بعد يومين على ولادة السنة الجديدة، تحطمت آمال اللبنانيين في عام مزدهر وأفضل إلى حد ما، مع انفجار هز قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «حزب الله»، تبين في ما بعد أنه غارة إسرائيلية أودت بحياة صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، وأحد المؤسسين لجناحها العسكري، «كتائب عزالدين القسام».
لم تكن الضربة الإسرائيلية ضد العاروري وأعضاء «حماس» الآخرين الحاضرين غير متوقعة على الإطلاق، بالنظر إلى شخصية وأنشطة العضو المؤسس في الحركة، الذي يُنسب إليه الفضل في كونه المشارك و«المهندس» و«العقل المُدبر» لهجوم 7 أكتوبر الماضي، ضد إسرائيل.
ومع ذلك، فإن موقع القتل وطبيعته التي وصفت بـ«الجراحية» يشكلان مؤشراً إلى مرحلة جديدة في الصراع بين إسرائيل والمحور الذي تقوده إيران، ونذير واضح لما يخبئه المستقبل للبنان.
على مدى السنوات القليلة الماضية، لعب العاروري دوراً فاعلاً في إعادة بناء العلاقة بين «حماس» وإيران، خصوصاً مع «حزب الله»، وهي الرابطة التي تحطمت خلال «الثورة السورية» التي شهدت وقفة «حماس» ضد بشار الأسد، ودفعت بها إلى حد محاربة «حزب الله» وغيره من الفصائل التي ترعاها إيران والتي جاءت لمساعدة الأسد.
بالإضافة إلى «مآثره» العسكرية والسياسية، كان العاروري أحد مؤيدي «وحدة الساحات» وعمل جنباً إلى جنب مع الحرس الثوري لجمع الفصائل الموالية لإيران لمهاجمة إسرائيل وغيرها من الأهداف الغربية في المنطقة وخارجها.
علاوة على ذلك، كان العاروري حتى مقتله، حلقة وصل رئيسية بين الجماعات «الجهادية» الإسلامية السنية وإيران، وأحد أبرز محركات المصالحة الفلسطينية، بالإضافة لكونه صديقاً وحليفاً ليحيى السنوار و«فرع» حركة "حماس" في القطاع، المعارض للفصيل الذي يتزعمه إسماعيل هنية.
لسبب أو لآخر، اعتقد العاروري، خطأ على ما يبدو، أن إقامته في المناطق الخاضعة لسيطرة «حزب الله»، ستوفر له الأمن المعنوي والجسدي الضروري الذي يتمتع به قادة الحزب الآخرين. وبالتالي، فإن التراخي في البروتوكول الأمني للعاروري واجتماعه مع أعضاء آخرين في «حماس» فوق الأرض في شقة بمبنى سكني يشير إلى أنه ببساطة أخطأ في حساباته أو قلل من تقدير حملة إسرائيل للقضاء على القيادة العليا لـ«حماس» أينما كان أعضاؤها.
وعلى هذا المنوال، فإن اغتيال العاروري هو تحذير واضح وحيوي لـ«حزب الله»، بأن إسرائيل مستعدة وقادرة على العمل في ساحته الخلفية، في عمق لبنان، وليس فقط على الحدود الجنوبية حيث تدور المناوشات العسكرية.
وبينما أوضحت إيران، وبالتالي «حزب الله»، أنهما ليسا مهتمين بالانغماس في حرب مفتوحة مع إسرائيل، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن تل أبيب سوف تخفض مرتبة الحزب ببساطة في قائمة أولوياتها الأمنية ولكن العكس.
خلال الأسبوع الماضي، نفذت إسرائيل سلسلة من الضربات «الجراحية» ضد قادة رئيسيين في الحرس الثوري الإيراني، وكان من بينهم رضى الموسوي، المستشار الرئيسي للحرس في سورية والشريك المقرب من القائد السابق لـ «فيلق القدس» قاسم سليماني الذي اغتيل قبل أربع سنوات بالتمام.
وبالتالي فإن إيران ستبتلع ببساطة قتل أحد حلفائها الرئيسيين، العاروري، كما فعلت مع قادتها مثل سليماني وعماد مغنية، وستدمج ببساطة ما يسمى ببطولة وقدسية العاروري في السردية الرئيسية الاستشهادية التي تروج لها عبر وسائلها الإعلامية وخطبها المختلفة.
وللمفارقة، فقد اتبع الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله، في خطابه الأخير في ذكرى اغتيال سليماني، الخط نفسه الذي اتبعه مراراً وتكراراً من خلال تهديد إسرائيل، معلناً أن انتقام حزبه سيأتي وفقاً لشروطه وتوقيته الخاصين.
وهكذا هاجم «حزب الله»، إسرائيل والغرب، ليجلس في الأيام القليلة المقبلة، من خلال حلفائه اللبنانيين، مع المبعوث الأميركي الخاص آموس هوكشتين، ويحاول تقديم المزيد من التنازلات مقابل مكاسب محلية وإقليمية، تماماً كما فعل خلال محادثات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل منذ أكثر من عام.
في الوقت الحالي، يعد مقتل العاروري بمثابة تذكير آخر بأنه رغم أن الولايات المتحدة وإسرائيل قد تكونان حليفتين مخلصتين، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أن الأخيرة ستسير ببساطة على خطى إدارة الرئيس جو بايدن التي، على ما يبدو، لا تغطي - حتى الان- أي نوع من العمل العسكري الإسرائيلي الموسع ضد«حزب الله»خارج المنطقة الحدودية مع الحدود الشمالية.
ومع ذلك، فإن تخوف الولايات المتحدة من مثل هذه التصرفات لن يمنع الحكومة الإسرائيلية الحالية أو أي حكومة مستقبلية في عهد خلفاء نتنياهو من تنفيذ ضربات جراحية أو حتى غزو بري واسع النطاق للبنان.
اغتيال العاروري وعلى عكس ما يدفع به العديد من المعلقين اللبنانيين والعرب، ليس حيلة من جانب نتنياهو لإنقاذ حياته السياسية، بل هي قناعة مشتركة لدى جنرالات إسرائيل الذين يجلسون الآن في مجالس الحرب، والتي وقّع الكثير منهم شخصياً على قرار اغتيال العاروري.
ويستمر اللبنانيون عموماً في المقامرة على ما يسمى حس وحساسية إيران و«حزب الله»، ويفترضون أن تجنبهم الحرب في هذه المرحلة سيسمح بتلاشي التهديد الإسرائيلي، في حين أن بلادهم، أو ما تبقى منها، في الواقع تتحلل كالجثة. وتستمر في التوسع لتصبح حلبة صيد أكبر لكل من إيران وإسرائيل، وتجعل نفسها في نهاية المطاف غير قابلة للإنقاذ.
لن يكون السابع من أكتوبر وتداعياته شيئاً يشاهده اللبنانيون فقط على شاشة التلفزة وعبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، بل سيكون عاجلاً وليس آجلاً على عتبة بابهم، أو ربما يكون كذلك بالفعل، لكنهم ببساطة ليسوا مستعدين للاعتراف به بعد.