هناك نظرية فلسفية تُسمّى «تأثير الفراشة» (Butterfly Effect) وتعتمد على فكرة أن العالم مترابط بشكل عميق، بحيث أن حدثاً صغيراً يمكن أن يؤثر على نظام متكامل أكثر تعقيداً.
وبإسقاط هذه النظرية على عالم الاقتصاد، نجدها تشير إلى التأثير المضاعف للتغيرات الصغيرة أو الموضعية، تماماً كالمشهد الدرامي الذي نراه في باب المندب، وانسحابه على سياسات واقتصادات دول العالم أجمع، لاسيما عند اقترانه بأزمات أخرى حيّة، تتمثل في الحرب الروسية - الأوكرانية وما ارتبط بها من توقف إمدادات القمح والغاز والنفط، وكذلك الحرب الإسرائيلية على غزة، وقد بدأت في التحوّل التدريجي إلى حرب إقليمية بعد الاستهدافات الصهيونية الأخيرة لإيران.
هذه التوترات الكثيفة، ضاق بها الاقتصاد العالمي ذرعاً وبالطبع الاقتصاد الكويتي والخليجي عموماً ليس ببعيد عنه وإن اختلف الأثر،، فقد تسببت الاضطرابات في البحر الأحمر في تعطيل شحنات منتجات عدة، بدءاً من القهوة إلى الفاكهة والحبوب وغيرها من السلع والمنتجات، بجانب التهديد بوقف تباطؤ تضخم أسعار المواد الغذائية الذي وفر بعض الراحة للمستهلكين المتوترين.
واضطرت ناقلات السلع إلى تجنب قناة السويس، منذ اندلاع التوتر في أكتوبر 2023 بسبب هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر، واتخاذ طرق أطول وأكثر تكلفة للوصول إلى وجهاتها ما عمق أزمتها لجهة التكلفة، فمثلاً تشير بيانات اقتصادية إلى أن 200 مليار دولار من البضائع سلكت طريقاً تجارياً بعيداً عن البحر الأحمر في الفترة الماضية.
واردات الكويت
كويتياً، تشير البيانات الرسمية إلى أن إمدادات السلع للبلاد «آمنة من تداعيات أحداث البحر الاحمر»، خصوصا أن 58 في المئة من واردات الدولة السلعية تتركز في دول آسيوية و25 في المئة تأتي من دول أوروبية و12 في المئة من أميركا الشمالية.
وتؤكد البيانات استمرار الإمدادات السلعية في التدفق بصورة طبيعية، مدفوعة بالخطط الاستباقية التي عملت عليها الدولة لدعم المخزون الاستراتيجي، ناهيك عن الإجراءات التي تتخذ مع الجهات الأهلية ذات العلاقة خصوصاً الجمعيات التعاونية لتوفير اللازم ضمن مخزونها.
وتظهر الأرقام أن 91 في المئة من واردات الكويت السلعية تأتي عبر البحر، مقابل 8.5 في المئة تأتي بالطرق البرية، و0.45% يتم نقلها جواً إلى البلاد.
تقرير حديث لمجلة (ذا ناشونال إنترست) الأميركية، رسم صورة قاتمة للمشهد المستقبلي المتأثر بهذه التراجيديا على «الممر الأحمر»، وقال إن هجمات الحوثيين والهجمات المضادة عليها هناك «أدخلت ما قد يكون تغييراً أبدياً في أنماط التجارة والنقل العالمية»، بعد اضطرار 90 في المئة من السفن إلى إعادة توجيه مسارها إلى رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا، ما يعني رحلة أطول وتكلفة مُضاعفة قفزت بأسعار الشحن إلى 150 في المئة أولاً، ثم 250 وحتى 600 في المئة لاحقاً، للشحنات المتوجهة من شمال آسيا إلى أوروبا، كما أن 50 دولة حتى الآن تضررت من الأزمة، أضف الى ذلك الزيادة الكبيرة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وما يعنيه من تهديد بيئي مدمّر.
عدم يقين
وتقوم سفن القمح الأوروبية بتغيير مسارها بشكل متزايد لتجنب قناة السويس المصرية، وسط تزايد المخاطر الأمنية في ممر بحري رئيسي يشكل نحو 15 في المئة من التجارة العالمية، ونتيجة لذلك، قرّرت نحو 24 شركة شحن دولية تغيير الطريق التجارية نحو رأس الرجاء الصالح، ما رفع تكلفة الشحن 4 أضعاف بسبب طول المسافة على الساحل الافريقي، مع ما يعنيه ذلك من تهديد لسلاسل الإمداد وارتفاع الأسعار في المنطقة وحول العالم.
ومع استمرار تراجع التجارة العالمية طوال الأشهر الأولى من 2024، ظهرت تقارير في مطلع العام أبدت قدراً من التفاؤل بأن سلاسل الإمداد«ستستقر نوعا ما، وستمنو بمعدل 3.3 في المئة هذا العام».
لكن التطورات الأخيرة أدخلت المنطقة في مرحلة جديدة من عدم اليقين، في مواجهة هذا الواقع القاسي المتمثل في تصاعد التوترات الجيوسياسية والاضطرابات في الشرايين البحرية الحيوية.
تفاقم الاضطرابات يتسرّب للبقالات
يعتقد مراقبون أنه في حال تفاقمت الاضطرابات الحالية، فإنها يمكن أن توقف الانخفاض في تكاليف السلع الغذائية التي بدأت تتسرب إلى أسعار البقالة الأرخص، فيما تضررت 50 دولة من تعطيل التجارة في البحر الأحمر، كما تضررت اقتصادات دول المنطقة حيث تراجعت إيرادات قناة السويس 40 في المئة.
وفي الأسابيع الأخيرة، ارتفعت أسعار الشحن البحري، لتصل 10 آلاف دولار لكل حاوية بقياس 40 قدماً. وسلكت سفن الحاويات، التي تجنبت هجمات الحوثيين، طرقاً التفافية طويلة، ما أدى إلى تحويل أكثر من 200 مليار دولار من البضائع بعيداً من هذه الطريق التجارية الحيوية.