روسيا وإيران وإسرائيل وأميركا وتركيا تتنازع في القوقاز وأرمينيا تدفع الثمن بخسارة ناغورني كاراباخ
| بقلم - إيليا ج. مغناير |
21 سبتمبر 2023
10:00 م
ثمة مَن يعتقد أن الصراع بين أذربيجان وأرمينيا يتمحور حول حدود إقليم ناغورني كاراباخ، وأنه صراع بخلفيات أقلوية وعِرقية.
وهناك مَنْ يؤكد أنه صراع الممرّات التي ستفصل إيران عن أرمينيا وجنوب القوقاز، وتؤمّن الطريق لتركيا إلى اوراسيا.
إلا أن القضية أكثر تعقيداً حيث تلتقي المصالح أحياناً وتتعارض أحياناً أخرى بين الحلفاء والأعداء.
فأرمينيا تريد الانضمام إلى حلف «الناتو»، وروسيا وتركيا لن تسمحا لها بذلك. وأوروبا تدخل على الخط وكذلك إسرائيل الموجودة داخل أذربيجان، وهذا ما يَدفع إيران لإعادة النظر بسياستها مع الدولتين بحذر وصعوبة.
ورغم أن الحل للاقليم الانفصالي قد انتهى، إلا أن إنهاء الخلاف بين ارمينيا واذربيجان وتوقيع اتفاق دائم مازال بعيد المنال ومن الممكن ان يصبّ إبقاء التوتر في مصلحة لاعبين كثر.
تحت رعاية روسيا، وقّع مسؤولو إقليم كاراباخ اتفاقاً مع أذربيجان، بموجبه يصبحون مواطنين اذريين مع دمجهم بالمجتمع وفصلهم عن أرمينيا، وذلك بعد هجوم الـ 24 ساعة. وبهذا تفرض باكو سيطرتها الكاملة على الإقليم بعد نزاعٍ طويل ومرير... إلا أن الأزمة بين الدولتين لم تنتهِ بعد.
فقد امتد الصراع الذي تعود جذوره لأسباب عرقية وثقافية، لعقود طويلة. ولم تستطع الاتفاقات الدولية حله في شكل نهائي، بل حصلت اتفاقات لوقف إطلاق النار وسلام هش، لم يلبث أن انهار على وقع قرقعة المدافع والاشتباكات بين الطرفين.
فداخل الحدود الجغرافية لدولة أذربيجان، يقع الاقليم المتنازَع عليه بين باكو ويريفان، وهو فقير من حيث الموارد ويعتمد سكانُه على الزراعة.
ومنذ عام 1988، بدأت مطالب السلطات الحاكمة في كارابخ بالاندماج مع أرمينيا السوفياتية في تلك المنطقة في جنوب القوقاز. واندلعت الحرب عام 1993 ليسيطر الانفصاليون الأرمن على أرض الإقليم بمساحة تتجاوز 4800 كيلومتر مربع.
ويبلغ عدد سكان الإقليم الأرمن، نحو 150 ألفاً، بعدما هاجر عشرات آلاف الأذريين حين سيطرت أرمينيا عليه. وترك هذا الهروب جرحاً لم يندمل عند باكو.
في سبتمبر عام 2020 شنّت أذربيجان حملة عسكرية دامت 6 أسابيع حقّقت خلالها مكاسب عسكرية كبيرة ووصلت قواتها إلى تخوم عاصمة الإقليم مع دعم تركي - إسرائيلي للقوات المُهاجِمة.
وانتهت الحملة بسيطرة أذربيجان على خمسة أقاليم في محيط كاراباخ، وتوقيع إتفاق رعتْه روسيا في نوفمبر من السنة نفسها قضى بدخول قوات حفظ سلام روسية لتبقى في داخل الإقليم خمس سنوات قابلة للتجديد إذا لم يرفض أي من الأطراف المعنية مباشرة التجديد لها.
ولم يلق هذا الإتفاق قبول الأرمن في يريفان، الذين وصفوه بإتفاق الإستسلام، وطالبوا باستقالة رئيس الوزراء نيكول باشينيان الذي أعيد انتخابه لدورة ثانية رغم معارضة الرافضين لأي اتفاق مع أذربيجان، ما جعله اتفاقاً موقتاً معرضاً للخرق في أي وقت.
وحصد الصراع بين الدولتين على كاراباخ، نحو 30 ألف قتيل في الحرب الأولى و6500 قتيل في الحرب الأخيرة عام 2020 لينص الاتفاق على فتح ممرات مهمة بين الطرفان:
- ممر لاتشين بعرض خمسة كيلومترات الذي يربط بين أرمينيا والإقليم بحماية قوات حفظ السلام الروسية الذي يجب ان يبقى مفتوحاً.
- ممر زانجيزور الذي يتوجب على أرمينيا، بحسب البند التاسع من اتفاق نوفمبر 2020 لوقف إطلاق النار، إنشاؤه عبر أراضيها لربط أذربيجان بإقليم ناختشيغان الذي يتمتع بحكم ذاتي ويخضع للسيادة الآذرية، وهو غير متّصل بإذربيجان إلا من خلال الأراضي الأرمنية.
غير ان فتْح هذا الممر سيؤدي إلى فصل إيران عن أرمينيا وتعتبره طهران خرقاً للأمن القومي الإيراني. وترغب كل من أذربيجان وتركيا بإقامة هذا الممرّ الذي من شأنه أن يقطع الطريق الوحيد أمام إيران للعبور إلى جنوب القوقاز ومنه إلى روسيا وأوروبا، ويعطي تركيا، حليفة باكو الوثيقة، هذه الميزة.
وفي الأسبوع الجاري، اتهمت أذربيجان القوات الأرمنية من أمن الدفاع المحلي (جيش دفاع كاراباخ) بزرع عبوات تسبّبت بمقتل 6 أشخاص، ما دفعها إلى الهجوم مجدداً لتتدخّل قوات حفظ السلام وتوقف النزاع بعد اشتراط باكو تفكيك جميع التشكيلات المسلحة وتسليم جميع أسلحتها الثقيلة ومغادرة مواقعها العسكرية ونزع سلاحها بالكامل.
وتم الاتكال على روسيا لتنفيذ الاتفاق بعد تدخل موسكو لوقف التقدم الاذري. وردّت أرمينيا بأنها غير معنية بالاتفاق لأن السلطات المحلية في كاراباخ هي التي وقعت عليه.
ولغاية اليوم، مازالت الحدود بين أذربيجان وأرمينيا مغلقة ما يفرض على القوافل التجارية الأذرية العبور من خلال إيران للوصول إلى ناختشيغان، والعكس صحيح، لان أرمينيا لم تنشئ ممر زانجيزور.
وبالنسبة لتركيا، فإن ممر زانجيزور سيؤمّن الربط بما يسمى «منطقة الدول التركية» لربط تركيا وآسيا الوسطى عبر أذربيجان وبحر قزوين، وتَجاوُز إيران في شكل كامل للوصول إلى القوقاز.
أما روسيا، فهي ترغب بإنشاء الممرين، لاتشين وزانجيزور، لتبقى سيطرتها عليهما وتبقى الطريق لها مفتوحة إلى تركيا وأوروبا خصوصاً في ظل العقوبات المفروضة عليها واستخدامها لباكو ويريفان لمواربة العقوبات الغربية.
الصراع والتعقيدات
في أواخر مارس 2023 قامت باكو بافتتاح سفارتها في تل أبيب التي أمدّت أذربيجان بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية والتخطيط لمعركتها الجديدة في الإقليم. وفي أثناء المؤتمر الصحافي للديبلوماسيين الأذريين والإسرائيليين، تحدّث الطرفان عن تعاون ثنائي لمواجهة إيران، خصوصاً ان باكو هي المورد الرئيسي للنفط إلى إسرائيل وأحد أهم شركاء أوروبا بتصدير الغاز والنفط بعد العقوبات على روسيا.
ولن تتقبّل إيران بسهولة ان تتحوّل أذربيجان قاعدة إسرائيلية تضربها داخل أراضيها، خصوصاً ان هناك مقاطعة أذربيجان الإيرانية (عاصمة تبريز) في شمال غربي إيران على الحدود مع العراق وتركيا بحدود 700 كيلومتر ويقطنها اذريون إيرانيون.
ولذلك تَعتبر طهران ان باكو «تلعب بالنار» بسبب اتفاقاتها مع تل أبيب.
وقد كشفت إسرائيل أنها باعت أسلحة وذخائر لاذربيجان بمليارات الدولارات مقابل النفط والعمل الأمني على حدود إيران لجهاز «الموساد» عبر تأهيل مطار مخصص لمساعدة إسرائيل في حال قررت مهاجمة منشآت نووية إيرانية.
كما كشفت الصحف الإسرائيلية ان عملاء «الموساد» سرقوا الأرشيف النووي الإيراني بعد تهريبه إلى إسرائيل عن طريق أذربيجان.
وتعتقد طهران ان إسرائيل تقوم بعمليات تخريبية في الداخل انطلاقاً من الأراضي الآذرية، بحسب التحقيقات المتعلقة بملف إغتيال العلماء النوويين الإيرانيين.
إلا ان العلاقة التجارية بين باكو وطهران قد أجّلت المواجهة، إذ ان 60 في المئة من الصادرات الإيرانية لجنوب القوقاز تذهب إلى أذربيجان. وقد زاد التبادل التجاري بنسبة 100 في المئة عام 2022. ولهذا فإن على إيران ان تخفف من خسائرها في أي خطوة تتخذها مستقبلاً.
أما بالنسبة لأوروبا، فإن فرنسا والمانيا هما على رأس الدول التي تتواصل مع الرئيس الأذربيجاني الهام علييف لتهدئة الوضع المتشنج وللإعراب عن التزامهما بـ «أمن أرمينيا» و«رفع الحصار عن الممر (لاتشين)» تحت عنوان «الممر الإنساني».
وإعتبرت المانيا ان انتشار 1966 جندياً روسياً كقوات حفظ سلام يحّمل موسكو المسؤولية المشتركة مع باكو عن أمن الأرمن في الإقليم بموجب إتفاق وقف إطلاق النار عام 2020، كون موسكو تتمتع بعلاقات متوازنة مع الدولتين المتنازعتين.
إلا ان أرمينيا بدأت بخسارة أصدقائها واكتساب آخَرين. فقد وفرت حكومة يريفان الدعم لاوكرانيا. وشارك الجيش الارميني بمناورات عسكرية مشتركة مع أميركا تحت عنوان «EAGLE PARTNER» (شريك النسر). وهذا ما أغضب روسيا في زمن الحرب بالوكالة التي تجري على أرض أوكرانيا ولابتعادها عن موسكو.
وقد وعد وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن بأن تقف واشنطن مع يريفان.
إضافة إلى ذلك، فقد دعا باشينيان روسيا إلى بحث «وضع ناغورني كاراباخ في مجلس الأمن»، وهذا ما ترفضه موسكو بشدة.
وقد رفضت أرمينيا استقبال مناورات «منظمة معاهدة الأمن الجماعي» (أرمينيا، بللاروسيا، كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان وروسيا) واعتبرت المناورة «أمراً غير مناسب».
فرد ديمتري بيسكوف، الناطق باسم الكرملين بأن «هذا بيان جديد، ولكن أرمينيا حليفنا الوثيق للغاية. سنواصل الحوار معها في ما يخص جميع القضايا التي باتت حالياً صعبة للغاية». وقد كلّف هذا التصرف خسارة يريفان لكاراباخ.
لقد أثار رئيس الوزراء الأرمني قلقاً بالغاً لدى حلفائه الروس والإيرانيين برغبته بالإنضمام لحلف «الناتو» وتأكيده ان «اعتماده على دولة واحدة (روسيا) كان خطأ». وتالياً فإن هناك رغبة بقص اجنحة باشينيان وإضعافه.
من هنا فإن ثمة قواسم مشتركة بين دول عدة في تلك البقعة من العالم لإبقاء الوضع كما هو عليه لأطول مدة ممكنة إلى حين انتهاء الحرب في أوكرانيا وظهور قوى جديدة على الساحة الدولية تتحدى بقوةٍ الآحادية على العالم وتعطي روسيا الوقت للتفرّغ للقوقاز.
وحتى ذلك الحين سيبقى التوتر بين أرمينيا وأذربيجان قائماً، ليس فقط على الممرات والأقاليم المنفصلة في الدولتين، بل انه صراع على القوقاز ولاعبيه الكثر وعلى رأس هؤلاء الدول العظمى المتصارعة على أرض أوكرانيا.