حرب إسرائيل مع الشعوب... الرحيل قبل فوات الأوان
|د. عبدالله سهر|
19 نوفمبر 2023
10:00 م
حينما قدمت بريطانيا وعدها عن طريق وزير خارجيتها آرثر بلفور، للصهاينة لإقامة وطن قومي لليهود، قدمت أيضاً وعداً ثانياً للشريف حسين، بأن العرب سيكون لهم وطن موحد تحت قيادته، وتشهد على ذلك مراسلات السير هنري ماكماهون، مع الشريف حسين، بين عامي 1915-1916، والتي تفيد بتعهد بريطانيا بإعطاء وطن موحد للعرب بقيادة الشريف حسين، في مقابل ثورة الأخير على السلطة العثمانية. ولكن الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس التزمت بوعدها مع الصهاينة، بيد أنها لم تلتزم مع العرب فتركت لهم أوطاناً وفكرة هزيلة لجامعة عربية يمكن أن تجمعهم تحت مظلتها.
فكرة جامعة الدول العربية التي تأسست عام 1945، تقوم على أساس أنها تمهد للوحدة العربية بشكل تدريجي، ولكن ذلك لم يتم. بعد ان أدركت الحكومات العربية بأن السيادة الوطنية أولى من فكرة دولة عربية قومية، اتجهت إلى فكرة وحدة «الصف»، أي أن تكون صفاً واحداً ضد التحديات ومنها صراعها مع الكيان الصهيوني. بعد التصدع في تحقيق وحدة الصف نتيجة للاختلافات الأيديولوجية وأنظمة الحكم والمصالح، اتجه العرب الى فكرة أدنى وهي وحدة «الكلمة»، أي أن تكون لهم كلمة واحدة على الأقل حتى لو اختلفت الافعال السياسية.
ومع مرور الزمن يبدو أن السلطات العربية قد تخلت عن وحدة الكلمة أيضاً، لذلك انتصر الكيان الصهيوني في مواجهاته العسكرية والسياسية مع الدول والحكومات العربية.
مع مطلع الثمانينات وبعد توقيع معاهدة كامب ديفيد وغيرها، تنامت مواجهة جديدة قوامها صراع بين اسرائيل وبعض المجاميع والحركات غير الحكومية في العالم العربي. بدأت هذه الحركة مع ما اُطلق عليه ثورة أطفال الحجارة في الأراضي المحتلة، ثم الصراع مع «حزب الله» في الجنوب اللبناني، ثم الصراع مع «حماس» وكتائب القسام وغيرها من فصائل فلسطينية مقاومة لا تمثل السلطة الفلسطينية التي دخلت في مفاوضات اوسلو مع الكيان الغاصب.
نستطيع القول بأنه وعلى العكس من المواجهات مع السلطات العربية، فقد انتصرت هذه الحركات على إسرائيل سياسياً وعسكرياً. فثورة أطفال الحجارة قد أدت إلى زعزعة صورة الكيان الصهيوني أمام الرأي العام العالمي، وفرضت عليه التفاوض مع السلطة الفلسطينية بقيادة فتح، حيث كان يعتبرها حركة ارهابية لا يمكن التفاوض معها. في الجنوب اللبناني انسحب المحتل للمرة الأولى في تاريخه العسكري من أراضٍ دون معاهدة يفرض بها شروطه في عام 2000، عندما اجتاحت القوات الصهيونية لبنان في عام 1982، ولكنها لم تحقق اهدافها فانسحبت ايضاً، ثم تحولت المعركة للداخل الإسرائيلي بين مكونات أحزابه السياسية في شأن تلك العمليات وجدواها.
وفي الوقت الحالي، خاضت قوات المقاومة معركتها ضد الكيان الغاصب بقوة متواضعة مقارنة مع جيش مدجج بأحدث الأسلحة، ومدعوم عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وإعلامياً من قِبل أقوى دول العالم، ناهيك عن دعم بعض الحكومات العربية له.
وبعد مرور نحو شهر ونصف الشهر لم يحقق هذا الجيش، الذي وصف «بالأسطوري»، أي هدف من أهدافه غير قتل الابرياء والأطفال وهدم البيوت والمستشفيات والمدارس ودور العبادة، علاوة على كذب إعلامي مكشوف أدى الى تبديد سرديته التقليدية المزعومة بمظلوميته المغطاة بشعار معاداة «السامية».
المعركة اليوم ليست بين الحكومات العربية والكيان الصهيوني وإنما مع الشعوب العربية والإسلامية بالدرجة الاولى ومع قطاعات واسعة من منظمات وجماهير في الشرق والغرب.
هناك ما يزيد على 400 مليون عربي، ومليار ونصف المليار مسلم، و14 مليون فلسطيني، في مقابل 14 مليون يهودي، 7 منهم تقريباً يقيمون في فلسطين، والبقية في دول عديدة، وكثير منهم ليسوا مع سياسات الحكومة الصهيونية.
في هذا الميزان، لا يمكن منطقياً أن ينجح الكيان في معركته الحالية والأكثر قسوة مستقبلاً مع الشعوب، لذا فالأجدر بمن يصادق ويتحالف مع السلطة الصهيونية ان ينصحها بسرعة الرحيل قبل فوات الأوان.