في إسرائيل ولبنان وإيران واليمن ... يستعدّون لحرب متدحرجة وشاملة

3 أغسطس 2024 10:00 م

«إننا أمام معركة مفتوحة على كل الجبهات. ودخلتْ مرحلة جديدة»... هذا ما قاله الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله بعد اغتيال إسرائيل لقائد الجبهة اللبنانية المُسانِدة لـ«طوفان الأقصى» منذ الثامن من أكتوبر.

لكن ماذا يعني هذا الكلام؟ هل هي حربٌ ستبدأ على كل المناطق اللبنانية التي تقطنها البيئة الداعمة للمقاومة أو هي حرب شرق أوسطية مُتَدَحْرجة، لاعبوها متعددون بمَن فيهم أميركا وإيران؟

رسم نصرالله المرحلة المقبلة والتي تُلاقي ما طلبتْه «حماس» منذ السابع من أكتوبر، بفتْح كل الجبهات مرة واحدة. ولكن المعركة حينها كانت ستحيّد النظرَ عن فلسطين وقضيّتها المُحِقّة وستأتي بحلف «الناتو» كله وعلى رأسه أميركا لتُفتح «أبواب جهنم» على الجميع تحت عنوان «الدفاع عن إسرائيل».

إلا أنه اليوم وبعد مرور 10 أشهرٍ تقريباً، تغيّرتْ الأمور. فإسرائيل هاجمت بيروت وطهران ودمشق في آن واحد وبفارق ساعات، فاغتالت قائد عمليات جبهة الإسناد في «حزب الله» فؤاد شكر والزعيم السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية في طهران، وكذلك استشاريّ إيراني في سورية، وقصفت ميناء الحديدة، فيما استهدفت أميركا مراكز لـ «الحشد الشعبي» في العراق.

وهذا يعطي صورةً للعالم، بأن هذه الجبهات لها حق الردّ، بدل أن تكون تهاجم إسرائيل «لمحوها من الوجود»، كما ادّعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يَظْهر اليوم بصورة المعتدي المبادر لخرق كل الخطوط الحمر وقواعد الاشتباك، خصوصاً بعد وقوع ضحايا مدنيين في هذه الاعتداءات.

وما يعنيه السيد نصرالله أن الحربَ مفتوحة على كل الجبهات، أي أن إسرائيل تستطيع الغدر واغتيال أي مسؤول في الحزب مهما كانت رتبته ومسؤوليته العسكرية وأينما كان على الجغرافيا اللبنانية وغيرها.

إلا أن كلام الأمين العام يحمل أوجهاً غير تصعيدية أيضاً لأن حلف المقاومة لا يرغب بالحرب الشاملة ولكنه يدرك أن نتنياهو لن يَبقى في الحُكم لغاية أكتوبر 2026 إذا خاض حروباً على جبهات عدة وطويلة الأمد.

إذ قال نصرالله إن «جبهة الإسناد ستستمرّ بعملها ودعمها لغزة وفلسطين ولكن الردّ له طابع مختلف». وهذا يعني أنه يقدم الفرصة لإسرائيل للعودة إلى قواعد الاشتباك السابقة وانه لن يضرب أهدافاً تستهدف المدنيين الإسرائيليين مباشرة حتى ولو أوقع نتنياهو بضربه لبيروت عدداً من المدنيين بين قتيل وجريح.

هناك حالة ذعر وخوف في إسرائيل وتبليغات مستمرة عن تحذيرات وحال استنفار كبيرة لدى قياداتها وسكانها ومشاورات أمنية واجتماعات بين المستويات السياسية والعسكرية ضمن تقديرات بأن إسرائيل ستتعرض لهجمة واسعة من جهات عدة، من لبنان العراق وسورية وإيران، إضافة إلى غزة.

وقد ألغت إجازات الوحدات المقاتلة، ويتأهب الجيش والدفاع المدني فيها لرد الهجمة التي تعتقد أنها ستكون متعددة الجبهات. ولكن إسرائيل أعلنت أن مجلس الحرب قرر الرد على الرد، ما يعني أن التدحرج واردٌ إلا إذا ضُربت بنية تحتية وأهداف عسكرية فقط لحصْر المعركة والعمل على تفادي توسعها إذا أمْكن.

ولا يعتقد حلف المقاومة أن هناك خلافاً أو توبيخاً أو عدم اتفاق أميركي - إسرائيلي. فواشنطن سارعت لدفع قواتها وعزّزتْها وكذلك حلف «الناتو»، استعداداً لتلبية احتياجات إسرائيل العسكرية. ووُضْع سلاح الطيران المشترَك على أهبة الاستعداد لاعتراض الصواريخ وكذلك المشاركة اللاحقة إذا احتاجت تل أبيب، الدعم.

اذاً يتحضّر «حزب الله» لضرب إسرائيل، ومن الممكن ألّا تكون الضربة مشتركة، لإبقاء حالة الاستنفار لأطول مدة واستنزاف قدراتها وتقليب الرأي العام أكثر على ما يجرّه إليه نتنياهو تحت عنوان «مصالح إسرائيل» برفع مستوى التصعيد والذي يعني به فعلاً مصالحه الخاصة لأن لا فائدة إستراتيجية من قتل المفاوض الفلسطيني الرئيسي ولا القائد العسكري في «حزب الله» وكلاهما يُستبدلان بسرعة لتوافر الكفاءة عند جميع الأطراف.

وتحضّر إيران لضربة مختلفة هذه المرة لأنها تريد الانتقام وتستطيع استخدام صواريخ بالستية، من المؤكد أن عدداً منها سيتملص من جميع العواقب التي تنتظرها على الطريق البالغة 1600 كيلومتر بأقل تقدير، حتى ولو كان ذلك من شأنه أن يسمح لجميع الأقمار الاصطناعية بمشاهدة التحضير مهما كان سريعاً، إلا إذا أطلقت الصواريخ من مخابئها تحت الأرض حتى ولو تضمّن ذلك تحركاً مرئياً لاستخبارات العالم التي تركّز على إيران وتحمي إسرائيل.

اما الثِقل فيعتمد على لبنان الذي يملك جغرافيا يستطيع من خلالها إلحاق الأذى بإسرائيل وإصابة أهداف بشكل أكبر حتى ولو تمكّنت تل أبيب من خلال طبقاتها الدفاعية من اعتراض بعض المقذوفات.

لهذا تحضّرت بيئة المقاومة في لبنان للحرب بإخلاء القدر الممكن من المنازل كي لا يَفرض وجود المدنيين حرجاً في الردّ ولإظهار الدعم حتى ولو ذهبتْ الأمور نحو التدحرج الكلي كما يبدو الأمر في مواجهةِ عدو مصمّم على الحرب الشاملة لعلمه أن أميركا و«الناتو» سيدافعان عنه.

كذلك تتهيأ إيران لحرب شاملة خصوصاً بعد إعلان الولي الفقيه السيد علي خامنئي أنه يجب «التحضّر لجميع أساليب الهجوم والدفاع».

فالرد على الرد متوقّع، ويبقى التوقيت والأهداف المتعددة التي يتحضّر لها العالم لأن حرباً شاملة ستؤثر على الاقتصاد العالمي وليس فقط الشرق أوسطي. كل ذلك لأن هناك شخصاً في إسرائيل، نتنياهو، يتوجه لمجتمعه وللعالم ليقول ما قاله ملك فرنسا لويس الخامس عشر «من بعدي الطوفان».