حلّ خطاب سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، الذي ألقاه سموه عقب أدائه اليمين الدستورية في جلسة خاصة لمجلس الأمة يوم الأربعاء الماضي، على طاولة المناقشة في جلسة نقاشية نظّمها مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية بجامعة الكويت بإدارة الدكتور يعقوب الكندري، صباح أمس، تحت عنوان «توجهات في خطاب سمو الأمير الأخيرة والمرحلة القادمة» واستضاف فيها شخصيات سياسية وإعلامية وأكاديمية.
وأجمع المتحدثون، في الجلسة التي أدارها الزميل رئيس التحرير وليد الجاسم، على أن خطاب سمو الأمير «استثنائي» وأنه حدّد وشخّص المشهد السياسي ومواطن الخلل، وهو ما جعله يلقى اهتماماً محلياً وعالمياً لما حمله من مضامين، مؤكدين أن الخطاب عبّر عن عدم رضا صاحب السمو على أداء السلطتين، وضعف إحداهما أمام الأخرى الذي انعكس على ما صدر من تشريعات.
ورأوا أن الخطاب لم يكن مفاجئاً، من خلال المعطيات، وكلمات سموه السابقة التي حملت في مضمونها النصح والتحذير من التقاعس في مصلحة الوطن والمواطنين، مشيرين إلى أن هناك قلقاً وتوجساً من كيفية ترجمة الخطاب، لاسيما أن الشعب وصل لمرحلة من الاحباط والتشاؤم لم يصل إليها من قبل. وبيّنوا أن الخطاب تضمّن 4 ركائز أساسية، الأولى نقد ما هو كائن، والثانية الإرشاد والتوجيه والمتابعة والمحاسبة، والثالثة التحذير، ثم التطمين والتأكيد على ضمان بقاء الدستور الذي تستمد منه شرعية الحكم.
ورأى المتحدثون أن سمو الأمير مارس في كلمته دوره كأب ورئيس للسلطات، حيث لم ينحز للسلطة التنفيذية، ولكن أخذت السلطتان نصيبهما من الكلام والتوجيه. وأوضحوا أن سموه أعطى درساً بالالتزام والطاعة، عندما أشار إلى عدم رضاه عما صدر من قرارات سابقاً، ولكنه التزم بها طاعة وولاءً لسمو الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد طيب الله ثراه.
وارتفع سقف المطالبات، لدى بعض المتحدثين، حيث رأى أحدهم أن الدعوة لانتخابات جديدة لن تنفع، لأن الشارع الكويتي سيخرج نفس العينات الموجودة حالياً، داعياً إلى النظر في إيقاف الدستور لفترة زمنية وإعادة تقييم الأوضاع.
وليد الجاسم: في المرحلة الحالية... على الواقع السياسي أن يتأقلم مع فكر الحاكم وأسلوبه
رأى رئيس التحرير الزميل وليد الجاسم، أن «سمو الأمير مارس، في كلمته، دوره كأب ورئيس للسلطات، حيث جرى العُرف أن الحاكم يكون منحازاً للسلطة التنفيذية غالباً ضد السلطة التشريعية، ولكن هذه المرة أخذت السلطتان نصيبهما من الكلام والتوجيه».
وأضاف الجاسم «عادة أنا كصحافي قضيت 32 سنة في هذه المهنة، (والمانشيتات كانت لعبتي) عادة في الكلمات الرسمية نحتار في البحث عن مانشيت ذي قيمة، لأنه غالباً تكون مليئة بالرمزيات وأبعاد غير ملامسة للواقع، لكن الكلمة الأخيرة (الواحد يحتار شنو يشيل وشنو يخلي.. وكلها مانشيتات)، لذا اتجهنا إلى عنوان آخر وهو (أمير الإصلاح)».
وأكد أن «الكلمة تُعتبر قرعاً لجرس الإنذار لبدء الإصلاح في البلاد، ونتمنى أن يكون هناك تلبية من الحكومة القادمة ومن هذا المجلس، وهو الموجود أمامنا الآن ونتعامل معه على ذلك». ووجه نصيحة إلى «السلطات»، قائلا «نصيحتي للسلطات: أن ندرك أن هناك حاكماً يتأقلم مع الواقع السياسي، وهناك حاكم على الواقع السياسي أن يتعامل معه، وأعتقد أننا في مرحلة، على الواقع السياسي فيها، أن يتأقلم مع فكر الحاكم وأسلوبه».
أحمد باقر: الخطاب تضمّن لوماً للنواب الصامتين ومَنْ يديرون المشهد
قال النائب والوزير السابق أحمد باقر، إن «مجلس الأمة الحالي يسيطر تماماً على المشهد السياسي، والحكومة ليس لها أي دور، ورأينا نواباً في كثير من الملفات والقضايا، وكأنهم يوجهون أوامر للوزراء لفعل ما يريدون».
وبيّن باقر أن «صاحب السمو شخّص من خلال خطابه الأخير عدم رضاه عن أداء السلطتين في كلمات كبيرة»، مشدّداً على أن سموه لديه موقف في العديد من الملفات، مثل رد الاعتبار والجنسية إذ وصف ما يحدث بالعبث. وبينما أكد أن «هناك تدخلاً صارخاً من السلطة التشريعية في أعمال السلطة التنفيذية»، قال إن «ضعف السلطة التنفيذية أمام التشريعية انعكس على رداءة التشريعات التي صدرت خلال الفترة الماضية»، معتبراً أن «المشهد العام شهد استياء شعبياً كييراً من أداء مجلس الأمة قبل كلمة سمو الأمير، وعلى سبيل المثال ملف العفو واختلاف الآراء حوله من المواطنين، بموافقتهم على العفو عن أشخاص دون غيرهم».
ولفت إلى نقطة مهمة أخرى في خطاب سمو الأمير عندما «ألقى اللوم على جميع أعضاء البرلمان، سواء الصامتون أو مَنْ يديرون المشهد من النواب. ويؤسفني أن مجلس الأمة لا يهتم بالعديد من القضايا، لاسيما الاقتصادية، والكويت لديها نماذج من أفضل الاقتصاديين في العالم، ويجب الاعتماد عليهم واللجوء إليهم للمساهمة في إخراج البلاد من الوضع الاقتصادي السيئ الذي تعيشه»، مضيفاً «لدينا 25 ألف كويتي يتخرّجون سنوياً، بتخصصات غير مطلوبة في سوق العمل، وهذا أمر خطير، كما القطاع الخاص لا يمارس دوره نتيجة الأوضاع السيئة والقوانين غير المحفزة».
ووصف باقر البيان الذي أصدره عدد من النواب أخيراً بغير الموفّق، قائلاً «من باب الإخلاص كان على المجلس أن يراجع كل أعماله، وأن ينسّق مع صاحب السمو باعتباره أمير البلاد، ويقولون: حاضر سنراجع تشريعاتنا ونقوم بإصلاحها، وهذا المطلوب، وليس عن طريق إصدار مثل هذا البيان». وشدّد على «أهمية أن يكون للحكومة غالبية في مجلس الأمة، ولكن ليس عن طريق تمرير المعاملات، فأولى الأولويات في الوقت الحالي أن يُشكّل سمو الأمير حكومة قوية».
علي الزعبي: الخطاب إعلان رسمي للدخول في مرحلة جديدة تختلف كلياً عن الماضي
اعتبر أستاذ الأثروبولوجيا في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت الدكتور علي الزعبي أن «ما حدث من توافق مصالح بين المجلس والحكومة ليس بجديد، وموجود منذ أول مجلس تم إنشاؤه في الكويت، وهذا مرض موسمي، ومع كل برلمان جديد نعود إلى هذا المرض»
ورأى الزعبي أن «حل البرلمان أو الحكومة يُعتبر علاجاً موقتاً، والمرض سيعود مرة أخرى، لأن السلطة السياسية لم تفكر في إيجاد حل جذري لهذه المشاكل، ولابد من إعادة النظر في الدستور». وأضاف «الحكومة لا يُمكن أن تنفذ أجندتها إلا عن طريق (تضبيط) النواب، وهذا ما أوجد نائب الخدمات، فلا يمكن لها أن تعمل إلا إذا استطاعت أن تكسب مجموعة من النواب لتنفيذ أجندتها المعلنة وغير المعلنة، وكلما حُل البرلمان ازداد الوضع سوءاً»، مشدداً على أن «حل البرلمان ليس الحل، لأنه قد يأتي بكوارث كبيرة، وأنا ضد تعليق الدستور».
ولفت إلى أن الحلول الاربعة التي تم اللجوء إليها خلال السنوات السابقة وجميعها موقتة، وتتمثل في إعادة تشكيل الحكومة، وحل البرلمان وإعادة الانتخابات وتغيير الدوائر والأصوات، وإعادة دمج ولاية العهد برئاسة مجلس الوزراء، معتبراً أن «الحل الدائم هو الملكية الدستورية».
وذكر أن «الخطاب الأميري لم يكن مفاجئاً بل متوقعاً، من خلال المعطيات وكلمات سموه السابقة والتي حملت في مضمونها النصح والتحذير من التقاعس في مصلحة الوطن والمواطنين»، مضيفاً «متفائل من الخطاب الأميري الأخير لأنه إعلان رسمي للدخول في مرحلة جديدة تختلف كلياً عن السابقة، وأتمنى ألا يحدث ما يستدعي التشاؤم».
محمد الفيلي: يجب تأصيل فكرة ربط اختيار رئيس الوزراء بوجود رؤية
أكد الخبير الدستوري الدكتور محمد الفيلي أنه «في بحث الموضوع من المهم أن نناقشه بتجرّد، وفي إطار أكاديمي، حتى يُخرجنا من قضية التجاذبات السياسية. فالنظام الدستوري تم تصميمه بواقعية للتعامل مع واقع قائم ومستقبل مستقيم وهو سبب في عدم التعديل».
ورأى أن «البرلمانية هي الطريق الوحيد أمام بلد يأخذ بالنظام الوراثي، فنحن لا نريد رئيس دولة هو نفسه رئيس وزراء، لأن ممارسة العمل تخلق انتقادات، ومن المهم تأصيل فكرة أن يكون اختيار رئيس مجلس الوزراء مرتبطاً بوجود رؤية». وتابع «لابد أن يأتينا نظام انتخابي يسمح بوجود برلمان مبني على تنسيق ورؤى مستقبلية للناخب. فنحن نحتاج إلى تعديل في الفكر الانتخابي، وإلى فهم سياسة الوصول للجنسية، وألا نربط الهوية الوطنية بالنقاء العرقي أو فكرة بحالات ترتكب جريمة». واختتم بأنه «لا يجب تعديل الدستور، بل تعديل آليات تنظيم الحياة السياسية التي يسمح فيها الدستور».
علي الطراح: علينا النظر في «إيقاف الدستور» لفترة وتعديله... وإعادة تقييم الأوضاع
أشار أستاذ علم الاجتماع عميد كلية العلوم الاجتماعية الأسبق الدكتور علي الطراح إلى أن «صاحب السمو أتى بخطاب وحدّد وشخّص. والآن كيف يتم تنفيذ هذا الخطاب؟ فهل نقف عند الخطاب ونكتفي بما قاله سمو الأمير أم هناك رؤية؟».
وذكر الطراح أن «الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، قال إن الفساد حتى البعارين ما تشيله، والبعارين طاحت والفساد زاد. واليوم نحن أمام تحد بأننا كجزء من منظومة دول الخليج، وهناك اتفاق واضح بين الغالبية أن الكويت كانت في (كومة) وصحت على يد سمو الأمير، فالكويت تخلّفت بعدما كانت منارة لهذه الدول».
وأضاف «الخطاب كان مهماً في تأكيد الحاجة إلى خطة واضحة يتحملها رئيس الحكومة، وسمو الأمير هو رئيس لكل السلطات، وبالتالي رئاسته للسلطات تتيح له فعل ما يريد وفق الدستور». وبيّن أنه «حتى الدعوة لانتخابات جديدة خلال الفترة المحددة بالدستور لن تنفع، لأن الشارع الكويتي سيُخرج نفس العينات الموجودة حالياً، وبالتالي علينا النظر في إيقاف الدستور لفترة زمنية وتعديله، وإعادة تقييم الأوضاع، إذ في منطقة الخليج أنت خارج السرب»، لافتاً إلى أن «هناك تغييرات واضحة في المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج، فكل دول الخليج حدّدت مساراتها التي تسير عليها، وبقيت الكويت وكأن مهمتنا تعكير ما يحدث في دول الخليج».
وتابع: «لدينا علاقات وتحالفات مع الولايات المتحدة الأميركية، لكن العالم تغيّر، وهذه التحالفات ليست باتفاقيات سارية في الوقت الحاضر، وما يحدث في أوكرانيا واضح، فلا تظن أن هناك قوات تأتي وتساعدك، فالنظام العالمي تغيّر».
واعتبر أن «كلمة صاحب السمو كانت استجابة للتغيرات العالمية، ونتمنى الإعلان عن خطة لترجمة ما قاله سمو الأمير، في أن تكون حكومة قوية وقادرة ولا تهاب البرلمان».
إقبال الأحمد: خطاب استثنائي... ولكن هناك قلق حيال كيفية ترجمته
قالت الكاتبة الصحافية إقبال الأحمد، إن «خطاب سمو الأمير استثنائي، لأنه لاقى اهتماماً عالمياً، وليس في الساحة المحلية فقط، ولأول مرة يغطى خطاب أميري بهذا الشكل العالمي».
وأضافت «هناك قلق وتوجس حيال كيفية ترجمة الخطاب، فالشعب وصل لمرحلة من الإحباط والتشاؤم لم يصل إليها من قبل، وإن كان هناك علاجات ستكون هي الأخيرة، حيث إن الوعود والآمال تكررت دون حلول وتنتهي بالإحباط».
وأعربت عن أملها في إيجاد العلاجات السريعة المدى، معتبرة أن كل «المشاكل التي تطرّق لها سمو الأمير في خطابه من عبث وفساد ممنهج شهدته حقب زرعته في كل مجالات بالكويت، بسبب غياب المتابعة وزوال المحاسبة واتخاذ قرارات اعتباطية من دون تفكير».
وتابعت «أتمنى أن تكون القرارات المقبلة متأنية حكيمة بعيدة عن ردود الفعل المتشنجة والثأر، لأنها هي مَنْ أوصلتنا إلى هذا المستوى من الصراعات في مختلف المجالات»، مضيفة «الحل في آلية إدارية فورية ونشر الوعي والتثقيف وإعادة ترميم المواطن والمناهج التعليمية وبطريقة تعامل السلطة وتفكيرها، وكذلك في الانتخابات».
عروب الرفاعي: الخطاب عكس حزماً بدأ به سمو الأمير بنفسه
رأت الدكتورة عروب الرفاعي، أن «سمو الأمير حازم ابتداءً مع نفسه، إذ عرف سموه نفسه بأن وصف تعامله مع الأمير الراحل، بأنه يضع طاعة الأمير أولوية قبل قناعته. لهذا السبب ومن شدة حزمه مع نفسه قام بأعمال ربما كان لا يتفق معها».
وأضافت الرفاعي أن «هذه الصراحة أنه يسمع وينفّذ لم يكن ملزماً أن يقول إنه أسلوبي، لكنه كان صريحاً، وسبب الصراحة رغبته وتوقعه من الآخرين نفس التعامل». وأشارت إلى أنه «مع حزم سمو الأمير، قلبه الرقيق حيث استوقفني أنه كلما تحدث عن أخيه تخنقه العَبرة، فهذا القلب الندي ويستعمل أجمل الكلمات في وصف سمو الأمير الراحل الشيخ نواف، وهذه المزاوجة تعطينا شخصية مطلوبة»، معربة أنها «مستبشرة بعمل مؤسسي وعمل إيجابي وأرى الجميع مستبشراً».
هيلة المكيمي: الأمير تحدث عن التفاؤل وبث روح الأمل وتحقيق الطموح
أوضحت أستاذة العلوم السياسية بجامعة الكويت الدكتورة هيلة المكيمي، أن «سمو الأمير تحدث عن التفاؤل وبث روح الأمل وتحقيق الطموح، وهذه ثلاثة مفردات في الخطاب ضمن المضامين المهمة التي يتطلع لها الشعب الكويتي، الذي يتحدث عن رؤية قادمة وكويت جديدة تلحق بركب بقية دول الخليج، وليس أمامنا إلا التفاؤل والتركيز على الأمل والطموح»، مشيرة إلى أن «مفهوم المواطنة والهوية الوطنية الكويتية عنوان الخطاب».
محمد الحداد: الخطاب لامَسَ مشاعر الناس
قال أستاذ الانثروبولوجيا والاجتماع المساعد بجامعة الكويت الدكتور محمد الحداد، إن «خطاب سمو الأمير استثنائي، والشارع الكويتي مشغول بهذا الخطاب».
وأضاف «ما قام به الأمير هو ما ينبغي أن يكون، بمعنى أن يكون الأمر تصريحاً لا تلميحاً، كما اعتدنا عليه في الخطابات السامية السابقة، لذلك هو خطاب استثنائي لأنه خلق جدلاً في المجتمع بالاضافة إلى أنه خطاب لامس مشاعر و رؤى الناس».
وأشار إلى أن «الخطاب تضمّن 4 ركائز أساسية، الركيزة الأولى نقد ما هو كائن، والثانية الإرشاد والتوجيه والمتابعة والمحاسبة، والثالثة ركيزة التحذير والتهديد، ثم جاء بركيزة رابعة وهي التطمين والتأكيد على ضمان بقاء الدستور وشرعية الحكم مستمدة من الدستور»