رأي قلمي

... حراً ومختاراً !

6 يوليو 2024 10:00 م

قال الله تعالى: «وَلَو شَآءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي ٱلأَرضِ كُلُّهُم جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤمِنِينَ». يونس: 99.

نلمس بوضوح من هذه الآية أن تكوين الإنسان الحر الكريم الذي يصون ذاته من التبعية والخضوع، هدف واضح وثابت، لأن الحرية من أهم القيم التي حرص الدين الإسلامي على ترسيخها في المجتمع المسلم.

والدليل في هذا عندما أخبر الله تعالى رسوله الكريم، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أنّ مهمّتَه هي البلاغ وسَوْقُ البراهين على صدق ما يقوله، وأمْر الهداية متروك للمشيئة الربانية.

إنّ الله تعالى سلب حق الاختيار من عباده بعد أن أرسل لهم الرسل، لكنه ترك لهم حرية القرار ليتحمّلوا مسؤولية ما اتجهوا إليه على نحو كامل، مثل قوله سبحانه: «فَذَكِّر إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّر (21) لَّستَ عَلَيهِم بِمُصيطِرٍ (22) إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلعَذَابَ ٱلأَكبَرَ (24)». الغاشية.

إنّ الإسلام أقَرّ حرية الاعتقاد، وحرية التفكير، وحرية التعبير والنقد، وحثّ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونقل حرية النقد والتعبير من الإباحة إلى الوجوب إذا ترتب على السكوت ضرر عام للناس. المقصود بالحرية بتعبير الفقهاء: (المكنة العامة التي قرّرها الشارع للأفراد على السواء، تمكيناً لهم من التصرف على خيرة من أمرهم دون الإضرار بالغير).

إلا أنّ كثيراً من الناس يمارس حريته بالمعنى السلبي لها التي يتمثل في التحرر من القيود التي تفرضها الحكومات على المواطنين بذرائع مختلفة. وقد يفهم بعض الناس أن الحرية هي الباب الأساسي للولوج إلى حقل التغيير والإصلاح، وأن الحرية هي شرط ووسيلة، مع أنها في الشريعة الإسلامية هي مقصد من المقاصد الكبرى والأساسية، من هنا أقرت كل الشرائع السماوية مبدأ مسؤولية الإنسان عن أعماله وتصرفاته، وإن محاسبة أي شخص على فعل من أفعاله متوقفة على كونه حرّاً ومختاراً في ذلك التصرف.

أما أصحاب الحريات السلبية المزيفة فدخلوا علينا من أسوأ أبوابها وهو إبراز قيمة الحرية من خلال ذكر أضدادها والأضرار الهائلة التي تترتب على فقدها، ومن أخطر وأسوأ نواقض الحرية على الإنسان هي تلك التي تصيبه في عقله وفكره، خصوصاً حينما تصبح حرية العقل وحرية الفكر وحرية الفهم مكبّلة ومعاقة ذاتياً وداخلياً، وبنوع من الاقتناع والارتياح، فيصاب المرء بانحراف فكري وأخلاقي وسلوكي، بحجة الحرية المزوّرة.

M.alwohaib@gmail.com

mona_alwohaib@