يملك الطالب الشاب ماكس مولر جميع المواصفات التي تؤهله للانضمام إلى صفوف الجيش الألماني، بما في ذلك الإمكانات البدنية، لكنه يستبعد تماماً احتمال القيام بالخطوة خصوصاً بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.
وقال مولر (23 عاماً) لـ «فرانس برس»، «في حال اندلعت الحرب، سنكون ملزمين الانضمام (إلى الجيش)... يمكن أن أموت».
تعد الخدمة العسكرية بالنسبة للعديد من الشباب الألمان أمراً غير مطروح على الإطلاق، ما يسلّط الضوء على التحديات الهائلة التي تواجه الجيش في ما يسعى جاهدا للبحث عن مجنّدين.
ويشكّل جذب كفاءات جديدة مهمة ملحّة فيما يسعى المسؤولون لزيادة عديد القوات وتطبيق عملية إصلاح ضرورية جدّاً في صفوف القوات المسلّحة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
تعكس البيانات حجم التحدي، إذ كشف وزير الدفاع بوريس بيستوريوس أخيراً تراجع عدد الطلبات الفعلية للانضمام إلى الجيش بنسبة سبعة في المئة في الأشهر الخمسة الأولى من العام مقارنة مع السنة الماضية، وإن كانت طلبات الحصول على استشارة في شأن الانضمام إلى المؤسسة العسكرية ارتفعت.
وفي محاولة يائسة لتغيير الوضع، أطلق الجيش حملة إعلانية على الإنترنت وخارجها في الأشهر الأخيرة على أمل ضخ دماء جديدة في المؤسسة.
ورغم أن القوات الألمانية لا تقاتل في أوكرانيا، إلا أن القرب الجغرافي للنزاع أعاد إحياء مخاوف قديمة بقيت مدفونة على مدى عقود بعد الحرب العالمية الثانية.
وبما أن ألمانيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تم استدعاء قواتها للمساعدة في حراسة مناطق التكتل المحاذية لروسيا، ما يعزز احتمال اندلاع أنشطة قتالية.
وحتى في أوساط الجنود، لا يوجد سوى عدد قليل من المتطوعين لنشرهم في الخاصرة الشرقية للحلف. ولم يقدّم غير شخص من كل خمسة طلبا للانضمام طوعا إلى الكتيبة المقاتلة التي تخطط ألمانيا لنشرها في ليتوانيا، وفق تقرير نشرته «دير شبيغل».
وبالتالي، ليس مفاجئا أنه في ألمانيا ما بعد الحرب التي لطالما دافعت عن تبني مواقف مسالمة، بات إقناع الشباب المعتادين على نمط حياة مريح في أكبر قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي بالانضمام إلى الجيش أمرا غاية في الصعوبة.
- جيل «مدلّل»
لكن البعض ما زال يشعر بالحماسة. يؤكد ميغيل أيدوغان أنه ينوي المضي قدما في تحقيق «حلم الطفولة» بالانضمام إلى الجيش.
ولم تثنه الحرب في أوكرانيا وإمكانية إرساله للقتال يوماً ما عن ذلك.
وقال لفرانس برس «لذلك أنا هنا -- ليكون بإمكاني المساعدة»، وذلك بعد جلسة لتلقي المشورة في مركز مخصص لتبني الخدمة العسكرية مهنة في مدينة إسن (غرب).
كانت الجلسة التي حضرها أخيراً من بين أولى الخطوات باتّجاه الانضمام إلى الجيش وتشمل عرض الضباط خيارات مختلفة على المجنّدين المحتملين.
وبعيدا عن المسار التقليدي المتمثّل بان يصبح الشخص جندياً، يسعى الجيش لشغل وظائف تتراوح بين أدوار مهنية والعمل كطهاة، بعضها عسكري والآخر مدني.
فكّرت ليزا هوفمان أيضاً بالانضمام إلى الجيش، في الحقل الصحي على الأرجح، مؤكدة بأنها «ترغب بأكثر» مما تقدّمه لها وظيفتها الحالية كممرضة.
لكنها تدرك الصعوبات التي يواجهها الجيش في جذب الشباب.
وقالت هوفمان (23 عاماً) لفرانس برس بعدما زارت مركز إسن إن حياة الثكنات «تخيف العديد من الشباب بكل بساطة»، مشيرة إلى أن «جيلنا مدلّل أكثر» من قبل.
- تحدٍ ديموغرافي
بدأت جهود تعزيز الجيش منذ قبل حرب أوكرانيا، إذ أُعلن قبل عدة سنوات عن هدف زيادة عديد القوات إلى 203 آلاف بحلول 2031، مقارنة مع 181 ألفا حاليا.
لكن بيستوريوس الذي تولى منصبه في يناير، أقرّ بأن العدد «طموح» وتجري حاليا إعادة النظر فيه.
تركت عقود من الاستثمارات الضئيلة الجيش الألماني في حالة يرثى لها. وتجّلى حجم المشكلة في مارس عندما أفاد نائب بارز أوكل مهمّة دراسة الجيش أن لديه القليل من كل شيء.
وغداة الحرب الروسية في أوكرانيا، كشف المستشار أولاف شولتس عن صندوق خاص بقيمة مئة مليار يورو (107 مليارات دولار) لإصلاح المسائل العالقة منذ مدة طويلة.
يعاني الجيش الألماني أيضاً من سمعته، بعدما كُشف عن تعاطف شخصيات بارزة في القوات الخاصة مع اليمين المتشدد.
وعلى غرار الوضع بالنسبة لقطاعات أخرى، تتقلّص خيارات الجيش لدى محاولته التجنيد نظرا إلى شيخوخة المجتمع الألماني.
وقال المستشار المهني في إسن الكابتن هيكو أو. الذي يشمل عمله حضور مناسبات لحشد الاهتمام بالجيش ولقاء مجنّدين محتملين إن «التغيّر الديموغرافي يعد بالتأكيد (تحديا) هائلاً».
وأضاف «لدينا عدد أقل من الشباب الباحثين عن وظائف والعديد من أرباب العمل، لأن المنتمين إلى الأجيال الأكبر سنا يتقاعدون الآن بكل بساطة».