قبل أن يحلّ ما يمكن وصْفه بـ «شهر جان - إيف لودريان في لبنان» المرتقب وصوله إلى بيروت في النصف الأول من سبتمبر المقبل لاستكمال وساطته في ملف الانتخابات الرئاسية الذي تتشارك باريس مع كل من واشنطن والرياض والقاهرة والدوحة «خلية الأزمة» الدولية - العربية التي باتت «ناظمةً» لمسار حلّه، يطوي أغسطس آخِر 48 ساعة منه على وقع زيارتيْن بارزتيْن لكل من مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين، ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان.
وفي حين يصل هوكشتاين اليوم إلى لبنان لـ «يَحْتفي» ببدء ترجمة اتفاق الترسيم البحري بين بيروت وتل أبيب، الذي كان راعيه، عبر انطلاق أعمال الحفر في البلوك 9 المتاخم لحقل كاريش (وإمكان انتقالها إلى البلوكين 8 و10)، يُنتظر أن ينتقل عبداللهيان إلى بيروت من دمشق حيث يُجْري فيها (اليوم) لقاءات مع كبار المسؤولين في غمرة اشتداد «الحرب غير المعلَنة» بين بلاده وإسرائيل فوق ملعب النار السوري والموْصولة بالصراع داخل فلسطين و«أوعيته المتْصلة» وصولاً إلى الجبهة اللبنانية.
ولن يكون مفاجئاً أن يعاين هوكشتاين منصة الحفر في البلوك 9 ويتفقّد قوة «اليونيفيل» في الجنوب، عشية قرار التمديد الشائك لها والذي مهما اشتدّ العصْف حوله وحدود التفويض الممنوح للقوة الدولية في حرية حركتها (سيبقى محرَّراً من تنسيقٍ حُكْمي مع الجيش اللبناني) فهو «سيمرّ»، وسط رصْدٍ لِما إذا كان الموفد الأميركي يحمل معه أي أفكارمحددة تتصل بملف الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل بعدما دخل دائرة التوتر الذي يُخشى أن يهدّد «سلامة الأمن النفطي» الذي تحوّل منذ أكتوبر الماضي ركيزةَ «نظام مصلحة» جديداً يَعلو فيه البُعد الاقتصادي في الصراع مع تل أبيب على البُعد العسكري، أو أقله يتساويان في «قياس الخطوات» وتشظياتها على ضفتيْه.
وكان بارزاً أن هوكشتاين الذي تحوّل وفق مضامين اتفاق الترسيم البحري «وصيّاً» على متابعة تنفيذه وحسْم أي التباسات قد تطرأ في تفسيره، يحطّ في بيروت على وقع ارتفاع «الصراخ» الإسرائيلي في أروقة الأمم المتحدة، وفق ما عبّر عنه إبلاغ وزير الدفاع يوآف غالانت، الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش أن «احتمال التصعيد العنيف على الحدود الشمالية لإسرائيل يتزايد، نتيجة للانتهاكات الصارخة من حزب الله المدعوم من إيران. وعلى الأمم المتحدة أن تتحرك على الفور».
ولم يوفّر غالانت في لقائه مع غوتيريش، أن يثير ما أسماه «التوترات المتزايدة على الحدود الشمالية لإسرائيل» نتيجة «الاستفزازات المستمرة والانتهاكات الصارخة التي يقوم بها حزب الله بما في ذلك إقامة خيمة (في مزارع شبعا المحتلة) وإقامة العشرات من المجمعات العسكرية على طول الحدود»، مشدداً تبعاً لذلك على «الحاجة الملحة لتدخل الأمم المتحدة الفوري لتهدئة التوترات من خلال تعزيز سلطة اليونيفيل في المنطقة، وضمان حرية تنقلها وتنفيذ ولايتها».
ومعلوم أن لبنان رَفَعَ الصوت بوجه الصيغة المتداولة في مجلس الأمن للتمديد لـ «اليونيفيل» والقاضية بتكريس تحركها في منطقة عملياتها (جنوب الليطاني) من دون التنسيق مع الجيش اللبناني، مع مطالبةٍ بتغيير اسم شمال بلدة الغجر التي قضمتْها إسرائيل في الأسابيع الماضية إلى خراج بلدة الماري، تأكيداً للبنانيتها، وسط كلام لافت أطلقه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي اعتبر أن الحكومة اللبنانية «مشكورة في سعيها لتصحيح خطأ العام الماضي الذي أعطى الحرية الكاملة لليونيفل للتحرك من دون تنسيق وإذن، ونشدّ على أيديها ونأمل أن تُوفق لإجراء هذا التعديل الذي له علاقة بالكرامة، وإلا فإنه سيبقى حبراً على ورق فالناس في الجنوب لن يسمحوا بأن يُطبَّق قرارٌ رغم رفض الحكومة اللبنانية»، ومحذّراً من أن هناك من يريد من قوات اليونيفل «أن تعمل عند الإسرائيلي وجواسيس له».
وفي حين تَوَجَّه نصرالله لإسرائيل بعد تهديداتها باغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صالح العاروري في لبنان من أن «أي اغتيال إسرائيلي على الأرض اللبنانية يطاول لبنانياً أو فلسطينياً أو إيرانياً أو سورياً سيكون له رد فعل قوي، ولا يمكن السكوت عنه ولن نسمح أن تُفتح ساحة لبنان للاغتيالات»، فإن تَصاعُد وتيرة التصعيد بين الحزب وتل أبيب التي رفعتْ منسوب عملياتِها في العمق السوري ضدّ أهداف إيرانية رداً على دعم طهران وحزب الله هجمات نوعية داخل الأراضي الفلسطينية سيخيّم على زيارة عبداللهيان لبيروت التي يفترض أن ينتقل إليها من دمشق.
ولن يكون «الحساب المفتوح» بين إسرائيل وإيران وحدَه في خلفية زيارة عبداللهيان، التي تترافق أيضاً مع «حبس أنفاس» حيال إمكان تجدّد «حريق» مخيم عين الحلوة بأبعاده المتعددة التي تطلّ على الواقع الفلسطيني المعقّد و«الإمرة الاستراتيجية» فيه على «الطاولة الإقليمية» الكبرى، إذ يحّل وزيرُ الخارجية الإيراني على بيروت على وقع الكلام المفاجئ الذي أطلقه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي صوّب على دور طهران «المزعزع للاستقرار الإقليمي في الأعوام الأخيرة»، داعياً لتوضيح «سياسة إيران في ما يتعلق بجيرانها المباشرين، وفي ما يتعلق بإسرائيل وأمنها، وبلبنان واستقراره»، ومعتبراً أن من العناصر الأساسية للحل السياسي في لبنان والذي يضطلع موفده لودريان في جانب أساسي منه «توضيح التدخلات الإقليمية في شؤون هذا البلد ومن ضمنها إيران».
رسالة لودريان
وبقي موقف ماكرون محور اهتمام في بيروت بعدما اعتبره بعض أطراف المعارضة، من الذين اعترضوا على رسالة لودريان الى النواب التي طالب فيها بأجوبة عن سؤاليْن يتعلقان بأولويات الرئيس العتيد ومواصفاته توطئة للقاء حواري يمهّد لجلسات مفتوحة في البرلمان، بمثابة «خطوة جديدة تدعم البيان الذي صدر عن الاجتماع الخماسي في قطر، بإشارة الرئيس الفرنسي إلى أن مَن يعرقل عملية انتخاب الرئيس من خلال التدخل السافر بالشأن اللبناني وشؤون المنطقة هو إيران»، وأن باريس «بدأت على ما يبدو تبني جداراً منطقياً بينها وبين حزب الله والسياسة الإيرانية في لبنان»، كما أعلن نائب «القوات اللبنانية» غياث يزبك، الذي توقع «تصعيداً»من قوى«الممانعة»ضدّ دورها«إذ سينقلب حزب الله وإيران على فرنسا من خلال تعطيل مهمّتها في لبنان».
ورغم أن موقف ماكرون وُضع في سياق«تصحيح»التموْضع الفرنسي بعد ارتياب أطراف وازنة في المعارضة من محاولة لاستدراجها إلى حوارٍ وإلى شراء مزيد من الوقت لحزب الله وحلفائه لتوفير نصاب سياسي لانتخاب مرشحه سليمان فرنجية، فإن الأنظار ستشخص حول إذا كان لودريان سيبقى متى وصل الى بيروت مصراً على مسألة الحوار الموسع، خارج لقاءات ثنائية مع كل القوى، وهذا ما ترفضه أحزاب عدة على خصومة مع«حزب الله»، وأيضاً على مقاربة مسار الحل وفق آليةِ تنطلق من أجوبة على سؤاليه لن يسلّمها المعترضون عليهما بعدما اعتبروا أن«الجواب أُرسل»في البيان (لنحو 40 نائباً) الذي تبنّى«بالحرف»بيان مجموعة الخمس حول لبنان عقب اجتماعها الشهر الماضي في الدوحة حول الانتخاب في البرلمان ومواصفات الرئيس وأولوياته.
ملف سلامة
في موازاة ذلك، لم يتأخر ملف الادعاء على الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة لبنانياً في قضايا غسل أموال واختلاس - يُلاحَق بها أيضاً في الخارج - في أن يلقى المصير نفسه لقضية انفجار مرفأ بيروت التي علقت في دهاليز السياسية وتشابُكاتها القضائية و«شِباك» الفوضى التي عطّلت «ميزان العدالة» في ظلّ دعاوى مخاصمة الدولة وكف يد قضاة انتهت بشلّ الملف ربْطاً بتعطُّل آلية ملء الشواغر في رئاسات محكمة التمييز وتالياً عمل هيئتها العامة (بفعل فقدان النصاب) المخوّلة النظر في الطلبات المقدّمة أمامها.
وقد غاب سلامة أمس عن جلسة الهيئة الاتّهامية في بيروت التي كان مقرراً أن تستمع إليه بعدما استأنفت رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة اسكندر قرار قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل ابو سمرا بترْكه (بعد الاستماع إليه) قيد التحقيق وطلبت إصدار مذكرة توقيف وجاهية أو غيابية في حقه.
وحضر الجلسة وكيل سلامة الذي أعلن أن موكله لن يحضر، وقدّم دعوى مخاصمة أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز ضدّ الهيئات الاتهامية الثلاث التي تناوبت على الملف، وهو ما قابلتْه الهيئة الاتهامية في بيروت برئاسة القاضي ماهر شعيتو بقرار رفْع يدها عن الملف.
وأشارت قناة «الجديد» اللبنانية إلى أن دعوى المخاصمة قوبلت باستياء عارم وبالصوت العالي من القاضية اسكندر التي اعترضت على منْح محامي سلامة الوقت الكافي لإكمال أوراق الدعوى وعدم صدور مذكرة توقيف قبل ذلك، وقبل أن يدخل ملف الحاكم السابق مساراً من التعطيل كان متوقَّعاً في ظلّ صعوبة تَصَوُّر أن يُترك لمَن يحمل مفتاح وأسرار«الصندوق الأسود» لحقبة مالية – نقدية عمرها 30 عاماً أن يمثل أمام قوس المحكمة و«يبقّ البحص»هو الذي كان أعلن في آخر إطلالة تلفزيونية أنه تحوّل«كبش محرقة» من السياسيين ولهم، وكُشف أنه يحتفظ بـ«فلاش ميموري» أودعها خارج البلاد تحتوي أسراراً عن عمله لتكون بمثابة «بوليصة تأمين» له في حال حصل أي مكروه.
ومعلوم أن سلامة الذي غادر منصبه قبل شهر ولم يتم تعيين خلَف له، ملاحَق في أكثر من بلد أوروبي بتهم اختلاس أموال وصدرت بحقه أكثر من مذكرة توقيف دولية، وصولاً لإعلان وزارة الخزانة الأميركية أخيراً، أن الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا فرضت معاً عقوباتٍ عليه، بتهم فساد مالي، معتبرة أن «أنشطة سلامة الفاسدة وغير القانونية ساهمت في انهيار دولة القانون في لبنان».