ابتعدت المُخْرِجة ميرنا خياط عن إخراج الفيديو كليب منذ فترة غير قصيرة، عازيةً السبب إلى تغيير طرأ على الجو الفني وتوقُّف بعض الشركات عن الإنتاج، ونافية الكلام الذي يردده البعض عن أننا لم نعد في زمن الفيديو كليب.
خياط تحدّثت لـ «الراي» عن الظروف التي تحوط بالأغنية المصوَّرة والتي أدت إلى تراجعها في العالم العربي.
• أعلنتِ عن دورة لتعليم الأداء التمثيلي، ولكنك أشرتِ إلى أنه ليس بالضرورة أن يعمل مَن يخضع لها في مجال التمثيل فما الهدف من هذه الدورة؟
- الهدف المشاركة في ورشة خاصة بالتمثيل، لأن البعض يحبون الخضوع لدورات مماثلة ولكنهم لا يخططون لأن يصبحوا ممثلين. والدورة تتضمن 10 جلسات وأنا أتولى مسؤولية إعطاء الدروس لهم، وهذا المشروع ليس جديداً، بل هو قائم منذ 6 سنوات ولكنني توقّفتُ خلال فترة «كورونا».
• ما الأسباب التي جعلتْكِ تبتعدين عن الوسط تمثيلاً وإخراجاً، وهل هذا الأمر له علاقة بما يُقال عن أننا لم نَعُدْ اليوم في زمن الفيديو كليب؟
- عادةً يُذكر اسم المُخْرِج على الفيديو كليب، ولذلك يشعر الناس بتواجده على الساحة، ولكن عندما يشارك في أعمال أخرى من دون أن يُذكر اسمه يظنون أنه معتكف ولا يفعل شيئاً، وهذا غير صحيح. أركز نشاطي الإخراجي في الخارج، خصوصاً في المملكة العربية السعودية وأقوم بمشاريع مختلفة لها علاقة بالإعلانات والوثائقيات.
وابتعادي عن إخراج الفيديو كليب ليس مقصوداً أو بإرادتي، بل جاء نتيجة ظروف معينة، بينها التغيير الذي طرأ على الجو الفني وتوقُّف بعض الشركات عن الإنتاج، فضلاً عن أنني لست بحاجة إلى إثبات جدارتي في إخراج الأغنيات المصوَّرة، فإما أن أكمل مسيرتي الإخراجية بنفس المستوى الذي لطالما تمسكتُ به، وإلا فإنني أفضّل الابتعادَ إذا كان الثمنُ خوضَ تجارب لا تتناسب مع مسيرتي والمستوى الذي اعتدتُ عليه لمجرّد أن يُذكر اسمي في الفيديو كليب. علماً أن الأغنيات التي تُعرض عليّ ليست أهلاً للتحكم بها على مستوى الأفكار أو على مستوى الميزانيات.
• هل تقصدين أن مستوى الأغنيات الذي تَراجَعَ كثيراً هو الذي دفعك إلى الابتعاد؟
- بل الإنتاج.
مفهوم الفيديو كليب تغيّر في العالم العربي بينما هو لا يزال ثابتاً في الغرب، وكل النجوم العالميين مستمرون بنفس الطريقة التي كانوا عليها ويحرصون على تقديم كليبات بمستوى جيد وبميزانيات ضخمة لأنهم يعرفون أنها ستبقى على «يوتيوب» وفي تاريخهم الفني وأنها سترافقهم مدى العمر، بينما يَعتبر فنانون عرب أن بإمكانهم تصوير أغنيات بصرف النظر عن مستواها وجودتها لمجرد التواجد، خصوصاً أن محطات التلفزيون لم تعد تعرضها كما كانت تفعل خلال الأعوام السابقة، وهذا الأمر أدى إلى تسيُّب كبير في هذا المجال. حتى انني أسمع البعض يقولون إننا لسنا في عصر الفيديو كليب وهذا الرأي خاطئ، بدليل أن كل نجوم الغرب يصوّرون أعمالهم ويتنافسون على تقديم الأجمل والأفضل على مستوى الأفكار والميزانيات، خصوصاً أن التكنولوجيا تطورت كثيراً، وبعض التفاصيل التي كنا نتعب كثيراً من أجل تنفيذها أصبحت اليوم متوافرة وتُستخدم بسهولة. ولكن للأسف العالم العربي لا يواكب هذا التطور، بل حتى انه يتراجع.
• وما الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع؟
- لأنه لم يَعُدْ هناك مَن يحب أن يثابر في عمله بجديةٍ، بل يفضّل الاستسهالَ ويعتبر أن الفنانَ يقبل بأي شيء ولا يهمّه سوى أن يتقاضى المال من دون أن يبذل أي جهد. عدا عن أن البعض ليسوا سوى دخلاء على مهنة الإخراج.
ويمكن القول إن غالبية كليبات هذه المرحلة ليست إلا عبارة عن صور جميلة تناسب «إنستغرام»، ولكنها مجموعة وملتصقة ببعضها ولكنها ليست فيديو كليبات في الحقيقة، إذ لا توجد أفكار ولا قيمة، حتى ان فنانين يَعتبرون أنفسهم من نجوم الصف الأول يقدّمون كليبات من الدرجة ياء وهذا أمر معيب جداً لأنهم يتغافلون عن أن هذه الأعمال ستُحفظ في أرشيفهم وترافقهم خلال مسيرتهم الفنية. اليوم، يُصْدِرُ الفنان أغنيةَ جديدة وبعد يومين يَصدر الكليب الخاص بها ولا أعرف كيف يحصل هذا الأمر.
• وهل تقصدين أنهم يفعلون ذلك بدافع البخل؟
- البخل كبير جداً لدى بعض شركات الإنتاج والفنانين أنفسهم، ولكن لا يمكن توجيه اللوم إلى شركات الإنتاج، لأنها لا تحصل على أي مردود مادي وراء الفيديو كليب بل هو مجرد خدمة للفنان. ولكن يُفترض بها أن تنفذه بطريقة راقية لأنها بموجب تعاقدها مع الفنان فإنها تستفيد مادياً من حفلاته، وعليها أن تدعمه بشكل جيد صوتاً وصورةً.
وعندما يُنفَّذ الفيديو كليب بطريقة جيدة فإنه ينعكس إيجاباً على أجر الفنان كما على مسيرته. المشكلة أنهم يسمحون بتداخل الأمور مع بعضها ثم يدّعون أننا لسنا في عصر الفيديو كليب، ولكن الحقيقة هي أن لا قيمة له بالطريقة التي يُقدم فيها حالياً، والإنتاج هو مَن يتحمل مسؤولية القضاء على سوقه الفني.
• مع أن معظم نجوم الصف الأول يتقاضون أجوراً مرتفعة في حفلاتهم والمقابلات التلفزيونية والبرامج التي يطلون عبرها؟
- هذا صحيح، ويُفترض بهم عندما يجدون أن شركات الإنتاج تدفع مبلغاً محدوداً لقاء تصوير الفيديو كليب أن يضيفوا إليه مبلغاً من جيبهم الخاص للحصول على عمل جميل يحتفظون به في أرشيفهم. وأنا أرى أن البخل مصدره الجهتين مع أنني لا ألومهما لأن شركات الإنتاج لا تستفيد مادياً من الفيديو كليب، بل من الفنان نفسه من خلال التسويق له عبر الأغنية المصوّرة.
• الفنان يعتبر أن «السوشيال ميديا» تقوم بالتسويق له؟
- هذا صحيح.
• وهل نفهم أن «السوشيال ميديا» ليست بديلاً للفيديو كليب إذا كان الفنان يظنّ ذلك؟
- أبداً، هي ليست بديلاً عن الفيديو كليب.
• وهل تتوقعين استمرارية هذا الوضع؟
- إلى حد معين، لأنه مع مرور الوقت سيجد البعض أن هناك تراجعاً في مكان ما، والبعض لن ينتبه الى هذا الأمر لأنه في الأساس لا يجيد التفريق بين الجيد والرديء.
• هل يمكن القول إن أهمية الفيديو كليب بالنسبة للمغنّي تعادل أهمية الفيلم بالنسبة إلى الممثل؟
- طبعاً.
• وهل ابتعاد بعض المُخْرِجين عن الفيديو كليب يعود إلى نفس الأسباب التي تشيرين إليها؟
- ربما، أعتقد ذلك.