كثير من السياسيين أُحيلوا مبكراً إلى التقاعد بصورة أو بأخرى... والأكثر منهم إذا نظرت في وجوههم وجدت الحزن نسج عليها خيوطه السوداء حتى انقطع عند بعضهم الرجاء، ويئسوا من الواقع حتى يُتخيّل إليك أن نازلة من نوازل الدهر قد نزلت بهم فزلزلت أقدامهم أو فاجعة من فواجع الأيام أدارت رحاها فطحنت جواهر عقولهم وما تكنّه نفوسهم... وأقامت بينهم وبين الاسترخاء بطيب العيش والاستمتاع بهذه الحياة سدّاً منيعاً لا تنفذه المعاول ولا تزعزعه عاتي الزلازل!!
ورسالتي إليهم جميعاً أقول (هوّنها وتهون) وانظر بعينك هذا الخير العميم الذي ننعم فيه جميعاً بفضل الله وحده في الكويت... فالإصلاح السياسي الذي يستصعبه البعض بل يجعله من سابع المستحيلات... أهون مما تظن وأصغر مما تقدّر - إذا صلحت النوايا واستقامت النفوس - واعلم أنك لم تسقط من قمة جبل شامخ إلى سفح الوادي المتحجّر فتبكي بكاء الثكلى على شظيّة طارت من شظايا رأسك أو دم مسفوح تدفّق بين لحيتك.
وتأمّل سيرتك السياسية الطويلة وتذكّر أنك قد سعيت إلى غرض محدد - الإصلاح - فإن كنت قد هيّأت له أسبابه وأعددت له عدّته وبذلت له من ذات نفسك ما يبذل مثله الباذلون في مثله فقد أعذرت إلى الله ثم إلى نفسك وتالياً إلى الشعب الكويتي فحري بك ألّا تحزن على مصاب لم يكن أثراً من آثار يديك ولا جناية من جنايات نفسك عليك وإن كنت قصّرت في تلمّس أسبابه ومشيت في سبيله مشية المتماوت المتقاعس فما وجه حزنك على فوات غرض كان جديراً بك أن تترقب فواته قبل وقت فواته؟ وما بكاؤك على مصاب كان خيراً لك أن تعلم وقوعه قبل يوم وقوعه.
فلا تجعل لليأس - من الكويت - سبيلاً إلى نفسك فلعلّ الأمر يعوّض عليك في غدك ما خسرت في أمسك وامضِ لشأنك ولا تلتفت إلى ما وراءك فإن لكل زمان دولة ورجالاً - وأبواب الخير مشرعة كما أن أبواب الجنان ثمانية كل باب منها ما بين بُصرى وهجر من سعتها و- تذكّر - أن خروجك من المسرح السياسي ليس نهاية العالم وأنك في عملك الماضي كنت مغلولاً بقيود تسلّط وسائل الإعلام عليك إذ كنت عضواً في المجلس أو وزيراً في سجن من سجون الحكومة - العمل الوزاري - وتقف بجانب رئيس من الرؤساء المدلين بأنفسهم يسومك من قيود - التضامن الوزاري - ما لا يحتمله نزلاء السجون في سجونهم.
ولكن اعتدادك بنفسك وآرائك - الإصلاحية - هذا الاعتداد وإكبارك إياها كل هذا الإكبار - في مقاطع الفيديو - دليل على أنك كنت تريد أن تجعلها منتهى أملك وغاية مرادك... وأنك لا ترى بعدها مزيداً من الكمال لمستزيد!!
فإن صدقت فراستي فيك - مع إحسان الظن - فاعلم أن الله قد اختار لك في هذا المصير وساق إليك هذا من الخير ما لا تعرف إليه سبيلا... وأنه سبحانه ما خيّب رجاءك في هذا الكمال الموهوم - الشخصانية - إلا لتطلب لنفسك كمالاً معلوماً وما صرف عنك - العمل السياسي - المكتوب في مضابط الجلسات وصفحات الأوراق إلا لتسعى وراء الشهادة الربّانية المكتوبة في صفحات القلوب.
وأخيراً...
إن كنت تبكي على الشرف فباب الشرف مفتوح بين يديك ولا شأن للحكومة فيه ولا حاجب لها عليه! وما هو إلّا أن تجدّ في التزوّد من العلم والتسلّح بالمعرفة واستكمال ما ينقصك من الفضائل النفسية فإذا أنت شريف في نفسك وفي نفوس الخاصة من الناس من حولك، وإذا أنت في منزلة يحسدك عليها كثير من أرباب الشهادات والمناصب ولا حيّا الله شرفاً يحيا بورقة ويموت بأخرى. ولا مجداً تأتي به قعدة وتذهب به قومة؟ وها هي الأيام تكشف لنا فضائح الاجتماعات بالمزارع والجواخير والدواوين!
وإن كنت تبكي على - الزمن الجميل - الذي مضى... ففي أي كتاب من كتب الله المنزلة قرأت أن أرزاقه وقف على السياسيين!! وعلى المستخدمين والمناديب!! وإنه لا ينفق درهماً ولا ديناراً واحداً من خزائنه سبحانه إلا إذا جاءت أوامر عليا بتوقيع مسؤول كبير أو إشارة من وزير؟
فقل بلا خجل ولا استحياء لجلسائك وأصدقائك ومعارفك وأبنائك إن الذي وهب لي عقلي لم يسلبه وإن الذي صوّر لي صورتي لم يحل بيني وبين الذهاب بها إلى ما خلقت له فهو الذي خلقني سوف يهديني وهو الرزاق ذو القوة المتين. فدع اليأس وسد أبواب الشيطان وافتح باب الرحمن وحينئذ تعرف أن خدمة الكويت من أي موقع كان.