المصروفات سجّلت زيادة بمعدّلات ملموسة مقارنة بالسابق فما الذي استجدّ مصرفياً؟
التضخم والسخاء على التقنية يرفعان ضغط البنوك... بِهمّ التكلفة التشغيلية
| كتب رضا السناري |
12 نوفمبر 2023
10:00 م
- أبرز الأسباب:
- الظروف التشغيلية الأقل دعماً محلياً زادت حيّز الودائع الخاملة
- الاستثمار بالرقمنة عملية غير مقطوعة ويحتاج إنفاقاً مستداماً بقيم عالية
- الفائدة المرتفعة صعدت بصافي هوامش الإيرادات لكنها خفّضت نمو القروض
- معدلات التضخم المتصاعدة محلياً وخارجياً أحد الجيوب السلبية المثيرة للشكوى
- تنمية رأس المال البشري وحرب الاستقطابات مصرفياً زادتا إنفاق الرواتب والتدريب
رغم نمو صافي الأرباح المجمعة للبنوك الكويتية في الأشهر التسعة الأولى من 2023 بنسبة 47 في المئة لتسجل 1.22 مليار دينار، مقارنة بـ834.5 مليون مسجلة بالفترة المقابلة من 2022، في مؤشر على وجود ربحية أقوى واستمرار الجيوب التشغيلية الإيجابية، إلا أن القراءة المحاسبية لميزانيات وحدات القطاع عن الفصول المالية الثلاثة الماضية تُظهر وجهاً آخر للنمو يتعلق بارتفاع تكاليف التشغيل بمعدلات ملموسة، في وقت تشكو فيه المصارف من ظروف تشغيلية أقل دعماً، فما الذي استجدّ ويستدعي تحليلياً فك شيفرته؟
في البداية، يتعين الإشارة إلى أن أرباح القطاع المصرفي عن فترة الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري جاءت أعلى 96 في المئة عن صافي أرباح الأشهر الـ9 الأولى من 2021 والتي بلغت 624.5 مليون دينار، وبالتالي تعتبر هذه النتائج الفصلية الأفضل والأعلى تاريخياً للقطاع المصرفي الكويتي.
تحديات تشغيلية
في المقابل، تُظهر المراجعة المحاسبية لميزانيات القطاع أنه في السنوات الماضية وتحديداً منذ اندلاع جائحة كورونا وما تلاها من حرب مفتوحة حتى الآن بين روسيا وأوكرانيا، تواجه البنوك تحديات تشغيلية واسعة، تزداد شدتها مع تراجع فرص امتصاص فوائضها من الأموال المرتفعة وسط تباطؤ المشاريع القادرة على استيعاب مستويات السيولة العالية، ما يرفع محاسبياً ما يسمى بتكلفة الأموال، حيث زيادة الأموال المتاحة للإقراض عن الممنوحة ائتمانياً بالفعل.
ولعل هذا أحد أبرز الأسباب التي تسهم في زيادة المصاريف التشغيلية للبنوك، فرغم ارتفاع أسعار الفائدة وما صاحب زيادة هوامش صافي الفائدة من تغذية لإيرادات المصارف، إلا أن الفائدة العالية جعلت البنوك تعاني في المقابل من تقييد آفاق النمو الذي أدى إلى تباطؤ أرقام الإقراض.
فمع زيادة تكاليف الودائع مقارنة بالسابق كان من السهل ملاحظة ارتفاع التكلفة نسبة إلى الدخل، حيث قلل تصاعد الفائدة النمو الائتماني وزاد بالمقابل حجم الودائع الخاملة، وهنا يبرز أثر تكلفة الأموال الإضافية.
وسجل إجمالي التسهيلات الائتمانية الممنوحة للمقيمين وغير المقيمين ارتفاعاً بنحو 218 مليون دينار في سبتمبر الماضي (+0.41 في المئة) لتبلغ 52.828 مليار مقارنة بمستواها نهاية أغسطس البالغ 52.61 مليار، فيما بلغ ارتفاعها منذ بداية العام 381 مليوناً (+0.73 في المئة).
كفة المصاريف
ولعل العامل الأبرز الذي بات يثقل كفة المصاريف التشغيلية لدى البنوك عموماً يتعلق باستمرار الضخ المصرفي على استثمارات التقنيات الرقمية والعمليات بهدف توسيع قاعدة العملاء، باعتبار أن الاستثمار في التقنية بات دينامكياً وليس ثابتاً تُبوَّب مقابله مصاريف استثنائية في الميزانية ولسنة واحدة، بل هي عملية مستدامة ومتطورة التكلفة بقدر التغيرات التكنولوجية التي تطرأ يومياً على جميع الأصعدة.
ومحاسبياً، زاد هذا الإنفاق غير المعتاد في السنوات التي سبقت «كورونا» حجم المصاريف التشغيلية على البنوك، في وقت لا تزال فيه جميع الخدمات المصرفية تُقدَّم بالرسوم نفسها، ما يعني في حسابات البنوك أن الفائدة الرئيسية المسجلة لديها دفترياً من التوسع تقنياً حتى الآن تتمثل بزيادة قاعدة العملاء أو أقله الحفاظ عليهم، دون أن يوازي ذلك ارتفاعاً مقابلاً في التدفقات المتأتية من الرسوم، فيما يرتقب أن تستمر تكلفة هذا البند في التصاعد من أجل تمكين البنوك من تقديم أفضل الخدمات للعملاء وتحسين الموارد اللازمة لرفع مستوى الكفاءة التشغيلية.
معدلات ملموسة
وبالطبع، غذّت المنافسة المصرفية المفتوحة بين البنوك على زيادة نسبة التوطين لديها رفع التكلفة التشغيلية في ميزانياتها، حيث زاد تصاعد الاستثمار في رأس المال البشري حجم المصاريف المتعلقة بالجانب الإداري، من خلال ارتفاع قيم بنود التعيينات والرواتب والتدريب والتطوير، علاوة على حرب الاستقطابات الدائرة على «الغترة والعقال» في ميزانيات البنوك مقارنة بالسابق وبمعدلات ملموسة.
وأخيراً، يبرز اعتبار لا يقل أثره السلبي على مصاريف البنوك التشغيلية عما سبق، وهو التضخم، فمع الاستمرار في زيادة معدلات الغلاء لجميع المنتجات والخدمات التي تعتمد عليها أعمال المصارف، كانت النتيجة المساهمة في تصاعد تكلفة المصاريف التشغيلية، ومن ضمنها تكلفة الاستثمار بالتقنية الجديدة والتوسع بها، ومصاريف الأفرع التقليدية، والاستهلاكات المعتادة، أخذاً بالاعتبار أن أثر ذلك على البنوك يختلف من مصرف لآخر، وبالطبع تزداد درجة الضرر حسب معدل التضخم المتداول بالأسواق التي يعمل بها البنك.
نمو جميع المؤشرات المصرفية
استطاعت البنوك الكويتية خلال أول 9 أشهر من العام الجاري تحقيق نمو في جميع مؤشراتها، حيث حققت زيادة بالأرباح التشغيلية بلغت نحو 1.8 مليار دينار، مسجلة نمواً بنسبة 28.1 في المئة، مقارنة بالمحققة بالفترة نفسها من 2022 والبالغة 1.4 مليار، فيما نما صافي إيرادات التشغيل للقطاع 26 في المئة لتسجل 2.91 مليار دينار، مقارنة بـنحو 2.3 مليار حققها القطاع خلال الفترة نفسها من العام الماضي.