شعوب العالم وشعب الله المختار عند الصهيونية

27 نوفمبر 2023 10:00 م

مفهوم شعب الله المختار عند بن غوريون، أول رئيس للكيان الصهيوني وصولاً إلى نتنياهو هو وفقاً للتفسير الديني المتعصب الذي فرضته الصهيونية وادخلته عنوة في الفكر الديني للمدارس المتعصبة في الديانتين المسيحية واليهودية. تجتمع المذاهب اليهودية الكبرى (اليهودية الأرثوذكسية واليهودية المحافظة واليهودية الإصلاحية) على أن اليهود هم شعب قد اختاره الله لكي يكون «نوراً للأمم». وبطبيعة الحال هناك جدل تاريخي كبير ومعقد حول مفهوم الشعب المقدس أو الشعب المختار.
ولكن التفسير التقليدي لشعب الله المختار الذي يخالف عقيدة نتنياهو السياسية التي تعبر أكثر عن الصهيونية وليس اليهودية. فالتفسير التوراتي لهذا المعتقد يقدم تفسيراً بأن اليهود يجب ان يكونوا قدوة للشعوب الأخرى من حيث الالتزام بالفطرة الأخلاقية التي يتمتع بها الجنس البشري.
وعماد الجدل بين التفسير الصهيوني لشعب الله المختار بأنه استثناء لليهود وبين التفسير التقليدي يقف على مفهوم نور الأمم.
لكن نتنياهو ومعظم إن لم نقل جميع من حكم الكيان الصهيوني والمتحالفين معهم في الولايات المتحدة من رؤساء وأعضاء في الكونغرس المدعومين من اللوبي الصهيوني يصرون على تفسير شعب الله المختار على انه «استثناء ممنوح للشعب اليهودي». ومن هذا الاستثناء يحل لهم من أعمال سياسية وعسكرية واقتصادية ما لا يحل لغيرهم مثل الاحتلال والقتل والتشريد والفتك بالآخرين، ولكل من يعارضهم حيث يعتبر كونه معادياً للسامية التي تعني وفقاً لرأيهم المتصهين معارضة هذا الاستثناء الممنوح إلهياً.
ولقد عبر نتنياهو عن تفسيره الصهيوني عن الاختيار ونور الأمم في محال عديدة مثل خطابه في مؤتمر هرتسليا عام 2010 حيث قال:
«لا يوجد وجود ديموغرافي أو عملي للشعب اليهودي من دون دولة يهودية»... كان التغيير الأكبر الذي جاء مع إنشاء الدولة اليهودية هو أن اليهود لم يعدوا كشعب محكوم، مهزوم ومضطهد، ولكن كشعب فخور ببلد رائع ويطمح دائماً إلى أن يكون بمثابة «نور للأمم».
نقل نتنياهو أيضاً ذلك في خطابه في الأمم المتحدة لعام 2017 عن كتاب إشعياء مرة أخرى أن دولة إسرائيل هي «نور للأمم، تجلب الخلاص إلى أقاصي الأرض».
وفي تعليقه عن طوفان الاقصى تحدث بشكل اكثر صراحة في يوم الأربعاء الموافق 25 أكتوبر إنه سيحقق «نبوءة إشعياء» في الحرب التي يشنها على قطاع غزة، واصفاً الفلسطينيين بأنهم «أبناء الظلام»، حسب تعبيره، والإسرائيليين بـ«أبناء النور».
وسبب استغلال مقولات إشعياء من قِبل الصهاينة يكمن في انه ملقب «بالنبي الانجيلي» من كثرة حديثه عن مجيء المسيح المخلص، وهو ما يتفق مع تفسيرات المدارس المتعصبة في بعض الكنائس المسيحية مثل البروتستانية الأميركية وغيرها. ونظراً لما لهذه المدارس الدينية من قوة سياسية وجماهيرية في الأوساط الأميركية فإنها أسست هيمنة فكرية مفادها إن دعم الكيان الصهيوني سيقود إلى عودة المسيح. لذلك، أصبح كلام نتنياهو لهذه النخب المتصهينة بدهياً خصوصاً عندما وصف جوقته المتصهينين بأنهم أبناء النور، بينما المقاومة الفلسطينية هم ابناء الظلام!
وهو في الحقيقة لا يقصد المقاومين الفلسطينيين وفق هذا التفسير التعصبي وانما جميع شعوب البلدان المحيطة خصوصاً مصر والجزائر والعراق وسورية والجزيرة العربية والأردن وغيرها من بلدان يجب تطهيرها من أبناء الظلام.
وللتحقق من هذه الهيمنة الفكرية في أوساط المجتمع السياسي المتعصب قام مجموعة اساتذة يهود من جامعات أميركية باستطلاع شمل 1200 شخص في إسرائيل عما يعتقدونه بشعب الله المختار، وكم عدد الاسرائيليين الذين يؤمنون بأنهم شعب تم اختيارهم. وقد كشف النقاب عن بعض نتائج هذا الاستطلاع في موقع allisraelnews جول روزنبيرغ Joel C Rosenberg بتاريخ 21 مايو 2023. ويقول الاساتذة الذين قاموا بالاستطلاع بأن هنالك 80 ٪ من المسيحيين الانجيليين في أميركا يؤمنون بأن الشعب اليهودي هو شعب الله المختار، وهذا ما شجعهم على استطلاع رأي الاسرائيليين في الموضوع ذاته.
بالمجمل يرى نحو 64 ٪ من الإسرائيليين بانهم فعلاً شعب الله المختار، بينما وتقريباً 22.4 ٪ يقولون لا، والبقية لا يعرفون ذلك.
ما هو مثير ويفسر طريقة تعامل نتنياهو مع الواقع السياسي تجاه الفلسطينيين والعرب والمسلمين هو ان ما يفوق عن 95 ٪ من الذين صوتوا للاحزاب الصهيونية الارثوذكسية يؤمنون بأنهم شعب الله المختار، وأن أكثر من 86 ٪ من الذين صوتوا لحزب الليكود الذي يترأسه نتنياهو يؤمنون بذلك أيضاً، وفق نتائج الاستطلاع، بينما في المقابل يعتقد من 13.8 ٪ إلى 35 ٪ فقط من اليهود الإسرائيليين الذين صوتوا لأحزاب المعارضة اليسارية بأنهم شعب الله المختار، في مقابل 43 ٪ إلى 65 ٪ منهم لا يصدقون ذلك.
ان الإيمان المشترك بين الصهاينة سواءً كانوا يهوداً أو مسيحيين في اسرائيل أو أميركا هو إيمان مترسخ تاريخياً في حق الاستثناء الممنوح وفقاً لافكار ومعتقدات دينية تم تدجينها وتوظيفها سياسياً للتأثير على سيكولوجية الشعوب، وبالتالي توجيه سلوكها السياسي الذي يغيب الإدراك الإنساني. وقد أوضح ذلك كل من تود جيلتون وليل ليبوفيتز في كتابهما «شعب الله المختار: أميركا، إسرائيل: محن الاختيار الالهي»
The chosen people: America, Israel and the ordeal of the divine election Todd Gitlin and liel leibovitz حيث انتهيا إلى نتيجة مهمة مفادها بأن معظم الأميركيين والإسرائيليين يرون بأن دولتهما قد تم اختيارهما للقيام بعمل النور الإلهي وهذه ما يبرر سلوكهما الاستثنائي الذي يبيح حق الاستيطان والاستيلاء والقتل والفتك والظلم والتهجير، وكسر القوانين الإنسانية كافة سواءً ضد الهنود الحمر أو الفلسطينيين أو أي شعب آخر يناهض ويتصدى لسياسات هيمنتهم. وفي هذا الكتاب يحلل الكاتبان سبب التحالف «الإستراتيجي المقدس» بين إسرائيل وأميركا. فهذه العلاقة ليست علاقة صداقة ومصالح مشتركة فحسب بل انها إستراتيجية منبثقة من تفسير لاهوتي متعصب يقوم على الإيمان بأنهم مختارون. ولهم حق الاستثناء للحصول على رخصة القتل ضد من يعارضهم. انه نسيج معجون بين التاريخ واللاهوت والسياسة، كما يعبر عنه الباحثان في كتابهما العميق، وهو ما جعل قيام إسرائيل عبارة عن عملية استنساخ لقيام أميركا. وهو ايضاً ما يفسر وقوف رؤساء الولايات المتحدة الأميركية بحزبيها الديموقراطي والجمهوري صفاً واحداً من سياسات الكيان الصهيوني.
لكن نتيجة لعولمة الإعلام والنقل المتعدد الذي حرر العقول شيئاً قليلاً من هيمنة الاحتكار، هو الذي أثر بشكل بالغ في رؤية الشعوب الغربية والمجتمع الأميركي على وجه التحديد حيث بدت علامات التعجب تظهر سواءً كانت بخجل أو بشجاعة في أوجه الغالبية ممن هم في الشارع السياسي، وهو ما سيقود لا محالة إلى هزيمة عقلية شعب الله المختار المتعصبة، والتي تبيح الاستثناء وتمنح رخصة القتل والتشريد واستعباد جميع الناس المقاومين لهذا النوع من الهيمنة الطاغوتية.