الصيام عبادة تزكّي النفوس وتهذّب الأخلاق وتدرّب الإنسان على طاعة الرحمن، ومن أعانه الله تعالى في شهر الصيام على التقوى والإخلاص في العبادة وجب عليه أن يشكر ربه، والشكر بالاستمرار في طريق التقوى، فيجاهد نفسه ويحرص على الأعمال الصالحة، فلا نفارق الطاعات برحيل شهر رمضان، بل نجعل من ذلك الشهر العظيم زاداً لما بعده من شهور ونسارع في الخيرات قبل أن تتغير النفوس وتتقلب القلوب، ونعرض في سطورنا أحكاماً مع ختام شهر رمضان:
صيام الدهر
يقول رسول الله، عليه الصلاة والسلام: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)، فقد بيّن لنا الحديث الشريف أن صيام الست من شوال بعد صيام رمضان صيام مستحب، وأطلق عليه صيام الدهر، فمن صام الست بعد الفرض كأنما صام الدهر، ولفظ الدهر له أكثر من معنى، فالدهر يطلق على مدة الحياة الدنيا كلها، ويطلق أيضاً على الزمان الطويل، ومعناه في الحديث الشريف: السـنة كاملة، فكان أجر صيام اليوم كأجر صيام عشرة أيام؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها فرمضان بعشرة أشهر، والستة أيام بشهرين للحديث الشريف: (من صام رمضان فشهره بعشرة، ومن صام ستة أيام بعد الفطر فذلك صيام سنة) وحديث: (جعل الله الحسنة بعشر، فشهر بعشرة أشهر، وستة أيام بعد الفطر تمام السنة)، فكان المجموع كصيام ثلاث مئة وستين يوماً أي سنة كاملة، فمن صام رمضان وأتبعه بستة من شـوال كان صيامه يعدل صيام كل أيام السنة.
قضاء زكاة الفطر
زكاة الفطر فريضة، وتاركها آثم، وتأخيرها حرام باتفاق الفقهاء، ولا تسقط زكاة الفطر بالتأخير، فمن لم يخرجها تساهلاً وجب عليه إخراجها ولو بعد شهر أو سنة أو أكثر في الراجح عند أهل العلم؛ لأنها دَين ثابت للفقراء في ذمته؛ فإنها ما زالت في ذمته ولا تبرأ ذمته إلّا بإخراجها قضاءً.
فدية العاجز بعد رمضان
مَن عجز عن الصوم لكبر سنه أو لمرض لا يرجى شفاؤه يُفطر وعليه إطعام مسكين لكل يوم، لقول الله تعالى: «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ» البقرة/184، أي عليه الفدية لكل يوم بأن يطعم عن كل يوم مسكيناً واحداً، وقد أشارت الآية الكريمة إلى ان إخراجها طعاماً، وأجاز العلماء إخراج قيمة الطعام، ولا حرج في ذلك إن كان أنفع للمسكين، وأما وقت إخراجها فيمكن إخراجها عن كل يوم على حدة بعد طلوع فجره، أو أن تخرج كاملة في نهاية شهر رمضان، أو في بداية شهر رمضان، يقول العلّامة ابن عابدين في رد المحتار: «وللشيخ الفاني العاجز عن الصوم الفطر ويفدي وجوباً ولو في أول الشهر أي يخير بين دفعها في أوله أو آخره». فهو مخيّر بين إخراجها مع بداية شهر رمضان أو يوماً بيوم أو في آخر الشهر، والله أعلم.
ربّنا استودعناك رمضان فلا تجعله آخر عهدنا به، اللهم أعده علينا بالخير أعواماً عديدة وأزمنة مديدة ونحن ومن نحب بأتم الصحة والعافية...اللهم آمين.