في ظل تزايد وتيرة رصد المثالب والملاحظات وردود الأفعال التي لم تخلُ من الاستياء عقب عرض الموازنة العامة الذي قدّمه وزير المالية وزير الدولة للشؤون الاقتصادية الدكتور أنور المضف قبل أيام عدة، دفع اقتصاديون بحزمة من المقترحات لمعالجة مواطن الخلل المالي التي جاءت في سياق العرض، داعين لاتباع سياسة الحزم في تطبيق معالجات جريئة لأزمة العجوزات، وعلى رأسها إعادة هيكلة الدعوم لترشيد الإنفاق، معتبرين أن العدالة والمساواة لا يلتقيان، خصوصاً في قضية الدعوم وآلية تقديمها.
وفي حين أعرب الاقتصاديون عن اسيتائهم جراء ما تناوله وزير المالية من أرقام تعكس غياب الرؤية والبدائل في ما يخص أزمة العجوزات المتتالية، سلّطوا الضوء في الوقت نفسه على محطات مهمة يجب أن تتوقف الحكومة عندها لتعديل الوضع الراهن، منها توفير المناخ المناسب للشباب للعمل في القطاع الخاص، وتقليص فجوة الرواتب بينه وبين القطاع العام، إضافة إلى إيقاف الهدر بعيداً عن التصريحات التي تدغدغ المشاعر.
وأجمعوا على أن حديث الوزير لم يأتِ بجديد، منوهين إلى ضرورة وضع اختلالات الميزانية في دائرة الضوء وتشخيص نقاط الضعف بشكل فني بحت، فيما رأى البعض أن للفساد آثاراً مباشرة على الاقتصاد الوطني ليس أقلها إعاقة التنمية.
صعوبة خفض الإنفاق
أكد الرئيس التنفيذي الأسبق للهيئة العامة للاستثمار علي رشيد البدر، صعوبة خفض الإنفاق الحكومي الذي يُعدّ مطلباً مهماً في ظل زيادة رواتب العاملين بأجهزة الدولة ووزاراتها، وكذلك المصروفات الأخرى شبه الثابتة.
وأوضح أن تلك المصروفات هي بنود رئيسية في الموازنة تشهد تزايداً مع ارتفاع معدل وأعداد الخريجين من الشباب الكويتي، داعياً إلى تشجيعهم للعمل والإنتاج في قطاعات ومجالات متعددة ومتنوعة بعيداً عن القطاع العام على أن يكون ذلك وفقاً لمعايير تضمن لهم الاستقرار.
وقال: «لن يتحقق هذا الهدف إلا بتطبيق توصيات مجلس التخطيط في التخصيص العام ونقل إدارة مؤسسات الخدمات العامة إلى القطاع الخاص»، مشيراً كذلك إلى أهمية وضع خطط واضحة لتنويع مصادر الدخل.
معالجة الهدر
أفاد وكيل وزارة التجارة والصناعة السابق عبدالله العفاسي، بأن معالجة الهدر في بند الدعوم يجب ألّا تكون بالترشيد عبر الآليات التقليدية ولكن بإعادة هيكلة منظومة الدعم بما يضمن وصوله لمستحقيه.
وأوضح أن ذلك يمكن إنجازه عبر تفعيل الدراسات السابقة في هذا الشأن والتي تعالج مواطن الهدر في هذا البند، مشدداً على ضرورة عدم المساس بالدعوم الخاصة بالمواد الغذائية التي لها فلسفة مختلفة خصوصاً بالمخزون الإستراتيجي للأمن الغذائي للبلد حيث أثبتت هذه المنظومة نجاحها على مستوى العالم بتجاوزها أزمة كورونا التي تعد أصعب مرحلة مرت على تاريخ البشرية.
وبيّن العفاسي أن الكويت دولة غير زراعية لذا يجب بناء مخزون إستراتيجي من المواد الغذائية لتحقيق الأمن القومي، وهو أمر يوفره دعم المواد الغذائية الذي يقوم بإيصالها إلى كل المواطنين.
وحول كيفية مواجهة الحكومة للتضخم في التوظيف الحكومي، قال العفاسي:«إن الحكومة تسلك دائماً الطريق الأسهل في خلق فرص وظيفية عبر زيادة التوظيف الحكومي، وهو أمر خطير على المدى البعيد»، موضحاً أن الميزان الحقيقي لعلاج هذا الأمر في أن يكون القطاع الخاص الأكثر إفرازاً للفرص الوظيفية حتى لا تتحمل الدولة هذا العبء.
ودعا إلى ضرورة التعاون بين القطاعين العام والخاص وتقديم الحوافز الإيجابية لاستقطاب المواطنين إلى القطاع الخاص، مؤكداً أن على الحكومة تغيير فلسفتها في آلية تعين الكويتيين بتغير آلية نسب التكويت التي يتم اتباعها حالياً للانتقال إلى نظام تكويت الوظائف بالكامل دون تحديد نسبة، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لإنجاح البرنامج الحكومي للتكويت، لافتاً إلى أن وزارة التجارة لديها سابقة ناجحة في ذلك عند إلزامها للشركات الخاضعة لرقابتها بتكويت بعض الوظائف بشكل كامل.
تفعيل القوانين
أفاد عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الكويت السابق طارق المطوع، بأن أهم خطوات الإصلاح التي يجب اتخاذها فوراً هي تفعيل القوانين وإنفاذها على الجميع، لافتاً إلى أن الكويت لديها حزمة من القوانين إذا تم تفعيلها ستعالج معظم المشكلات التي تعاني منها الميزانية العامة والتحديات التي تواجه الاقتصاد الكويتي.
وأضاف المطوع أن الخطوة الثانية التي يجب اتخاذها وستكون مكملة للخطوة الأولى هي محاربة الفساد، مؤكداً أن ترشيد الإنفاق الحكومي من أهم خطوات معالجة الوضع المالي للبلد، لاسيما مع قيام الحكومات المتعاقبة على مدار 30 عاماً (منذ الغزو) من زيادة في الإنفاق (غير المبرر) من دون دراسات موضوعية، الأمر الذي زاد الهدر في الأموال العامة وأثر على الحياة العامة لكل المواطنين لتدني الخدمات والمرافق التي يتم الصرف عليها دون نتيجة ملموسة.
وأكد أن للفساد آثاراً مباشرة على الاقتصاد الوطني منها أنه يعوق التنمية ويؤدي إلى تدني الخدمات.
وبيّن أن الفساد يخلق بيئة طاردة للاستثمارات المحلية والأجنبية ما يفقد الكويت فرصاً وظيفية وعوائد بديلة للنفط، داعياً إلى توفير الأراضي إلى القطاعات التخزينة والصناعية وسكن العمال.
توجيه الدعوم
قال رئيس الجمعية الاقتصادية مشاري العبدالجليل، إن «العدالة والمساواة لا يلتقيان، حيث يجب فوراً معالجة موضوع توجيه الدعم لمن لا يستحق، فلا يمكن أن يتلقّى من يمتلك سيارة واحدة على دعم يساوي من يمتلك أسطول سيارات، ومثل هكذا مثال يمكن إسقاطه أيضاً على العقارات والتموين وغيرها من الدعوم غير الموجهة بالشكل الصحيح».
وأكد العبدالجليل أن الحكومة مُطالبة بتشجيع الشباب الكويتي للعمل في القطاع الخاص في ظل توفير المناخ الملائم لهم على مستوى فارق الرواتب والأمان الوظيفي، مضيفاً: «يجب على الحكومة رفع نسبة التكويت في القطاع الخاص ومراقبة التلاعب في تلك النسب، ولا يمكن تحقيق ذلك من دون دعم وتمكين هذا القطاع ومساعدته على النمو».
وأضاف أن الجمعية الاقتصادية سبق وأن طالبت بذلك، منوهاً إلى أهمية الحزم والحرص على عدم تخطي السقف المعلن عنه، حيث إن ميزانيات الدول تبنى من الأعلى إلى الأسفل (top to bottom) بحيث تحدّد وزارة المالية سقف الإنفاق وتلزم جميع الجهات على عدم تخطيه.
وقال العبد الجليل: «تابعنا لقاءين لوزير المالية في أقل من شهر وكنا ننتظر منه أن يشرح رؤيته لتنويع مصادر الدخل لكنه لم يفعل. الكويت تحتاج إلى رؤية واضحة لتنويع مصادر الدخل وعلى جميع الجهات الحكومية العمل على تنفيذها».
وتابع أن «إيقاف الهدر في الميزانية يحتاج إلى عمل جاد، وليس إلى تصريحات تدغدغ المشاعر، حيث يجب علينا جميعاً تحديد مصادر الهدر وأسبابه والعمل على معالجته».
وأفاد بأن الجمعية الاقتصادية قدمت بالتعاون مع أكاديميين من جامعة الكويت، ورقة أولويات الإصلاح الشامل في الاقتصاد الكويتي، مقسّمة إلى إصلاحات اقتصادية ومالية ومؤسسية محددة في مدد من قصيرة إلى متوسطة وطويلة الأجل.
وأوضح أن «الكويت تحتاج إلى رؤية واضحة الملامح ومحددة بمدد تعمل عليها جميع الجهات لكي تعود البلاد كما عرفناها دائماً درة للخليج».
المعادلة ناقصة
أكد عضو مجلس إدارة اتحاد شركات الاستثمار، الرئيس التنفيذي في شركة رساميل للاستثمار، دخيل الدخيل أن تصريح وزير المالية لم يأتِ بجديد، مضيفاً: «كلنا نعلم باختلال الميزانية ونقاط الضعف وما يجب علينا فعله، والحديث حول إصلاح الميزانية يجب أن يغطي جانبين من المعادلة: تقييد المصروفات، وهو البدهي، والشق الآخر والغائب، هو تعزيز المدخول من خلال تنويع مصادر الدخل».
وقال: «تمت الإشارة إلى النية الحكومية برفع الإيرادات غير النفطية من 4 في المئة إلى 10 في المئة بحلول 2030 دون التطرق إلى كيفية تحقيق ذلك من خلال خطة إنجازات مجدولة».
وتابع: «يجب أن نؤسس مفهوم أننا نقدر مجهود القائمين على الحلول المقترحة لوضع البلاد الاقتصادي، وأن المهمة صعبة وموروثة ولها تشعبات ليست اقتصادية فحسب، بل اجتماعية وسياسية على حد سواء، ومع ذلك، نعتقد بأهمية دورنا كمواطنين وقطاع خاص في تقديم المشورة والنقد البناء لما يصب في مصلحة البلاد».
وقال الدخيل في حديثه لـ «الراي»: «أعتقد أن المعادلة تنقصها ثلاثة عوامل هي:
1 - الفِكر: في المرحلة الأولى، لا بأس أن نتعامل مع الإصلاح بعقلية المحاسب، وهي جديرة بأن تقود عملية ترشيد الإنفاق، فالمحاسب هدفه الأساسي تقليل المصروفات وضبطها. ولكنها لا تحقق المرجو، وهو فكر المستثمر الذي بدوره يعزز من ميزانية الدولة ويحقيق الهدف الأساسي، وهو تنويع مصادر الدخل. فعقلية المستثمر هدفها الأساسي تعظيم العوائد على كل دينار مستثمر مع مراعاة المخاطر.
2 - الفِكر المتجدد: مازلنا نسمع عن رغبتنا في إعادة أمجاد الماضي، تخيل معي أن نعيد كويت الستينات أو السبعينات في 2024 مع هذا التغير الجيوسياسي الهائل وموازين القوى الاقتصادية والتطور التكنولوجي. علينا إنتاج فكر جديد يتناسب مع واقعنا ويكون جاهزاً لاستيعاب متغيرات المستقبل.
3 - شراكة القطاع الخاص: بحثت عن كلمة قطاع خاص في العرض المكون من 30 صفحة ولم أجدها مكتوبة إلا مرة واحدة، ما يجعلني أتساءل، كيف سيتم تنويع مصادر الدخل من دون القطاع الخاص أو تهميشه؟
وبيّن الدخيل أن أهم ما ينقص المعادلة هو القصة، إذ إن الحديث عن الدعوم وترشيد الإنفاق، يثير حفيظة المعنيين كونه مؤلماً، وقد يكون ثمناً لابد من دفعه الآن للوصول إلى الهدف المرجو».
وأضاف: «لا أذكر أن هناك من باع لنا قصة أو رسم لنا صورة للمستقبل، فالقصة اليوم عندنا معكوسة لأن الواقع فرضها علينا فرضاً».
ولفت الدخيل إلى أن «المهمة صعبة وتحتاج الكثير من الوقت والعمل الدؤوب، لذلك نحن بانتظار هذه القصة التي ستأخذ الكويت إلى مكان أفضل، إلى كويت جميلة».
احتياطات ضخمة
قال رئيس اتحاد العقاريين إبراهيم العوضي، إن الكويت لديها ثروات ومقدرات واحتياطيات ضخمة من النفط وغيرها من المواد الطبيعية، لكن المشكلة الحقيقية في كيفية استخدام هذه الثروات بشكل أمثل وطريقة تعود على الدولة والمواطنين بالنفع حالياً ومستقبلاً، الأمر الذي افتقدناه خلال الفترات السابقة والحالية، حيث اعتمدنا بشكل كامل على النفط وأصبح سعره هو الذي يتحكم في ميزانيتنا ونسعى للوصول إلى سعر التعادل الذي يغطي المصروفات.
وأضاف أنه «لمعالجة هذا الوضع يجب على الحكومة تسريع الإصلاحات التي من شأنها دعم ميزانية الدولة، ويجب أن تكون مرتبطة بخطط واقعية وقابلة لتطبيق، وتطول الجميع سواء القطاع الحكومية أو القطاع الخاص».
وأوضح أن المشكلة الحقيقية في الميزانية هو أن الخلل مرتبط ببندين رئيسين وهما: الرواتب والدعومات، وبالنسبة للإيرادات فالرافد الأكبر يأتي من النفط، وعند المعالجة يجب أن يتم حل مكامن الخلل في الإيرادات والمصروفات معاً.
وأكد أن الكويت يجب أن تتخذ نهجاً جديداً في تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل، بوضع خطط وبدائل من خلال خطوات عدة أهمها: خلق مصادر دخل جديدة باستثمارات جديدة من الدولة، وخلق بيئة اقتصادية داخلية واشراك القطاع الخاص، والاستغلال الأمثل لأراضي وأملاك الدولة، وطرح مشاريع ترفيهية وخدمية، والتركيز على القطاع الصناعي، واستقطاب رؤس الأموال الأجنبية.
وبيّن أن زيادة الرسوم على أراضي وأملاك الدولة أمر جيد ولكن يجب أن يتم ربطه بتأثيره على المواطن خصوصاً لأصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة.
لم يكن موفقاً
أكد رئيس مجلس الإدارة في شركة نيوبيري للاتصالات عصام الطواري أن أسلوب الطرح الذي قدمه وزير المالية لم يكن موفقاً، حيث كان يفترض تقديم الرسالة بشكل أفضل من ذلك حتى لا تُصبح ردة الفعل سلبية كما حدث، موضحاً أن العرض لم يكن بشكل منطقي ومقنع.
وأشار إلى تجربة مماثلة، عندما ظهر وزير المالية السعودي في مؤتمر للإعلان عن أهداف المملكة المستقبلية، قام باستخدام لغة قاسية ولكنه قدم عرضاً واضحاً وبأرقام تبين مدى المشكلة التي تواجه الدولة وكيف يتم العلاج، وهو للأسف ما لم يحدث في الكويت.
وأضاف الطواري أنه كان يفترض على الحكومة أن تبدأ بنفسها قبل الآخرين، حيث لا يصح أن يتكلم الوزير عن جيوب الناس دون أن يتكلم عن خطة تقشف حكومية حقيقية توقف الهدر المستمر في الإنفاق الحكومي، فالكويت بحاجة إلى خطوات جادة وجريئة لمعاجلة المشاكل المالية والاقتصادية الحالية، موضحاً أنه رغم اختلافه مع الوزير في طريقة الطرح، إلا أنه يتفق معه على الأهداف.
وأكد أن أول قرار يجب أن يتم اتخاذه لمعالجة الوضع الاقتصادي وقف الهدر الحكومي وإعادة هيكلة الهيئات والمؤسسات الحكومية، بدمج المؤسسات التي لها دور متشابه، وذلك لزيادة الكفاءة وخفض المصاريف والتركيز في تقديم الخدمة، مضيفاً أنه يجب طرح عملية إصلاحات اقتصادية وفق رؤية عامة واضحة تشمل جميع القطاعات، مع ترشيد الدعوم للفئات المستحقة، وإعادة النظر في الرسوم الحكومية ولكن بشكل لا يؤثر سلباً على الاقتصاد.
وشدد على ضرورة إشراك القطاع الخاص في المشاريع التنموية لامتلاكه الخبرات والقدرات البشرية والمالية التي تؤهله للمشاركة الفعالة في كل المشروعات التي تطرحها الحكومة سواء كانت بنية تحتية أو تطوير أنشطة قائمة وغيرها من المجالات الاقتصادية.