ترفض الكاتبة الصحافية والأديبة القديرة الدكتورة فاطمة العلي أثناء وضع حبرها وصياغة جملها بأن يكون «شرطي واقف على راسها»، لكنها تعترف بأن ذلك الشرطي دائماً في داخلها ووجدانها وهي تمسك بالقلم.
العلي، التي فتحت قلبها لـ«الراي»، أشارت في حوار كان مليئاً بالعفوية، إلى أنها ترفض قلباً وقالباً الرقابة المتسلطة وتؤمن بالحريات، ولكنها ترى في المقابل أن الحرية أيضاً مسؤولية.
الملقبة بـ«الصحافية الصغيرة»، والتي درست الأدب العربي في جامعة القاهرة وحصلت على الماجستير والدكتوراه، قابلت العظماء من أسماء حفرت في المخيلة والوجدان، ووصفت زمانها بالزمن الجميل حيث، «حيث كنا قليلات، عددنا يكاد يعد على الأصابع»، معتبرة أن الإبداع الكويتي موجود منذ جيل الرواد، داعية إلى احتواء المبدعين الجدد... وفي ما يأتي تفاصيل الحوار:
• مرحلة الدراسة لها معنى كبير وصقل للموهبة، من هم أساتذة الأديبة الدكتورة فاطمة العلي؟
- درست الأدب العربي في جامعة القاهرة وحصلت على الماجستير والدكتوراه مع الدكتور صلاح فضل، وهو من كبار النقاد ومن كبار الدكاترة وجامعة القاهرة تاريخ عريق. وأذكر حين دراستي في جامعة القاهرة، كانت هناك ندوة شعرية كرّمت ابن هانئ (أحد أبرز شعراء المغرب العربي والأندلس في عصر الدولة الفاطمية)، وهي سكن مقر للشاعر أحمد شوقي، التقيت بنزار قباني وأجريت معه لقاء كبيراً نشر في صفحتين.
• كيف كانت تجهز الصحافية الصغيرة للقائها أو حوارها مع ضيفها؟
- كنت أحمل الكاسيت، وحينما أقابل أي شخصية، لا أنشغل أثناء الحوار بالأسئلة، لكنني أنشغل أكثر بالذي أبدعه الضيف والذي كتبه وأملي نفسي بالمعلومات والمخزون الثقافي عن الشخصية، كي أكون ممتلئة بالمعلومات والمعرفة بمن سوف أقابل.
• من هي الشخصيات العظيمة التي قابلتِها وأثرت ذاكرتك وزخرت بها؟
- طبعاً شخصيات عظيمة حظيت بها في ذلك الوقت، مثل نزار قباني، إحسان عبدالقدوس، توفيق الحكيم، بنت الشاطئ (المفكرة والكاتبة المصرية عائشة محمد علي عبدالرحمن)، يوسف السباعي، وذلك خدمني كثيراً.
• حظت الملقبة بالصحافية الصغيرة بمقابلة العظماء فكرياً وأدبياً خلال فترة الثراء الثقافي، كيف كانت تلك المرحلة؟
- كان زماننا زمناً جميلاً، حيث كنا قليلات، عددنا يكاد يعد على الأصابع، ونعتبر الجيل الثاني بعد غنيمة المرزوق وفاطمة حسين مع حفظ الألقاب، سواء في فنون الشعر أو القصيدة أو القصة، فكان المجد للصحافة أيضاً لعدم تواجد التكنولوجيا آنذاك. ومن يقدر أن يواجه ويسبح ويقاوم الأمواج في الصحافة، يترك أثراً وقيمة. ولا أنكر أنني حققت بالفعل لي مكانة في الصف الأول بالرواية النسائية، حينما أصدرت روايتي بعنوان «وجوه في الزحام»، فهي أول رواية صدرت في العام 1971 وتحولت إلى الدراما والإذاعة، ولحد الآن يكتب عنها وتوثق لي ريادتي في فن السرد الجميل.
• هل سنرى قريباً للأديبة الدكتورة فاطمة العلي كتاباً يجمع في صفحاته سيرة نجاحاتها اللامتناهية؟
- أتمنى أن يطيل ربي في عمري وأكتب تلك التجربة الثرية جداً.
• هل هناك بصيص أمل بأن تتواجد كوادر أدبية فنية على مستوى عالٍ من الممكن أن تكون امتداداً لتلك الحقبة وثرائها الفكري والأدبي؟
- لدينا إبداع كويتي، وهو غني وثري من جيل الرواد أمثال فهد الدويري (الدويرج) وفاضل خلف والدكتور أحمد الخطيب وسامي المنيس وعبدالله النيباري وكثيرين، وبعد ذلك الجيل الذي أتى بعدهم، ومن ثم جيلنا، وبعد ذلك هناك نوع من الجفاف ونحن نطالب باحتواء المبدعين الجدد الذين زمانهم وعهدهم الآن ونطالب في رابطة الأدباء في حواراتنا وندواتنا بالأخذ بأيديهم لكي يخرجوا للساحة لمن لديهم موهبتهم وإبداعهم في كتابة المقال والقصة والرواية. أتمنى من القنوات الرسمية والفنية أن تدعمهم وتهتم بموهبتهم، وتبادر إلى مساعدتهم في إصداراتهم.
• ما الأسس والقواعد التي تنصحين بها أي صحافية مبتدئة لكي تخطو نحو النجاح؟
- في المقدمة، في مجموعتي القصصية «وجهها وطن»، قلت إنني درست قواعد اللغة العربية ودرست فن كيفية كتابة الرواية في القصة القصيرة، لكن عندما جئت لأطبق على أرض الواقع وأنا أكتب الرواية، لم أضع القواعد في ذهني، بل اشتغلت على الحلم الذي في داخلي وأفكاري وموهبتي. صحيح أن العلم والدراسة لا يخلقا مبدعاً، ولكن لابد من الثقافة، فالإبداع مثل الهرم ثلاثي الأضلاع (الموهبة، العلم، القراءة)، ودائماً القراءة حتى لو تضعف أعيننا.
• هل لدى فاطمة العلي، الأديبة والكاتبة خطوط حمراء؟
- أنا قلباً وقالباً أرفض الرقابة المتسلطة، وأرفض وأنا أمسك القلم أن يكون «شرطي واقف على راسي»، ولكن أعترف بأن الشرطي دائماً في داخلي وفي وجداني وأؤمن بالحريات، ولكن الحرية أيضاً مسؤولية. إلا أنني لا أضع مسطرة وقلماً وأنا أبدع وأكتب.
الحرية مسؤولية والتزام ورقابة ضمير ورقابة إنسان بأن تكوني قدوة للشباب والشابات وقرائك ومن يتأثر بكتاباتك، ويجب أن تكوني معول بناء لا تخريب.
• مارأيكِ بتكريم العظماء وفطاحلة الفن والأدب والشعر والروائيين بعد وفاتهم ولا نرى ذلك في حياتهم؟
- سؤال مهم جداً، لأن التكريم ضروري جداً ويدعم المبدع سواء الرجل أو المرأة، وفي مختلف الاتجاهات، وأيضاً الجوائز. ونقول أيضاً إن التكريم والجوائز لا تخلق مبدعاً، ولكنها ضرورة نفسية وإنسانية تدعم المبدع وتشعره كيف له قيمة واعتبار في وطنه، لأن المجد ليس فقط لرجال المال والأعمال والسياسة، لأن كل هؤلاء زائلون، ولكن المبدعين هم الباقون في صفحات التاريخ وثروة للوطن.
• متى تتجلى فاطمة العلي؟
- أتجلى بخلوتي وقلمي بعيداً عن الناس، سارحة بأفكاري وإبداعاتي.
سعاد الصباح... حالة منفردة
اعتبرت العلي «أننا نتفق جميعاً على أن الدكتورة سعاد الصباح حالة منفردة، ولا يوجد مثلها»، لافتة إلى أنها خدمت الشعر والمرأة الشاعرة وأضاءت وأضافت للحركة الشعرية في الكويت، بل إنها احتوت أيضاً الأجيال عبر الجوائز التي كرستها تقليداً لذكرى زوجها العظيم.
وأضافت «سعاد الصباح تستحق كل ما قدم لها وأكثر».
اسم عبدالعزيز البابطين
أشارت العلي إلى أن رحيل رجل الأدب والمعرفة والفكر الشاعر عبدالعزيز البابطين «أثر بنا كثيراً»، لافتة إلى أن «هذا الرجل يستحق أن نطلق اسمه على أكبر قاعات الثقافة وعلى دار الأوبرا والمدارس والشوارع، لأنه قدم من جهده وماله للكويت ثروة من خلال مؤتمرات السلام والنهوض بالإنسان وعرّف عالماً كبيراً بدور الكويت الثقافي والشعري».
وأضافت «كنت مشاركة في ندوة السلام قبل سنتين في مالطا، ورأيت بإعجاب وتعجب كل من أتى من حول العالم للاحتفاء بتلك الشخصية. ويجب على كويتنا الحبيبة أن تضع هذه الشخصيات في المناهج ، كي نقول للعالم أجمع إننا لسنا بلد نفط فقط، بل نحن بلد ثقافة».