«هنا الرياض»... أرض التاريخ والثقافة والفن.
العاصمة السعودية تزداد ألقاً، وتمضي في طريقها لترسيخ الثقافة والفن على الصعيدين المحلي والعالمي، لتصبح كما أُريد لها أن تكون دائماً... واحة لتعزيز الثقافة كأسلوب حياة، وخلق فرص للتبادل الثقافي بين شعوب العالم، وجعل «الثقافة والفن» رافداً للمنجزات الوطنية والتنموية، واستكمالاً لهذا النهج جاءت مؤسسة بينالي الدرعية.
«ما بعد الغيث»
منذ الوهلة الأولى تبدو الرياض، منظمة مرتبة بهية فاتنة، خصوصاً أنها تعكس دائماً جذور النشأة الحضارية التي قامت عليها المملكة وسمات شعبها المعطاء، ففيها وجوه بكل اللغات والأشكال تتسابق لزيارة هذه المدينة الهادئة المسكونة بقلاع التاريخ وحكاياته، وفي الوقت ذاته تتلون وتتنوع لترتدي أبهى حُلة في استقبال زوارها، لتصبح منارة للتآخي والتسامح الذي أضحى سمة ونهجاً لمسيرتها وبتوجيهات من قيادتها الرشيدة.
وافتتحت مؤسسة بينالي الدرعية النسخة الثانية من بينالي الدرعية للفن المعاصر، تحت شعار «ما بعد الغيث»، والذي يقام في حي جاكس بالدرعية، خلال الفترة من 20 فبراير وحتى 24 مايو المقبل.
ويضم بينالي الدرعية للفن المعاصر 2024 أعمالاً فنية وإبداعية لفنانين ومواهب سعودية ودولية، إذ تحتضن ست قاعات وفناءات داخلية وخارجية بمساحة 12.900 متر مربع، نحو 177 عملاً فنياً لنحو 100 فنان، منهم 30 فناناً من دول الخليج، ويقود الدورة الثانية من البينالي المدير الفني أوتي ميتا باور، القيّمة الفنية المعروفة، وترتكز الأعمال المعروضة على البحث الفني، إذ تستمد معلوماتها من الرحلات التي أجراها فريق القيّمين الفنيين في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية، وأسفرت عن حوار فني خلّاق بين مختلف الأجيال.
بين البشر والطبيعة
ويجمع بينالي «ما بعد الغيث» فنانين من خلفيات وثقافات وبيئات متنوعة، يتأملون في العلاقة بين البشر والطبيعة، ويتفاعلون مع الطبيعة المحيطة بهم، ويركزون في أعمالهم على الاحتياجات الإنسانية الأساسية مثل الماء والغذاء والاستشفاء، كما يسردون التاريخ، في بلدٍ يمر بتطورات وتغيرات متسارعة، ويحثون الزوار على الاستمتاع بأعمالهم عن كثب، حيث يقدم البينالي تجربة ثرية متعددة الحواس، ما بين اللمس والتذوق والرائحة، بالإضافة إلى المشاهدة والاستماع، ويدعو الزوار ليصبحوا جزءاً من رحلة غامرة.
وفي النسخة الثانية من البينالي، دعمت مؤسسة بينالي الدرعية 47 عملاً إبداعياً جديداً لفنانين من بينهم جمانة إميل عبود، وسارة عبده، ومحمد الفرج، وأزرا أكشاميا، وطارق عطوي، وراشابورن شوتشوي، وفيكرام ديفيشا، وكريستين فينزل، وآن هولتروب، وأرمين لينكه وأحمد ماطر في تعاون فني، ونجوكوبوك، وكميل زكريا، إلى جانب عمل ترحيبي للفنانة تانيا مراد، يعرض على دوار في حي جاكس بالدرعية، وعمل فني آخر للفنانة ماريا لوكمان يتواجد في (شمالات الدرعية)، المركز الثقافي الفني الذي يقع على أطراف الدرعية القديمة.
برنامج حافل
ويتكون بينالي الدرعية للفن المعاصر 2024 من المعرض الفني، إلى جانب سلسلة من اللقاءات والحوارات بين الفنانين، والورش الفنية، وعشرة عروض للأفلام على مسرح الصندوق الأسود، ومنطقة للأعمال الفنية التي تستند على البحوث، وعروض لمشاريع بحثية ومحادثات فنية، والتي انطلقت في شهر أبريل من العام الماضي تحت عنوان (سلسلة لقاءات البينالي)، وتتواصل على مدار عام كامل، بالتزامن مع منصة «حديقة التعلم» التفاعلية التي تواصل تقديم الأفكار المقدمة في البينالي حتى بعد اختتام بينالي الدرعية للفن المعاصر في شهر مايو المقبل.
تأمل وإحساس
ورحّبت الرئيس التنفيذي لمؤسسة بينالي الدرعية آية البكري بالزوار من جميع أنحاء العالم في النسخة الثانية من بينالي الدرعية للفن المعاصر، والذي يقام خلال النهضة الكبرى والنقلة الحضارية والتنموية التي تعيشها المملكة، ولاسيما في قطاع الفنون، ولفتت إلى أن دورة «ما بعد الغيث» تعد تجربة ثقافية تدعو للتفكر والتأمل، وتخاطب حواس الزوار من جميع الثقافات والأعمار، مشيرة إلى عمق البحث الذي أجرته المديرة الفنية أوتي ميتا باور والقيّمين الفنيين للدورة الثانية من البينالي، والذي أضفى عليه جواً من الإبداع والحيوية.
3 أجيال
من جهتها، أشارت المدير الفني أوتي ميتا باور إلى أنها حرصت على تقديم بينالي نابض بالحياة، من خلال فكرة (ما بعد الغيث)، وأضافت«فخورون في بينالي الدرعية للفن المعاصر بأننا قدمنا ثلاثة أجيال من الفنانين، تجسد أعمالهم تعقيدات البيئة وأزماتها، وإعمار الأرض وتجددها، في حين يطرح فنانون آخرون أسئلة حول التراث والحفاظ عليه، والحرف اليدوية التي تستخدم المواد الطبيعية، ويكشفون في أعمالهم عن معرفة فريدة بتلك المواد».
نبذة عن «بينالي الدرعية»
انطلاقاً من التنامي المتسارع الذي تشهده المملكة العربية السعودية، ومن التراث الحضاري الغني لموقع الدرعية، فإن مؤسسة بينالي الدرعية تضطلع بدور كبير في رعاية التعبير الإبداعي وغرس قيم التقدير، نحو مختلف جوانب الثقافة والفنون وقدرتها على إحداث التحولات الكبيرة.
وتطمح المؤسسة لتحفيز الفرد والمجتمع ككل على التعلم، وتتطلع لخدمة كل أطياف المجتمع عبر توفير فرص المشاركة في المشهد الفني المحلي الذي يشهد نمواً وازدهاراً لم يسبق له نظير. وفي هذا الإطار، تتولى المؤسسة مهمة تنظيم معرض بينالي سنوياً، بالتناوب ما بين بينالي الدرعية للفن المعاصر وبينالي الفنون الإسلامية، إلى جانب برامج تثقيفية تفاعلية هادفة متواصلة على مدار العام، بالإضافة إلى إشرافها على تطوير حي جاكس بالدرعية، الذي بات اليوم مركزاً إبداعياً ومساحة للتفاعل بين كل أفراد المجتمع الفني.
وفي هذه اللحظة التاريخية من التطور والنمو في المملكة العربية السعودية، فإن هذه البيناليات تستعرض بعضاً من أبرز الفنانين الدوليين، وتدفع عجلة التبادل الثقافي بين المملكة وكل أنحاء العالم، إضافة إلى تعزيزها للحوار والتفاهم، وترسيخها لمكانة المملكة العربية السعودية كمركز ثقافي عالمي.