تخيّل أن ابنك تعلّم أفضل تعليم وتخرّج من أفضل الجامعات في العالم، ثم يتخرّج ولايجد وظيفة بها كادر بسبب عدم وجود «واسطة» لديك، بينما ابن صديقك تخرّج من جامعات دون المستوى ولكن تم توظيفه بأفضل الهيئات بسبب شفاعة نائب... ماهو شعورك أنت وابنك؟...هذا بالضبط ماحصل خلال السنوات السابقة.
ما الذي يجعل الناس تتقاتل للتوظيف في الهيئات خلال الفترة الماضية غير التفاوت غير المنطقي في الرواتب؟، لدرجة أن موظفين في بعض الهيئات يتسلّمون رواتب تتجاوز رواتب الوزراء والنواب ووكلاء الوزارة! وهذا أمر أعتقد غير موجود في أي مكان في العالم حسب علمي!
ما حدث خلال السنوات الماضية هو تخريب الميزانية وتحميلها فوق طاقتها بشكل متعمّد، ومن يتحمّل ماحصل الجميع دون استثناء سواء الحكومة أو المجلس، وحتى الحكومة عندما تأتي لفرض واقع جديد أكثر عدالة وشفافية نجد بعض مطالب النواب والتي تركز على الصرف بشكل غير مهني وإنما فقط دغدغة عواطف الناس من أجل الصوت الانتخابي.
الفروقات في الرواتب لم تعد مقبولة، حيث آثارها ستمتد حتى إلى الجانب الاجتماعي والمستوى المعيشي بين الناس أو حتى البيت الواحد، فتخيّل معي بعد ذلك الآثار الاجتماعية عليهم، صاحب الوظيفة الحكومية أو في المؤسسة المستقلة التي فيها كوادر يستطيع توفير أمور كثيرة له ولأسرته من الرفاهية لا يستطيعها صديقه الآخر، بينما الآخر يعيش تحت ظروف نفسية قاسية نتيجة عدم قدرته على الوفاء بهذه الالتزامات للأسرة، وفِي بعض الأحيان يكونون في البيت نفسه.
حل مشكلة الرواتب يحتاج حلاً شاملاً للجميع سواء الموظفين أو القياديين والوكلاء والوزراء، لماذا تأخر «البديل الاستراتيجي» كل هذه السنوات؟، وهل المؤسسات الحكومية تحتاج كل هذا الرقم من الوكلاء والوكلاء المساعدين؟ لدرجة أن عددهم تجاوز 500 قيادي في الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية!، ونحن نتوجه للحكومة الإلكترونية فهل نحتاج هذا الجيش من القياديين؟.
أرقام الموازنة الجديدة تعطي مؤشرات لما هو قادم مالم نغيّر طريقة تفكيرنا، حيث بلغت الإيرادات الإجمالية 19.5 مليار دينار، واعتمدت الميزانية 70 دولاراً سعراً لبرميل النفط، مع إيرادات نفطية متوقعة قدرها 17.2 مليار دينار، وبلغ إجمالي المصروفات المتوقعة 26.3 مليار دينار.
وما يحدث، إن استمر، هو مشروع إفلاس ما لم نتدارك الوضع ونقلل من المصروفات والاعتماد على النفط ونزيد من أموال الصناديق السيادية لنستعد للمستقبل. يجب مراجعة الكثير من المصروفات، خصوصاً مشاريع: عافية، والعلاج بالخارج، والمهمات والتدريب والبعثات، وبيع الإجازات الذي كلّف الدولة مليار دينار!... هذه المصروفات يجب تقييمها خصوصاً إذا كانت هناك مستشفيات حكومية مجانية، فلماذا هذا الصرف على المشروع؟
النائب الفاضل عبدالوهاب العيسى قدّم مقترحاً وبسبب فراغ القيادة الوسطى أن تستعجل الحكومة إلغاء هيئات ودمج غيرها تحت كيانات جديدة، ومع توجه الحكومة لرقمنة خدماتها وفق برنامج عملها نقترح إلغاء منصب الوكيل المساعد والاكتفاء بنائبين للوكيل، الأول للمالية والإدارية والثاني للفنية تسريعاً للقرار.
والقطاع الخاص جزء أساسي من حل هذه المشكلة ويجب دعمه وحث الخريجين الجدد على التوجه نحو العمل فيه، والقرارات يجب أن تكون مدروسة حتى لا تكون هناك هجرة من القطاع الخاص إلى الحكومي كما حصل في السنوات الماضية.
وهناك فئات تستحق زيادة الرواتب عاجلاً، خصوصاً المتقاعدين ممن تقل رواتبهم عن 1000 دينار كويتي، ويجب أن يكون هناك حد أدنى للرواتب لا يقل عن 1500 دينار، خصوصاً في ظل التضخم الحاصل في العالم...