علي الرز / من رفيق إلى سعد لا تسامح... لا تنس

1 يناير 1970 10:38 م
| علي الرز |

خمس سنوات مرت وما زلت أشعر أنني حي بك وبقلوب المحبين التي تحولت شرفة من نور أطل بها كل يوم على بلد أحببته حتى الاستشهاد.

أشفق عليك يا ولدي، يا حبيبي، يا دولة الرئيس، فقد أثقلت عليك بعباءتي لكن كتفيك لم تنحيا. حملتك أوزان وطن وأوزار وطن وصواعق وطن وعواصف وطن وأزمات وطن لكن ظهرك لم ينكسر والضربات التي لا تكسر ظهرك تقويك.

وأشفق عليك اكثر لأن الخلاص مني جسديا كان بداية المرحلة وليس نهاية لها. كان اغتيالي حربا حقيقية على إجماع شعبي يزداد تماسكا في الوقت الذي يزداد التحالف السياسي تفرقا. كنت اتغاضى عن الكثير من الاساءات، وأستهزئ بالكثير من المواقف الانقسامية التي تهبط بالمظلات او تدخل عن طريق الخط العسكري، وأرفض الدخول في مهاترات سياسية تنعكس سلبا على الإجماع الشعبي. عرفت تماما ماذا يريدون وعرفوا تماما ماذا أريد. حاولوا اغتيالي مئة مرة قبل ذلك عن طريق اغتيال علاقتي بالناس عبر محاولات جري لمواقف تصعيدية تحرك المناصرين وتخرج غرائزهم الى الشارع...

وأنت تعلم كم مرة رفضت هذه العروض وكم ليلة بت فيها على وعد باغتيال.

تخلصوا مني جسديا والتف الناس اكثر حول مشروع الوحدة والبناء ونقل لبنان من المزرعة الى الدولة... التفوا حولك وحول حلفائك تحت شعارات السيادة والاستقلال.

كانت شاحنة السان جورج بداية لا بد من استكمالها كي يتحقق هدف التفجير. هذه المرة الاوامر معلنة ومباشرة «يللا شباب أسقطوا الغالبية والحكومة وغيروا الاوضاع بقوة السلاح في الشارع وأعيدوا الامور الى ثمانينيات القرن الماضي، والأهم الأهم الأهم ان تعصف الغرائز المذهبية بالحالة السياسية وينتهي الاجماع الشعبي ويتم ترسيم حدود الحرب الاهلية»... وفي لبنان محترفون حقيقيون يؤدون الادوار بطريقة افضل مما يريدها المخرج ويعزفون سمفونية الفتنة بنوتة مطورة لا يتوقعها حتى المايسترو.

أشفق عليك وأشفق على لبنان، انما في الوقت نفسه لا يمكنني الا ان أعتز بما تقوم به من خطوات لإعادة البلد الى مسيرة التنمية والاعمار والوحدة، وأفتخر بأنك واجهت ما لم يواجهه احد وفي أقسى الظروف وأصعبها محافظا على نهج والدك الوطني العربي. لم يدفعك الالتفاف الشعبي غير المسبوق الى مواقف الآخرين بل تسلحت به لدفع الآخرين الى موقفك. موقف والدك. رسمت لنفسك حدودا. حدود والدك، واكتشفت رغم حداثة التجربة والعمر سر الطريق الى لبنان الدولة، وهو السر الذي دفعهم الى محاولة كتمانه بطنين اثنين من المتفجرات لشخص واحد. شخص والدك.

مشروع الإنماء والإعمار لا يكتمل من دون سيادة واستقلال وحرية وإجماع شعبي ينقل القضايا من اطارها الانقسامي المذهبي الى الاطار الوطني. السر في هذه المعادلة.

وبقدر اعتزازي الكبير بالتزامك العقلانية والرقي وثوابت البيت الذي نشأت فيه بقدر خوفي عليك خصوصا في الذكرى التي حفرتها «الايادي السود الحقيقية» على وجه لبنان.

ستعايش يا ولدي، يا حبيبي، يا دولة الرئيس، امورا كثيرة مستغربة. ستجد بحرا من محبة الناس ومحبة الحلفاء. ستجد من حلفائك من ينعطف يمينا او يسارا من دون ان يعطي اي اشارة، وستجد من يعطي اشارة ثم يطلق النار يمينا ان انعطف يسارا او يطلق النار يسارا ان انعطف يمينا. ستجد من يقول لك في المجالس شيئا وتسمعه امام الميكروفونات يقول عكسه. ومن يعد ويخلف. ومن يدخل معك في تسويات ظاهرها وطني ومضمونها مذهبي، ومن يزين لك بأن القوة الحقيقية تكمن في الاتفاق الثنائي او الثلاثي بين الطوائف. ومن يوهمك بأنه مالك لقراره وهو في الحقيقة اداة أو اداة عند الاداة. ومن يقسم بأغلظ الايامين بأنه معك في السراء والضراء وقلبه معك لكن سيفه عليك. ومن يكرهك لأنه صادق في كرهه لك وكره مشروعك، ومن يكرهك لأنك تكره مشروعه، ومن يكرهك لأن الاوامر وصلت اليه بأن يكرهك... هذا لبنان يا سعد. عقود من التفخيخ لم تستثن لحظة طبقته السياسية وملاحقها المذهبية، وما عليك سوى ابداء حسن النية لتجنب خيبات الامل كما كنت افعل، وما عليك سوى التعامل مع ايجابيات كل طرف وترك سلبياته كما كنت افعل، وما عليك سوى الالتزام بمشروع قيام الدولة ووحدة ابنائها كما سعيت انا دائما واستشهدت من اجله.

اطلت عليك يا ولدي، لكني مشتاق اليك والى نازك والى اخوتك جميعا والى احفادي والى اخوتي وابنائهم واحفادهم. مشتاق الى لبنان والى اللبنانيين، مشتاق الى رؤية الإعمار يتعمم من قلب بيروت الى اطرافها فكل لبنان. مشتاق الى متابعة تفاصيل الطلاب الذين تخصصوا في ارقى المجالات العلمية، ومشتاق الى متابعة تفاصيل الخدمات الانسانية. الله يخليك يا سعد بصحتك... إلا توزيع المواد الغذائية على المحتاجين خصوصا ان الشتاء كان قارسا. هل تتذكر هجوم سلطة الوصاية على «اوكار توزيع الزيت الارهابية» قبل يومين من اغتيالي؟

سامحني اذا أطلت، لكن لا بد من طلب وانت لم ترد لي طلبا: لا تسامح من قتلني ولا تنس. تصرف بحكم مسؤولياتك كرئيس وزراء لكل لبنان انما لا تسامح ولا تنس. اعمل على تمتين علاقات لبنان مع كل الدول العربية، الشقيقة منها قبل الصديقة، انما لا تسامح ولا تنس. انفتح على كل الدول والجهات والتيارات والاحزاب والهيئات والمؤسسات داخليا وخارجيا واجعل الجميع يقتنعون بأن المحكمة والقضاء والعدالة مصلحة لهم وان الحقيقة لا تتعارض، ولا يجب ان تتعارض، مع مشاريعهم السياسية وحتى الخاصة منها... واذا لم تنجح في ذلك فحسبي انك لم تسامح ولم تنس.

وتذكر، فقط تذكر، ان احدا لم يسامح ولم يتسامح أكثر مني، وان احدا لم ينس او يتناس اكثر مني... وان ذلك كله لم يزد «الأيادي السود» الحقيقية الا امعانا في القتل والاجرام.

ابق محبتك للبنان «زي ما هيي»، وابق على عزيمتك «زي ما هيي» وابق علاقاتك بالناس «زي ما هيي». ما حدا اكبر من البلد يا بابا، يا حبيب البابا، يا حبيب لبنان، يا دولة الرئيس، يا ابن الرفيق، يا ابن الشهيد...

والدك رفيق بهاء الدين الحريري.





alirooz@hotmail.com