رؤية ورأي

كرامة المواطن والناخب الواعي

3 أبريل 2024 06:00 م

قبل قرابة ثلاثين عاماً، لجأ أحد أصدقائي إلى أحد الوزراء المنتخبين مناشداً إيّاه إلغاء المديونية الكبيرة التي فرضت عليه ظلماً، بسبب ثغرة كانت موجودة آنذاك في القواعد واللوائح المنظّمة. وبعد دقائق من خروجه مرتاحاً وسعيداً من مكتب الوزير، تبيّن له أن معالي الوزير – المعروف بعذوبة اللسان وحُسْن المنطق – اكتفى بالإقرار بالمظلمة والتعاطف معه، ولكنه لم يلغِ المديونية.

حصيلة الإصلاح السياسي من التشريعات التي وردت في قوائم الأولويات النيابية والخرائط التشريعية على مدى مجالس الأمة الأخيرة منذ 2020، مشابهة لحصيلة كلام الوزير لصديقي. حيث إنها أراحت وأسعدت الشعب، ولكنها حسب آراء مراقبين ومحلّلين سياسيين لم تكن سوى تشريعات لتعزيز سطوة الأغلبية الساحقة في مجالس الأمّة الأخيرة، وتحجيم نفوذ خصومها، تماماً مثلما هي عدد من تشريعات سابقة من قبل هؤلاء الخصوم عندما كانوا هم الأغلبية الساحقة، في مجلس 2013 مثلاً.

فعلى سبيل المثال، قوانين «الغرفة» وهي (القانون رقم 122 لسنة 2023 في شأن غرفة تجارة وصناعة الكويت، والقانونان 123 و124 اللذان بموجبهما استبعدت «الغرفة» من مقاعد مجلسي إدارة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والهيئة العامة للصناعة) تشريعات انتقامية تقابل قوانين «الإصلاح الرياضي» التي أقرّت منذ بداية الألفية الثالثة. وقانون «المفوّضية» (القانون رقم 120 لسنة 2023 في شأن انتخابات أعضاء مجلس الأمّة) مضاد لقانون «حرمان المسيء» الذي أقرّه مجلس 2013، فكلاهما يُقيّد أو يقلل فرص نجاح أعضاء بارزين من خارج الأغلبية الكاسحة حين التشريع، وكلاهما تجنّب كليّاً تعزيز معايير الشفافية والنزاهة قبل وأثناء وبعد اقتراع الناخبين.

إلى جانب «الإصلاح السياسي» الانتقامي، جُل أعضاء المجالس الثلاث الأخيرة تغنّوا طويلاً بالوحدة الوطنية، ولكنهم لم يترجموا هذه الأغاني الأماني إلى ممارسات نيابية رقابية ولا تشريعية، لا في الأولويات ولا في الخرائط ولا في الطوارئ. كل ما شاهدناه لم يتجاوز فزعات لنصرة رفاق في التكتّل السياسي. نهج نيابي شَوّه وأسْقَط مفهوم الوطنية، إلى درجة أن وطنية النائب باتت تقاس بعدد الأصوات التي يحصدها من خارج شريحته المجتمعية. بل هوى مفهوم الوطنية إلى القاع حين أصبحت وطنية المرشح والنائب تمنعهما من التصدّي لملفات الإقصاء الطائفي الصارخ وتجبره على التسامح مع أصحاب خطابات الكراهية.

ومن بين الأمثلة الحديثة على الإقصاء الطائفي، تصريح الراحل وزير الأعلام الأسبق/ محمد السنعوسي – في لقاء حواري متلفز – بأنه عندما كان مديراً لتلفزيون الكويت اضطر إلى منع ظهور كنيسة أو قسيس أو معمّم شيعي في برامج التلفزيون، حتى في عاشوراء، مراعاة للجو العام وضغوط بعض النوّاب. فعند نشر هذا التصريح قبل أيّام قليلة في بعض «قروبات الواتساب»، لم يتفاعل معه جُل أعضاء «القروبات»، رغم استمرار المحذورات ذاتها إلى اليوم، ولكن بدرجة أقل. ولم يُعقّب مرشّحو مجلس الأمة على المقطع بالرغم من علمنا بأنهم كانوا سيستنكرون ويتصدّون للحظر غير الدستوري إذا كان المتضرّر منه شريحة أخرى في المجتمع.

وبالنسبة للتسامح مع خطباء الكراهية، فمن أمثلته الحديثة عدم استنكار الناخبين والمرشحين دعوة «من أصحاب السوابق البارزين في خطابات الكراهية الطائفية الذين لم يعتذروا للشعب» إلى عقد اجتماع تنسيقي، بعد إعلان نتائج الانتخابات. تخيّل معي حجم الاستنكار لو كان الداعي من أصحاب السوابق في خطابات كراهية أي طيف اجتماعي آخر.

من الخطورة البالغة الاستمرار في مستنقع المفهوم المغلوط للوحدة الوطنية، خصوصاً بعد الاستماع إلى الدعوة السامية التي أطلقها حضرة صاحب السمو الأمير – في كلمته بمناسبة العشر الأواخر من شهر رمضان – إلى «البعد عن كل الممارسات الخاطئة التي تهدد الوحدة الوطنية». فهناك خطر كامن يُهدد تماسك النسيج الاجتماعي الكويتي، حذّر منه أيضاً علماء دين كسماحة الشيخ/ مهدي الهزيم في خطبة الجمعة قبل أسبوعين، ومفكرون من قبيل الدكتور/ محمد الرميحي عبر مقال نُشر قبل يومين في جريدة النهار العربي.

صون كرامة المواطن – بغض النظر عن انتمائه الاجتماعي – يتطلب الخروج من مستنقع المفهوم المغلوط للوحدة الوطنية، ويبدأ عند الناخب الواعي...

اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.

abdnakhi@yahoo.com