غير المقاتلين، في محاولةٍ لكسر إرادته في القتال وإجباره على قبول ما يُفرض عليه من شروط.

ويهدف هذا التكتيك لإظهار القوة التدميرية وإثارة الخوف وإضعاف معنويات الخصم من خلال الإشارة إلى أن استمرار المقاومة سيؤدي إلى المزيد من الضحايا والمعاناة بين المدنيين. ولهذا يُلاحَظ أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يمارس هذه السياسة منذ بضعة أشهر من خلال قتله ما بين 30 إلى 100 مدني يومياً داخل غزة ما دام المجتمع الدولي لا يحاسبه على هذه الجرائم التي ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

إذ إن هذا النهج «الدبلوماسي» اللا أخلاقي يشكل انتهاكاً للقانون الدولي لأن استهداف المدنيين محظور بموجب القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك اتفاقات جنيف التي تهدف لحماية المدنيين غير المقاتلين في أوقات الحرب.

أما الهدف الأساسي من هذا التكتيك فهو توفير مخرج واحد للخصم إذا امتثل لمطلب الطرف الآخَر، ما دام الضغط القاتل يُطبّق يومياً باستخدام العنف التدريجي المستمرّ من خلال التفوّق العسكري التقليدي.

وتاريخياً، كانت هناك حالاتٌ استَهدفتْ فيها القواتُ العسكرية السكان المدنيين أثناء مفاوضات إطلاق النار أو بعدها مباشرة لإضعاف عزيمة العدو وتقويض قاعدة دعْمه ودفْعه نحو عدم التفكير بتكرار أفعاله.

وغالباً ما تأتي هذه التكتيكات بنتائج عسكرية وعواقب طويلة الأجَل على شرعية وأخلاقية القوات المرتكبة لهذه التكتيكات.

ففي حصار لينينغراد (1941 - 1944) وخلال الحرب العالمية الثانية، حاصَر الجيش الألماني المدينةَ وقَطَعَ عمداً خطوط الغذاء والإمداد لتجويع السكان وتَعَرَّضَ المدنيون لقصف منهجي لكسْر معنوياتهم وإجبار السوفيات على الاستسلام. وعلى الرغم من معاناة السكان الشديدة ووفاة أكثر من مليون نسمة، لم تستسلم لينينغراد حتى في ظل ظروف وحشية.

وفي فبراير 1945، نفذت قوات الحلفاء بقيادة بريطانيا غاراتٍ مكثفةً على مدينة دريسدن الألمانية التي لم تمثّل أي قيمة إستراتيجية عسكرية. وكان هدف القصف إضعاف الروح المعنوية الألمانية والتعجيل بنهاية الحرب ما أدى إلى دمار واسع النطاق وإصابات مدنية كبيرة بلغت أكثر من 10.000 قتيل.

وكذلك في حرب فيتنام (1955 - 1975) كانت إستراتيجيةُ الولايات المتحدة من خلال «عملية الرعد المتدحرج» كسْر معنويات فيتنام الشمالية من خلال استهداف البنى التحتية والمناطق المدنية. ولم تحقق هذه الحرب أي تأثير على معنويات الشعب بل عزّزت عزم القوات الفيتنامية الشمالية على الصمود ما أدى إلى إطالة أمد الصراع.

وخلال الحرب الأهلية في رواندا عام 1994، بدأت الحكومة بقيادة الهوتو إبادةً جماعية ضد سكان التوتسي ما أسفر عن مقتل 800 ألف شخص في نحو 100 يوم.

واستخدم المتطرفون الهوتو القتْل الجَماعي لمحاولة إجبار الجبهة الوطنية الرواندية على وقف حملتها العسكرية. إلا أنها واصلت تقدمها وسيطرت على البلاد وفشلت الإبادة الجماعية في منْع انتصار الجبهة الرواندية. إلا ان ما حصل ترك ندوباً عميقة مدمّرة على السكان.

إذاً فإن الحرب تُستخدم لبلوغ السلام بوسائل عدة، إلا أن نتنياهو يتعلّم من التاريخ في استخدامه أسلوب «الدبلوماسية القذرة» حتى ولو لم تكن توصله إلى هدفه أمام المقاومة التي استوعبتْ تحمُّل الخسائر وفهمت سياسة إسرائيل التي لم تدرك انها تتعامل مع شعوب عقائدية تحمل قضيتها منذ 75 عاماً وتتوارثها من جيل إلى جيل ما سيدفع إلى المزيد من العنف بين الطرفين للسنوات المقبلة.

وتَعتبر إسرائيل ان قرار التفاوض أو الاستسلام يأتي من داخل غزة وليس من خارجها بعد تعيين يحيي السنوار رئيساً للمكتب السياسي لـ «حماس».

ولهذا تضغط عسكرياً من خلال المجازر اليومية غير الأخلاقية التي ترتكبها ضد المدنيين.

وتقدّر إسرائيل أن أي تجمع سكاني للمهجرين هو هدفٌ عسكري مشروع لها، وتالياً لقنابل طائراتها. وهذا يوجب على القيادة المدنية الفلسطينية تنظيم التجمعات والخِيَم وتوزيعها وتقليل الأهداف لإسرائيل ووضْع ضوابط للاستفادة من الأماكن المفتوحة، وأن تعمّ ثقافة الاستتار والاختفاء والغطاء لأنها أساسية للصمود وتقليص الفرص أمام طائرات جيش الاحتلال، إلى جانب إجراءات فردية - وليس بالضرورة جَماعية - لتخفيض الخسائر البشرية وحرمان نتنياهو الفرص لارتكاب المزيد من الجرائم القذرة في هذه المعركة القذرة.