«بعض الأفراد اللبنانيين يرغبون ببساطة في الذهاب إلى النوادي الليلية، والتردد على الشواطئ، والعيش حياتهم. يُنظر إلى هذا النوع من الانغماس الذاتي من قبل البعض على أنه أنانية مدمرة تفسد الأمم».
بلهجة وصفت بـ "اللئيمة" و«المتغطرسة»، خاطب رئيس كتلة «حزب الله» النيابية، محمد رعد، غالبية اللبنانيين الذين لم يكونوا «في عجلة من أمرهم للموت»، واصفاً إياهم بالجبناء وغير المتعاطفين مع محنة أولئك في الجنوب.
بطبيعة الحال، أثارت «إهانة رعد» عاصفة من الانتقادات من العديد من اللبنانيين. لجأوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي، ونشروا صوراً ومقاطع فيديو لأنفسهم وأصدقائهم وهم يستمتعون بالنزهات الليلية والنزهات على الشاطئ، في رد على تصريحات رعد وما يمثله.
ومع ذلك، فشل استفزاز رعد والانتقادات التي تلت ذلك، في تسليط الضوء وتحديد السياق للعديد من الأمور التي يتجاهلها اللبنانيون والعديد من المجتمع الدولي عمداً عند معالجة جوهر المشكلة: «حزب الله».
تصريحات رعد ليست مصادفة بل هي جزء من خطة «حزب الله». كلما ضُيق عليهم الخناق، يتخذ أحد متحدثيهم، سواء رعد أو نعيم قاسم، نائب الأمين العام للحزب، منبراً ليلقننا دروساً في الأخلاق والتقوى، مدعياً أن أمة «حزب الله» هي التي تحدد ما هو صحيح وما هو خطأ.
بالنسبة لمحمد رعد، أي لبناني لا يرغب في الانتحار من خلال تأييد حرب «حزب الله» ضد إسرائيل، هو جبان وأحمق.
في جوهره، يريد من اللبنانيين أن يحتفلوا بثقافة الموت العبثي وأن يصدقوا العقيدة الغريبة وغير التقليدية التي تحاول إيران فرضها على شعب لبنان، خصوصاً الشيعة.
في حين تم إقناع عدد كبير من الشيعة اللبنانيين بأن أسلحة الحزب وارتباطه العضوي بإيران يشكلان قوة، فإن هؤلاء الأفراد أنفسهم لا يشتركون في عقيدة ولاية الفقيه، التي تتناقض عقائدياً مع «المتطرفين" الشيعة.
من المفارقات أن شعب إيران الشجاع هو من أشد المعجبين بالحياة، وتراثه الشعري الغني وماضيه الفني يبرهنان على ذلك.
علاوة على ذلك، مهما جلب "محور الممانعة" من المقاتلين إلى لبنان والمنطقة، التي غمرها بالعنف، لن يكون قادراً على تغيير الحمض النووي السوسيولوجي الأساسي للبنانيين الذين يحتفلون بالحياة وجوانبها المتعددة.
ربما شكلت تربة لبنان ومياهه وجغرافيته ومناخه المتوسطي، مجتمعاته موئلاً للمحبين للحياة. إن احتضانهم للحياة لا يعني بالضرورة استهلاك كميات كبيرة من الكحول أو التشمس على الشاطئ. إنه يعني الطموح لحياة أفضل، والعيش جنباً إلى جنب، كل يمارس قناعاته ومعتقداته من دون المساس بحقوق الآخرين.
إجراء بحث بسيط عبر Chat GPT «ماذا يعني أن تكون لبنانياً؟» يمنحك التالي:
- كونك لبنانياً هو هوية معقدة ومتعددة الأوجه تشمل تاريخاً غنياً، ثقافة متنوعة، وروحاً مرنة.
إليك بعض الجوانب التي تسهم في الهوية اللبنانية:
التنوع الثقافي، التراث التاريخي، الصمود، المطبخ، اللغة، الأسرة المجتمع، الفن والموسيقى، التعقيد السياسي، الشتات، الجمال الطبيعي، الضيافة، والروح الريادية.
- كونك لبنانياً يعني تبني هذا النسيج الغني من التاريخ والثقافة والتجارب المشتركة أثناء التنقل بين التحديات والفرص التي تأتي معه.
من المفارقات أن نفس تقنية الذكاء الاصطناعي يستخدمها الإسرائيليون لتحديد والقضاء بدقة على مقاتلي «حزب الله»، فيما لا تربط لبنان رابط بالعقلية الكئيبة والموت التي يريد رعد، تطبيعها.
إذا كان المرء ينهض ويحارب الطغيان والاحتلال، سعياً لتحرير أرضه، فإنه يفعل ذلك بنية العيش حياة أفضل، وليس الموت من أجل الموت فقط، ولا خدمة أهداف مشروع هيمني مماثل يقوده «حزب الله» والحرس الثوري الإيراني في بلاد الشام وما وراءها.
في خريف عام 2006، وُلد موقع «ناو ليبانون» من حملة «أنا أحب الحياة»، التي أطلقها أعضاء المجتمع المدني اللبناني لتحدي محاولات الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، وصف لبنان برؤيته الخاصة للعالم.
ذكّرت هذه الحملة البسيطة والقوية اللبنانيين والعالم أن الحرب هي حالة شاذة، وأن ثقافة الحياة ستنتصر دائماً على ما يعتبره البعض، كرامة وشرفاً من خلال الموت وسفك الدماء.
وبالتالي، لمواجهة تصريحات رعد، لا يكفي الاحتفال على الشاطئ أو النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، بل من الضروري أيضاً أن ندرك أن سبب التجرؤ على إهانة ما يمثله لبنان، يكمن في عدم حماية اللبنانيين لبيتهم من الأفكار والقوى التي تهدد ما كان في السابق واحة من الحرية والفكر الحر.
في النهاية، يجب على البعض أن يهدأ. وإذا رغب بالحرب و«الاستشهاد»، فليفعل الأمر بمفرده، فاللبنانيون لديهم أمور أكثر أهمية للاهتمام بها.