تعيين السفراء بين سلطة الحكم وسلطة الإدارة واتخاذ القرار وصناعته!
|د. عبدالله سهر|
2 نوفمبر 2023
10:00 م
بعد تصاعد وتيرة التهديد البرلماني ضد وزير الخارجية بخصوص تعيين السفيرة الأميركية المرتقبة، وبعد توجيهات سمو ولي العهد في خطاب الافتتاح لمجلس الأمة بوجوب الإدلاء بالرأي في ما يخص الأمور السياسية العامة بوضوح وبصراحة تامة، لابد من مناقشة هذا الموضوع الحساس بكل تجرد.
لقد بيّن الدكتور إبراهيم الحمود، الجزء القانوني في هذا الموضوع حيث ذهب إلى أن تعيين السفراء هو قرار سيادي لا يجوز لمجلس الأمة الخوض به وليس من صلاحيته الدستورية.
ولم أجد رداً على ذلك الرأي حتى حين كتابة هذه المقالة ما يدل على قوة حجته في مقابل إحجام أصحاب الرأي الآخر عن الرد.
ومن جهة أخرى، فقد وقع بعض الإخوة أعضاء مجلس الأمة على اعتراض اعتماد سفيرة أميركا في الكويت، والنصيحة التي تسدى إليهم هي أن يتمهلوا ويتركوا المجال لفحص الفرق بين سلطة الإدارة التي يمكنكم محاسبة ومساءلة الوزراء عليها، وسلطة الحكم التي هي من أعمال السيادة ومن ذلك اعتماد السفراء للدول.
أما من الناحية السياسية، فأرى بأن تدخل أعضاء مجلس الأمة في مسألة تعيين السفراء يشوبه الحيد عن الاختصاص، عوضاً عن توطئته لمداخل منزلقات مستقبلية خطيرة.
لا شك أن لمجلس الأمة دخلاً في السياسة الخارجية خاصة من خلال لجنة الشؤون الخارجية وصلاحيته في التصديق على المعاهدات الدولية، وممارسة الديبلوماسية البرلمانية غير التمثيلية، ولكن ذلك لا يمتد إلى التدخل في القرار، بل إنه يتوقف عند حد التأثير في صناعة القرار فقط.
فمن المعروف بأن صناعة القرار الذي يتعلق بالسياسة الخارجية يتمثل بالإجراءات والقنوات التي يمر بها القرار ويتأثر بها، في حين أن اتخاذ القرار يكون حصراً بيد من لديه سلطة الاختصاص.
وبناء عليه، فلمجلس الأمة التدخل في صناعة قرار يتعلق بمسائل السياسة الخارجية ومناقشتها، ولربما التأثير بها فقط دون القفز على سلطة اتخاذ القرار لكون تلك القرارات مرتبطة بمصلحة الدولة العليا واختصاصات السلطة التنفيذية بصفتها التمثيلية وسلطات سمو الأمير كرئيس للدولة حيث تمارس سلطة الحكم في قضايا اعتماد السفراء وغيرها من مسائل.
ومما لا شك فيه بأن سلطة تعيين السفراء ومن في حكمهم مرتبطة بإرادة دولتين ذات سيادة وترتبطان بمواثيق وعهود ومعاهدات دولية قد استقرت على رضا الدول بها، وقد تكون أغلبها مصادقاً عليها من لدن المجالس التشريعية.
ولا مندوحة أن سلطة التصديق على المعاهدات الدولية وإن كانت مشروعة للمجالس النيابية والبرلمانات ولكن تلك المشروعية مشروطة بالقبول أو الرفض فقط دون منح سلطة الولوج لسلطة تغيير موضوعها أو موادها أو مفرداتها.
وهذا يدل أيضاً على أن سلطة قرار توقيع المعاهدات هو حق خالص للسلطة التنفيذية على الرغم من حدود السلطة التشريعية في التأثير في الإجراءات فقط.
ومن الناحية العملية، فذهاب بعض الأعضاء إلى التهديد لغل يد الوزارة بسلطة اعتماد تعيين السفير، أي كان ذلك، له تداعيات خطيرة خاصة في ظل «الانحشار» الأيديولوجي الضيق للكثير من النواب وغيرهم حين النظر إلى معطيات السياسة الخارجية وشؤونها ومواضيعها.
فعليك ان تتخيل، لو تراجعت الدولة عن اعتماد سفير ما من هذه الدول بمن فيها سفير الولايات المتحدة الأميركية نتيجة التلويح باستجواب الوزير، أو باستجوابه فعلياً وطرح الثقة به، فماذا ستكون لتلك السابقة من تداعيات خطيرة؟!
إن أول تلك التداعيات هي أنها ستكون سابقة للاعتراض البرلماني على تعيين سفير من دولة ما لا يشعر أحد أو بعض النواب بأنها صديقة، او لأن السفير المرشح من تلك الدولة له رأي سياسي أو فكري أو ديني ليس على هوى هؤلاء النواب، أو بخلاف ما تراه لجنة القيم على سبيل المثال لا الحصر!
يجب عليّ، كمواطن وكمختص في العلاقات الدولية، أن أنصح الإخوة النواب أولاً ثم وزير الخارجية والسلطة التنفيذية بألا ينزلقون في هذا المنحدر المحفوف بالمخاطر حيث سيعرّض الكويت لمعضلات أمنية كبيرة ويجذَّ من أجنحة ديبلوماسيتها الوسطية والمتوازنة التي يقع في مكنونها استقرار الدولة واستمرارها.