كشفت دراسة أجراها فريق أسترالي عن «وجود حياة مزدهرة لمجتمعات عاشت في المملكة العربية السعودية قبل 6500 إلى 8000 عام». وأظهرت الأدلة التي تم جمعها لتلك المجتمعات في ذلك الوقت، بما في ذلك نوعية الطعام والأدوات التي استخدموها، والمجوهرات التي كانوا يرتدونها، أنهم «عاشوا في أجواء مزدهرة، الأمر الذي يجعل من الضروري إعادة النظر في الأفكار التقليدية المتمثلة في أن هذه المجموعات كانت تعاني، ودائمة التنقل عبر الأراضي القاحلة».
وذكرت الدراسة، التي نشرتها وسائل إعلام أسترالية، أن «العمل في هذه الدراسة التي تمت كجزء من مشروع برعاية الهيئة الملكية لمحافظة العلا، استغرق خمس سنوات، حيث قام فريق من الباحثين بدراسة 431 موقعاً حجريا قائماً في منطقتي العلا وخيبر شمال غرب المملكة العربية السعودية، فيما تم مسح 52 منها بالتفصيل، والتنقيب في 11 منها».
وأضافت الدراسة أنه «من المحتمل أن هؤلاء الأشخاص شكلوا مجموعة متميزة ثقافياً تفاعلت مع جيرانهم في بلاد الشام شمالاً (المنطقة التي تضم الأردن وفلسطين وسورية حالياً)»، إذ أظهرت النتائج أنهم «استوردوا حيواناتهم وتقنيات الأدوات الحجرية التي تشبه بعض الأدوات التي تم العثور عليها في مواقع سابقة في جميع أنحاء الأردن، ما يشير إلى أنهم إما تاجروا بها وإما تعلموا كيفية صنعها من أقصى الشمال».
«علوم الأرض»: هذه الاكتشافات تدعم فرضية أن الجزيرة العربية كانت ملائمة لقيام الحضارات
مبارك الهاجري لـ «الراي»: الدراسات أثبتت وجود بحيرات وأنهار في مناطق جافة حالياً
أكد رئيس مجلس إدارة الجمعية الكويتية لعلوم الأرض أستاذ الجيولوجيا الدكتور مبارك الهاجري لـ «الراي»، أن «الدراسات الجيولوجية الحديثة ساهمت في فهم وجود آثار لتجمعات بشرية في الجزيرة العربية تعود إلى نحو 8000 سنة، ما يشير إلى أن المناخ في تلك الفترة كان مختلفاً تماماً عن المناخ الحالي»، لافتاً إلى أن «هذه الاكتشافات تدعم الفرضية بأن الجزيرة العربية كانت منطقة ملائمة لقيام الحضارات بفضل المناخ الرطب والأرض الخصبة، ما ساعد في توفير مصادر المياه السطحية والجوفية، وأدى إلى نمو نباتات وأشجار دعمت حياة الإنسان والحيوان».
وذكر أن «الأدلة الجيولوجية تشير إلى أن نهاية آخر عصر جليدي قبل نحو 10000 سنة أدت إلى تغيرات مناخية كبيرة، فيما أثبتت دراسات الرسوبيات وجود بحيرات وأنهار كانت تجري في مناطق تعتبر اليوم جافة وصحراوية. هذه الدراسات أظهرت أن المنطقة كانت تتمتع بمناخ أكثر رطوبة».
وذكر أن «تحاليل الطبقات الرسوبية القديمة تُظهر أن الجزيرة العربية كانت تحتوي على مسطحات مائية واسعة وأراضٍ خصبة، ما جعلها منطقة جذابة للسكن والتجمعات البشرية»، مؤكداً أن«الأدلة الجيولوجية من الرواسب تثبت وجود نشاط مائي قديم في مناطق مثل الربع الخالي ونجد، حيث تم اكتشاف طبقات رسوبية تدل على وجود بحيرات قديمة وأنهار دائمة الجريان».
وبيّن أن «التغيرات المناخية التي حدثت بعد نهاية العصر الجليدي الأخير هي التي حولت الجزيرة العربية تدريجياً إلى صحراء قاحلة»، موضحاً أن «الجيولوجيين يعتمدون على دراسات الرواسب لتحليل هذه التغيرات وفهم كيفية تأثيرها على البيئة والحياة البشرية في المنطقة».
واعتبر أن «هذه الدراسات تضيف بُعداً جديداً لفهمنا لتاريخ الجزيرة العربية وتبرز الدور المهم الذي لعبه المناخ في تشكيل الحضارات القديمة. الأبحاث الجيولوجية تفتح الباب أمام مزيد من الاكتشافات التي تساعدنا في فهم التغيرات المناخية والبيئية التي مرت بها المنطقة على مر العصور».
سلطان الدويش لـ «الراي»: دراسة لافتة ونتائجها جيدة جداً
- بعثات أجنبية قامت بدراسات مشابهة في «الصبية»
قال مدير إدارة الآثار والمتاحف التابعة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب السابق الدكتور سلطان الدويش، المتخصص في آثار ما قبل التاريخ لـ «الراي»، إن «هذه الدراسة لافتة ونتائجها جيدة جداً، وقد سبق واكتشفنا مدافن المنشآت الحجرية في منطقة الصبية كذلك».
ولفت الدويش، مؤلف كتاب «أسرار مدافن الصبية الركامية في شمال الكويت»، إلى أنه «ثمة كثيراً من الدراسات والبحوث جرت في منطقة الصبية، وبينت طبيعة الحياة في تلك الفترات»، مشيراً إلى أن «بعثات كثيرة عملت في منطقة الصبية، ومنها البعثات البولندية والجورجية والسويسرية، ودرست منشآت مشابهة للتي تم دراستها من قبل الفريق الأسترالي في المملكة العربية السعودية، وكان ثمة اتصال كبير بين سكان منطقة الخليج العربي في ذلك الوقت».
تصوير جوي
استخدم فريق البحث مجموعة من التقنيات الحديثة والتقليدية لمعالجة القيود العملية للعمل في مثل هذه المناطق النائية والوعرة، كما قام بعمل مسح جوي بطائرة هليكوبتر في تحديد أمثلة للمساكن الممتدة على مساحة 40 ألف كيلومتر مربع من الصحراء البازلتية والرملية. كما تم استخدام طائرات من دون طيار لوضع مخططات للمواقع التي تبلغ مساحتها نحو 30 ألف متر مربع.
أدوات طهو وصناعة جلود
وجد فريق العمل أدلة على صناعة الأدوات الحجرية والطهو وتناول الطعام، بالإضافة إلى الأدوات المستخدمة في معالجة جلود الحيوانات.
لحم الضأن
في إشارة إلى نوعية الطعام التي تم تناولها في ذلك الوقت، ورد في الدراسة: «يُظهر تحليلنا لعظام الحيوانات الموجودة داخل الهياكل أن هؤلاء الأشخاص كانوا يأكلون في الغالب الأنواع المستأنسة، مثل المعز والأغنام، مع عدد أقل من الماشية. واستكملوا ذلك بالأنواع البرية مثل الغزلان والطيور»، مضيفة «هذا يعني أنهم كانوا قادرين على الاستجابة للتغيرات في بيئتهم بمرونة، ما يمنحهم المرونة في وقت كان من الممكن أن يؤثر فيه تغير المناخ على توافر المياه والغطاء النباتي».
طحن الأعشاب
بيّنت الدراسة أن «قدرة تكيّف هذه المجتمعات البشرية امتدت إلى استخدامهم للنباتات، حيث تركوا وراءهم العديد من أحجار الرحى، وهي ألواح من البازلت تتآكل بسبب طحن الأعشاب البرية والنباتات المحلية».
استيراد المعز والأغنام
لفتت الدراسة إلى أنه «كان من الممكن أيضاً الحصول على المعز والأغنام المستأنسة من أماكن أبعد، حيث لم تكن هناك نسخ برية من هذه الحيوانات في المنطقة، وكل ما أحضروه تم دمجه بشكل مفيد في أسلوب حياتهم، ليناسب الأراضي التي عرفوها جيداً بالفعل».