اكتظت الحسينيات بروادها في ليلة ويوم العاشر من شهر محرم، لإحياء مراسم ذكرى استشهاد سبط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، في مثل هذه الأيام على أرض كربلاء مع ثلة من أهل بيته وأصحابه.
وعقدت الحسينيات مجالسها عشية ليلة العاشر من الشهر، واستمرت حتى صباحه، في ظل حضور جموع غفيرة من رواد الحسينيات للاستماع إلى سيرة مقتل سيد الشهداء، وسط مواكبة أمنية، بإشراف ومتابعة وكيل وزارة الداخلية الفريق سالم النواف.
وسَرد خطباء الحسينيات وصف الليلة الأخيرة لمقتل الحسين وأهل بيته، وثلة من أصحابه الذين استشهدوا بين يديه، فيما تخلل سيرة مقتل الحسين العديد من الرسائل التوجيهية للشباب في نبذ الظلم وأن يتحلّوا بالعدل في كل تعاملاتهم مع الآخرين.
وأشار الخطباء إلى بعض مواقف أصحاب الحسين في يوم مقتله، مبينين أنه أمر أصحابه أن يقاربوا البيوت بعضها من بعض، ليستقبلوا القوم من وجه واحد، وأمر بحفر خندق من وراء البيوت يوضع فيه الحطب وتلقى عليه النار إذا قاتلهم العدو كيلا تقتحمه الخيل فيكون القتال من وجه واحد.
ولفتوا إلى أن الحسين خرج في جوف الليل إلى خارج الخيام، يتفقد التلاع والعقبات فتبعه نافع بن هلال الجملي فسأله الحسين عما أخرجه، قال: يا ابن رسول اللّه أفزعني خروجك إلى جهة معسكر العدو، فقال الحسين: إني خرجت أتفقد التلاع والروابي مخافة أن تكون مكمناً لهجوم الخيل يوم تحملون ويحملون ثم رجع وهو قابض على يد نافع ويقول: هي واللّه وعد لا خلف فيه.
خطبة الحسين
وذكر الخطباء أنه لما أصبح الإمام الحسين عليه السلام، يوم عاشوراء، وصلّى بأصحابه صلاة الصبح، قام خطيباً فيهم حيث حمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال «إنّ الله سبحانه وتعالى قد أذِن في قتلكم وقتلي في هذا اليوم، فعليكم بالصبر والقتال». ثمّ صفّهم للحرب وكانوا 77 ما بين فارس وراجل، فجعل زهير بن القين في المَيمنة، وحبيب بن مظاهر في المَيسرة، وأعطى رايته أخاه العباس، وثبت هو وأهل بيته في القلب.
شهادة العبّاس
واستذكر الخطباء قصة شهادة العباس عليه السلام، وقالوا إنه «لَم يستطع صبراً على البقاء بعد أنْ فُني صحبُه وأهلُ بيته، وقد انقطع عنه المدد، وملأ مسامعه عويل النّساء وصراخ الأطفال من العطش، فطلب من أخيه الرخصة، ولمّا كان العبّاس أنفس الذخائر عند السّبط الشهيد لأنّ الأعداء تحذر صولته وترهب إقدامه، والحرم مطمئنّة بوجوده مهما تنظر اللواء مرفوعاً، فقال له: يا أخي أنت صاحب لوائي. فقال العبّاس: قد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين، واُريد أنْ آخذ ثأري منهم. فأمره الحسين أنْ يطلب الماء للأطفال، فذهب العبّاس إلى القوم ووعظهم وحذّرهم غضب الجبّار، فلَم ينفع. فرجع إلى أخيه يخبره، فسمع الأطفال يتصارخون من العطش فلَم تتطامن نفسه على هذا الحال، وثارت به الحميّة الهاشميّة».
وتابع الخطباء «ثمّ إنّه ركب جواده وأخذ القربة، فأحاط به أربعة آلاف ورموه بالنّبال فلَم ترعه كثرتهم، وأخذ يطرد أولئك وحده، ولواء الحمد يرفّ على رأسه، فلم تثبت له الرجال، ونزل إلى الفرات مطمئنّاً غير مبال بذلك الجمع. ولمّا اغترف من الماء ليشرب، تذكّر عطش الحسين ومَن معه، فرمى الماء ثمّ ملأ القربة وركب جواده وتوجّه نحو المخيّم، فقُطع عليه الطريق، وجعل يضرب حتّى أكثر القتل فيهم وكشفهم عن الطريق، وأتته السّهام كالمطر، فأصاب القربة سهم وأُريق ماؤها، وسهم أصاب صدره، وسقط على الأرض شهيداً».
الحسين وحيداً
وقال الخطباء إنه «لمّا قُتل العبّاس، التفت الحسين فلم يرَ أحداً ينصره، ونظر إلى أهله وصحبه مجزّرين كالأضاحي، وهو إذ ذاك يسمع عويل الأيامى وصراخ الأطفال صاح بأعلى صوته: هل من ذابّ عن حرم رسول الله؟ هل من موحّد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟ فارتفعت أصوات النّساء بالبكاء. ونهض السّجاد يتوكّأ على عصا ويجرّ سيفه، لأنّه مريض لا يستطيع الحركة. فصاح الحسين باُمّ كلثوم: احبسيه لئلاّ تخلو الأرض من نسل آل محمّد. فأرجعته إلى فراشه، ثمّ التحف ببردة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وتقلّد بسيفه».
وذكر الخطباء أن «الحسين تقدّم نحو القوم مصلتاً سيفه، ودعا النّاس إلى المبارزة، فلم يزل يقتل كلّ مَن برز إليه حتّى قَتل جمعاً كثيراً، ثمّ حمل على الميمنة وحمل على الميسرة فصاح بهم: إنْ لَم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم، وارجعوا إلى أحسابكم إنْ كنتم عرباً، كما تزعمون».
وأضافوا «وقصده القوم واشتد القتال وقد اشتدّ به العطش، وظل يقاتل حتى استشهد».