القمة العربية... واللعبة الإيرانيّة

19 مايو 2024 10:00 م

بغض النظر عن مدى أهمّية القمة العربية التي انعقدت في المنامة أو عدم أهميتها، وبغض النظر عن مرور كلّ هذه الشهور على حرب غزّة التي رافقتها وحشية إسرائيليّة لا حدود لها، كان لافتاً محاولة إيران تمرير لعبة على القمّة.

سيتبيّن في المستقبل القريب هل استطاعت «الجمهوريّة الإسلاميّة» تمرير لعبتها التي استُخدم فيها النظام السوري الذي استعاد موقع «الجمهوريّة العربيّة السوريّة» في جامعة الدول العربيّة؟

فحوى اللعبة الإيرانيّة، التي يفيد التوقف عندها، الترويج لوجود خلافات بين «الجمهوريّة الإسلاميّة» والنظام السوري، وأن رئيس النظام بشّار الأسد يحاول فعلا التفلّت من القبضة الإيرانيّة.

كان آخر ما اطلق من بالونات اختبار الإعلان عن اتخاذ السلطات الأمنيّة السوريّة إجراءات تمنع الإيرانيين أو عناصر من الميليشيات المذهبيّة التابعة لـ«الحرس الثوري» من الصلاة وتأدية شعائر معيّنة في حرم المسجد الأموي.

لم تكن هناك إشارة بالاسم إلى الإيرانيين الذين يزورون دمشق ويجوبون فيها أو لعناصر الميليشيات التابعة لـ«الحرس الثوري»، لكن الواضح أنّ المطلوب كان إظهار أنّ هناك تغييراً ما حصل في سورية يصبّ في اتجاه الابتعاد عن إيران، وإن ضمن حدود معيّنة، انطلاقاً من المسجد الأموي وما يرمز إليه عربيّاً.

لا يدلّ على حجم التعقيدات التي تمرّ فيها المنطقة ومدى عمقها أكثر من عجز العالم، ومن ضمنه العرب، عن التوصل إلى وقف النار في غزّة من جهة واستمرار حروب إيران، بدءاً من جنوب لبنان وتعطيل الملاحة في البحر الأحمر، وسعي «الجمهوريّة الإسلاميّة» إلى اختراق جامعة الدول العربيّة من جهة أخرى.

لكنّ هذا الواقع لا يحول دون الإشارة إلى بعض الإيجابيات، التي من بينها طرح عربي للمرّة الأولى، من خلال قمّة المنامة، لضرورة نشر قوات أممية في غزّة والأراضي الفلسطينية المحتلة تمهيداً لقيام دولة فلسطينيّة مستقلّة.

في غياب تصوّر إسرائيلي وأميركي لمرحلة ما بعد حرب غزّة، ثمة كلام عربي يتحدّث للمرّة الأولى عن تصور واضح لما مرحلة ما بعد غزّة.

أكثر من ذلك، أقدم رئيس السلطة الوطنيّة محمود عباس (أبومازن) على خطوة كان عليه الإقدام عليها في السابع من أكتوبر الماضي لدى شنّ «حماس» هجوم «طوفان الأقصى». تتمثّل هذه الخطوة بإدانة هذا الهجوم، وكشفه أنّه أوجد «مبرّرات» لما تقوم به إسرائيل منذ حصول «طوفان الأقصى».

احتاج «أبومازن» إلى ما يزيد على سبعة أشهر ليتصرّف كرجل دولة. هل يحتاج إلى سبعة أشهر أخرى لاكتشاف مدى ترهّل السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة ومدى فشلها في أن تكون في مستوى المرحلة التي تمرّ بها القضيّة الفلسطينية والمنطقة كلّها؟

يبقى الأهمّ من ذلك كلّه تفادي السقوط في الفخّ الإيراني. هذا يعنى الاستفادة من وجود بشّار الأسد في المنامة لسؤاله في اثناء القمة عن مدى جديته في التفلّت من إيران، علما أنّ تاريخ الرجل، الذي غطّى جريمة اغتيال رفيق الحريري في العام 2005، لا تشجّع على ذلك.

كان يمكن على سبيل المثال أن يسأل العرب في القمة أنفسهم ثمّ سؤال بشّار: لماذا لا اعلان رسميّاً بانتهاء الحاجة الى الوجود العسكري الايراني في سورية ما دام النظام يعتبر أنّ الحرب انتهت؟

لماذا لم يطلب النظام رسميّاً خروج القوات الإيرانية والقوّات الأخرى المدعومة من طهران من الأراضي السورية؟

سيكون وارداً اعتبار النظام السوري جدّياً في محاولة الخروج من تحت العباءة الإيرانيّة عندما تطلب دمشق من «حزب الله» الذي هو أداة عسكرية إيرانية الخروج من الأراضي السورية.

المعني بذلك تلك المناطق التي يسيطر عليها الحزب والتي هجّر أهلها منها، على أن يلي ذلك السماح لأهل تلك المناطق بالعودة اليها.

الحديث هنا عن القصير، غرب حمص، وعن الزبداني وعن بلدات القلمون السوري وارياف حلب، على سبيل المثال وليس الحصر.

يمكن الحديث أيضاً عن جدّية سوريّة عندما تطلب دمشق رسميّاً من كل الميليشيات الايرانية التمويل وذات الجنسيات المتعددة (الباكستانية والأفغانية والعراقية) الخروج من كل الأراضي السورية والغاء الإقامات الموقتة التي أعطيت لأفراد هذه الميليشيات وسحب الجنسية السوريّة التي اعطيت لكثيرين بغية المساهمة في التغيير الديموغرافي وترجيح الكفة الشيعية في مناطق معيّنة.

كذلك، يمكن الحديث عن جدّية سوريّة عندما تعلن دمشق عن الغاء الاتفاقات الدفاعية التي وقعتها مع ايران والتي تفرض وجود الآلاف من «المستشارين» الإيرانيين داخل وحدات الجيش السوري والفروع الأمنية وقوات الفرقة الرابعة... وعندما يخرج من معامل مؤسسة الدفاع السورية ومنشآتها كل المهندسين العسكريين الإيرانيين الذين حولوا قسماً من معامل تلك المؤسسة الى معامل لصنع الصواريخ وتطوير المسيرات لارسالها الى «حزب الله» في لبنان او الى الحوثي في اليمن.

يتعلّق الأمر أيضاً بإعلان وزارة الدفاع السورية عن اغلاق المراكز العسكريّة التي يستخدمها «الحرس الثوري» لتدريب ميليشيات اقليمية عربية تابعة لإيران مثل مقاتلي «بوليساريو» والحوثيين ومعارضين بحرينيين.

يدرّب «الحرس» هؤلاء قبل ارسالهم الى مناطق معيّنة للتحضير لدور مستقبلي لهم، دور يزعزع الاستقرار في دول معيّنة أو عند حدود هذه الدول.

أخيراً، يمكن الحديث عن جدّية سوريّة عندما تعلن الدولة السورية، التي يسيطر عليها النظام الأقلّوي، رسمياً عن حجم الدين السوري لايران ونوع هذا الدين وطرق السداد المتفق عليها بين الطرفين بكل شفافية ووضوح... وعندما تعلن دمشق عن سياسة عامة لمحاربة تصنيع المخدرات، خصوصاً الكبتاغون في الأراضي السورية والقاء القبض على عصابات تصنيع المخدرات وتهريبها... مع وقف تهريب أسلحة إلى الأردن المستهدف إيرانيّاً.

تبدو إيران أكثر من جدية في دعم وجود النظام السوري في جامعة الدول العربيّة. تريده جسراً من بين الجسور للالتفاف على العقوبات الدوليّة.

هل تنطلي اللعبة على العرب وهل دخلت القمّة التي حضرها الأسد الابن، لكنه حرمها من كلمة له تتضمن نكاتاً وشماتة ورسائل إيرانيّة، في سياق هذه اللعبة؟