ليست المساعدات الأميركية إلى أوكرانيا سوى دليل على الإصرار الغربي على منع سقوطها تحت الهيمنة الروسيّة.
صحيح أن إقرار المساعدات المخصصة لأوكرانيا والتي تقدّر بـ61 مليار دولار ارتبط بأمور كثيرة من بينها المساعدات الأميركيّة إلى إسرائيل، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ هناك وعياً غربياً واضحاً لما هو على المحكّ في أوكرانيا.
يبدو مستقبل أوروبا كلّها مرتبطا بمستقبل أوكرانيا التي تصرّ روسيا على الهيمنة عليها وتسيير شؤونها مستخدمة حججا واهية. من بين هذه الحجج رغبة أوكرانيا في الإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو أمر يعتبره الرئيس فلاديمير بوتين تهديداً لبلده داخلياً ولدورها على الصعيد الدولي!
ساعدت الولايات المتحدة أوكرانيا منذ ما قبل بدء الحرب الروسيّة على البلد في 24 فبراير 2022. كانت المساعدات الأميركيّة مباشرة، لكن كانت هناك أيضا مساعدات أوروبيّة، في مقدّمها المساعدات البريطانيّة التي لم تقتصر على تدريب عسكريين أوكرانيين على استخدام أسلحة معيّنة ساعدت في الحؤول دون سقوط كييف.
ذهبت بريطانيا إلى تزويد الأوكرانيين أسلحة لعبت دورا في صمودهم. صمد الأوكرانيين، على رأسهم الرئيس فولوديمير زيلينسكي، وهو رئيس منتخب، في مواجهة الآلة العسكريّة الروسيّة. أكثر من ذلك، كشف صمود أوكرانيا الهوة السحيقة بين السلاح الغربي من جهة والسلاح الروسي من جهة أخرى.
في ضوء إقرار مجلس النواب في واشنطن المساعدات الأميركيّة، بات في الإمكان القول إن الحرب الأوكرانيّة دخلت مرحلة جديدة بعدما مضى 26 شهراً تقريباً.
عادت هذه الحرب لتثير اهتمام العالم الذي انشغل لفترة ستة أشهر بحرب غزّة واحتمال توسعها. المطروح الآن العودة الأميركيّة والأوروبية إلى التركيز على أوكرانيا التي عاودت الولايات المتحدة الاهتمام بها ليس من زاوية حماية أوروبا فحسب، بل من زاوية سقوط روسيا في الحضن الصيني أيضا.
يوماً بعد يوم يزداد اعتماد روسيا على الصين ما دامت الحرب الأوكرانيّة مستمرّة. يبدو أن تلويح إدارة بايدن ومسؤولين أوروبيين بالدور الصيني ساهم إلى حدّ ما في جعل مجلس النواب الأميركي يوافق بهذه الأكثريّة الكبيرة على المساعدات الجديدة المخصصة لأوكرانيا.
إلى ذلك، لا يمكن تجاهل العامل الإسرائيلي وخطوة إدارة بايدن التي ربطت بين المساعدات المخصصة لأوكرانيا من جهة والمساعدات المخصصة لإسرائيل ولتايوان من جهة أخرى.
بدأت الحرب الأوكرانيّة في مرحلتها الجديدة تأخذ شكلاً أكثر تعقيداً مع دخول العامل الصيني على الخط وبعدما بدأت دول مثل فرنسا تتحدث عن ضرورة المشاركة الأوروبيّة المباشرة في تلك الحرب، علما أنّ أوروبا، خصوصاً فرنسا، لا تمتلك الوسائل التي تسمح لها بترجمة وعودها على أرض الواقع، واقع الحرب الأوكرانيّة.
جاءت المساعدات الأميركية في وقتها. أهمّ ما في هذا القرار الأميركي رسالة فحواها أنّه من غير المسموح سقوط أوكرانيا. لا لشيء، سوى لأن سقوطها يعني سقوطا لأوروبا كلّها. لا عودة إلى أوروبا ما قبل انهيار جدار برلين، في نوفمبر 1989، أيام كانت المانيا مقسمة وكانت دول عدّة فيها تحت هيمنة الاتحاد السوفياتي الذي كان دولة استعمارية بكلّ معنى الكلمة.
يؤكّد ذلك ما كانت عليه دول مثل المانيا الشرقيّة ورومانيا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا وهنغاريا وبلغاريا وحتّى أوكرانيا نفسها.
لم يتذوق شعب أوكرانيا طعم الحرّية إلّا بعد زوال الاتحاد السوفياتي وكل تلك العقد التي تحكمت بها، وهي العقد نفسها التي ما زالت للأسف تتحكم بشخص فلاديمير بوتين والتي جعلته يتخذ قرارا باجتياح أوكرانيا على الرغم من كلّ التحذيرات الغربيّة التي وجهت إليه.
كان بوتين، ولا يزال، يعتقد أنّ مستقبله السياسي مرتبط بأوكرانيا، كذلك مستقبل روسيا. من وجهة نظر بوتين، لا دور روسيّاً في العالم، وفي أوروبا تحديداً، من دون السيطرة على أوكرانيا.
يبدو واضحا أن الرئيس الروسي الذي يحقّق جيشه تقدّما في داخل الأراضي الأوكرانيّة هذه الأيام، لا يعرف شيئا عن العالم ولا عن روسيا نفسها.
لا يعرف أنّ أميركا لم تدخل الحرب العالميّة الأولى إلّا بعد سنتين ونصف السنة من بدايتها. كذلك الأمر بالنسبة إلى الحرب العالميّة الثانية. انتظرت أميركا هجوم بيرل هاربر الذي شنه عليها اليابانيون في السابع من 1941 كي تدخل الحرب إلى جانب الجبهة المعادية لالمانيا النازية واليابان.
كان لدخولها الدور الحاسم في هزيمة هتلر واستسلام اليابان بالطريقة التي استسلمت بها.
لا شكّ أن أوكرانيا تواجه في أيامنا هذه صعوبات كبيرة مع وجود نقص لديها في القوة البشرية والذخائر، لكن اللافت أنّ المسؤولين العسكريين فيها يعترفون بهذه الصعوبات وبوجود تململ لدى الشباب الأوكراني الذي يجد نفسه مضطرا للذهاب إلى الجبهات.
لهذا الاعتراف بالصعوبات جانب إيجابي يستغله زيلينسكي من أجل إقناع أوروبا بأن هزيمة أوكرانيا واردة في غياب المساعدات المطلوبة. وضع الرئيس الأوكراني الغرب امام مسؤولياته.
ما سيحصل في المستقبل القريب أن أوكرانيا ستواجه «فترة صعبة» لكنها «لن تخسر الحرب» على حد تعبير كيريلو بودانوف رئيس الاستخبارات العسكرية.
قال بودانوف لهيئة الإذاعة البريطانيّة (بي. بي. سي) «من دون الدخول في التفاصيل، ستكون امامنا فترة صعبة في منتصف مايو المقبل وبداية يونيو».
وكشف أن الجيش الروسي «يقوم بعملية (عسكريّة) معقدة. نعتقد أننا سنواجه وضعاً صعباً، لكنه لن تحدث كارثة».
كيف ستنتهي الحرب الأوكرانيّة في يوم من الأيام؟ الجواب أن هذه الحرب تحولت حرب استنزاف لروسيا وأوكرانيا في الوقت ذاته. كانت الصين التي عينها على الثروات الروسية في باطن الأرض أفضل من استغلها بعدما اساء الرئيس الروسي التقدير على كلّ صعيد.
لم يكن امام زيلينسكي غير الصمود، لكنّ بوتين لم يفهم يوماً أن لدى روسيا خيارا آخر غير الحرب وغير ضمّ أوكرانيا وأن عظمة الاتحاد السوفياتي لم تكن سوى وهم لا أكثر...