بين «لقاء الصورة» التشاوُري الذي عقدتْه حكومة تصريف الأعمال ورئيسها نجيب ميقاتي مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في مقره الصيفي (الديمان - الشمال)، وبين الصورة على مقلبيْ الحدود اللبنانية - الاسرائيلية التي ارتسمت مع جولة التهديد بمكبرات الصوت لوزير الدفاع الاسرائيلي يواف غالانت بالتزامن مع الجولة الميدانية التي نظّمها الجيش اللبناني لممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي المعتمدين في بيروت على طول الخط الأزرق... هوّة عميقةٌ عكستْ إمعاناً من غالبية القوى السياسية في التلهّي بشكلياتٍ يُراد منها التمويه عن العجز المتمادي عن إخراج البلاد من دوامة أزمات باتت أشبه بـ «فرّامة» لواقعه السياسي والمالي والمعيشي، فيما تتدافع المخاطر من كل حدب وصوب.
وبعدما بدا لبنان وكأنه تَعاطى مع تحذيراتِ دول الخليج لرعاياها على طريقة «عُلم» و«ما باليد حيلة» المعتمَدة عند كل اختبارٍ حساس، جاء اللقاءُ التشاوري في الديمان ورغم كل الأبعاد «الوطنية» التي جرت محاولةُ إسباغها عليه تحت عناوين مثل بحث الصيغة اللبنانية والتمسّك بها والقِيَم الأخلاقية والروحية، ليضيف عنصراً إشكالياً على الواقع السياسي – الرئاسي المأزوم الذي تصيب تشظياته منذ أكثر من 9 أشهر حكومة تصريف الأعمال التي تنعقد «مبتورةً» في ظل غياب وزراء «التيار الوطني الحر» اعتراضاً على التئامها، وهي المستقيلة منذ حصول الانتخابات النيابية (مايو الماضي)، في كنف الشغور الرئاسي.
فاللقاء الذي حضره ميقاتي و15 وزيراً (من 24) والذي تناول في شكل رئيسي ملفيْ النزوح وما تردّد عن محاولات إدخال مناهج تعليمية تروّج للمثلية، وخلص إلى تأكيد «وجوب الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية»، و«دعوة القوى السياسية إلى التشبث باتفاق الطائف وبميثاق العيش المشترك، والتخلّي عن كلِّ ما قد يؤدي إلى المساس بالصيغة اللبنانية الفريدة»، بدا قبل انعقاده مشوباً بخاصرتين رخويين:
- أولاً لأنه اعتُبر وبصرف النظر عن «الغايات الأصلية» منه بمثابة غطاء مسيحي من «أعلى الهرم الكنَسي» نجح ميقاتي في انتزاعه لالتئام حكومته وإن لتصريف الأعمال «في شكل محدود ومضبوط» (وفق مفهوم بكركي)، في الوقت الذي عَكَس الغياب البديهي لوزراء التيار الحرّ تَحَسُّساً مما اعتُبر سعياً من رئيس الحكومة لتجاوُز القوى المسيحية السياسية واعتماد «طريق مختصر» عبر الكنيسة لتسجيل نقاط في مرمى هذه القوى.
- وثانياً لأن انعقاد هذا اللقاء غير المسبوق في مقر مرجعية دينية قوبل بانتقادات، ردّ عليها ميقاتي ونفى مرتكزاتها، لجهة اعتبار الاجتماع انقلاباً أو خروجاً على اتفاق الطائف ومندرجاته.
وفي موازاة مشهدية الديمان، كانت الحدود بين لبنان واسرائيل تستقطب الأضواءَ والعدسات على المقلبيْن حيث لاحت ملامح «مواجهة عن بُعد» تطايرتْ من تصريحات غالانت الذي حذّر «حزب الله» والحكومة اللبنانية من أن «إسرائيل ستكون مستعدة لمهاجمة الحزب وكل شبر من لبنان وإعادته إلى العصر الحجري إذا هاجموا إسرائيل»، في الوقت الذي كان ممثّلو الدول الأعضاء في مجلس الأمن يجولون على الخط الأزرق من رأس الناقورة حتى الغجر ويعاينون عبر الجيش النقاط الـ 13 التي تتحفّظ عليها «بلاد الأرز» على امتداده، و«يشهدون» خرقاً بحرياً اسرائيلياً (في الناقورة).
واكتسب هذا «التقابُل» أهميته لأنه يأتي على وقع مسألتيْن:
* الأولى التحضيرات في مجلس الأمن للتجديد لقوة «اليونيفيل» العاملة في الجنوب (في 31 أغسطس الجاري)، في محطةٍ تشهد كباشاً ديبلوماسياً في ضوء تجدُّد محاولات اسرائيل «اللعب» بقواعد الاشتباك بما يخدم أهدافها الأمنية والعسكرية، في مقابل سعي بيروت للعودة عن التعديل الذي كان أُدخل على هذه القواعد العام الماضي ونصّ على منْح القبعات الزرق حرية التنقل في «منطقة القرار 1701» بصورة مستقلة عن الدوريات المشتركة مع الجيش اللبناني، من دون أن يُعرف إذا كانت بيروت ستَمْضي في هذا المسعى أم ستأخذ بنصائح مَن يخشون أن يكون فتْحُ باب تعديل قرار التمديد كما جاء في 2022 مدخلاً قد تَنْفذ منه تل أبيب لتحقيق مكاسب إضافية، ولا سيما أن «اليونيفيل» أبقتْ طوال العام الماضي على التنسيق الكامل مع قيادة الجيش اللبناني في كافة مهماتها و«كأن حرية حركتها لم تكن على الأرض».
- والثانية التوتّر الحدودي على خلفية نصْب «حزب الله» خيمة داخل مزارع شبعا المحتلة، وقيام اسرائيل بضمّ الجزء الشمالي اللبناني من بلدة الغجر (تقع في موقع إستراتيجي في مثلث بين جبل الشيخ ومزارع شبعا والحدود اللبنانية - الإسرائيلية)، وسط «تنويمِ» تل أبيب خياراتها في ما خص «أزمة الخيمة» بعد اعتبار غالانت قبل أيام«ان هذا حدث تكتيكي صغير وليس استراتيجياً، والخيمة لا تشكل خطرا أمنياً، ولن نسمح بانتهاك سيادتنا، لكننا سنفعل ذلك في الوقت الذي نختاره وبالطريقة التي نختارها (...)».
وأراد الجيش اللبناني من الجولة على «الخط الأزرق» التي تميّزت بحضور لافت لوسائل إعلام لبنانية وعربية وأجنبية، إطلاع ممثلي دول مجلس الأمن والمجتمع الدولي «على 13 منطقة حدودية مع فلسطين المحتلة مختلَفاً عليها مع إسرائيل قبل التجديد لليونيفيل في 31 أغسطس الجاري».
وقد أكد منسق الحكومة مع «اليونيفيل» العميد الركن منير شحادة ان«لبنان متحفظ على تلك الخروق وهذه النقاط مسجلة منذ اعتماد الخط الأزرق وبالتالي هو خط انسحاب وليس ترسيماً للحدود، فترسيم الحدود تم في العام 1923، وقامت به لجنة بوللي نيو كامب، ومن ثم تم تكريسه في اتفاقية الهدنةً في العام 1949»، مشدداً على ان «لبنان لا يعنيه ما يحكى عن ترسيم بري وهذه الكلمة ليست موجودة في قاموسنا كجيش لبناني وكحكومة لبنانية، فنحن نتحدث عن تثبيت الحدود وإظهار للحدود اللبنانية وليس ترسيماً لها».
وأشار الى أن «لبنان والجيش من اليوم وصاعداً لن يعتمد تعبير شمال الغجر بل جنوب الماري كونها بلدة جنوبية لبنانية حدودية وبالتالي اسرائيل احتلت جزءاً من جنوب الماري ونحن معترضون على هذا الأمر».
وقال «وجهنا رسالة الى الامم المتحدة عبر الخارجية اللبنانية وذلك لعدم استعمال كلمة ترسيم لحدودنا الجنوبية بين الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة».
ورداً على سؤال لـ «وكالة الأناضول للابناء» التركية، أفاد شحادة بأن «الجيش اللبناني لا يرافق غالبية دوريات قوات يونيفيل بسبب الوضع الاقتصادي للجيش، ولكنه على علم بها قبل خروجها من مراكز اليونيفيل».
وخلال جولة ممثلي البعثات الديبلوماسية للدول الأعضاء في مجلس الأمن ومعهم الملحقون العسكريون في سفارات فرنسا وبريطانيا وروسيا والولايات المتحدة والصين والتي بدأت من نقطة «نفق رأس الناقورة B1» خرقتْ اسرائيل المياه الإقليمية اللبنانية عبر زوارق عسكرية وهو ما وثّقه الحاضرون الذين عاينوا أيضاً عند محلة برج الناقورة برج اتصالات اسرائيلياً كبيراً من مهماته التشويش والتنصت على المقلب اللبناني.
ميقاتي انتزع غطاءً كنسياً لجلسات حكومته:
تمرير المرحلة الصعبة مع الحفاظ على الدستور
دعا اللقاء التشاوري الوزاري الذي عُقد برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وحضور البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في مقرّه الصيفي (الديمان) إلى «وجوب الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية يقود عملية الإنقاذ والتعافي، إذ لا مجال لانتظام أي عمل بغياب رأس الدولة»، مطالباً «القوى السياسية كافةً بالتشبث باتفاق الطائف وميثاق العيش المشترك، والتخلي عن كلِّ ما قد يؤدي إلى المساس بالصيغة اللبنانية الفريدة».
كما دعا اللقاء «جميع السلطات والمؤسسات التربوية والإعلامية الخاصة والرسمية وقوى المجتمع المدني الحية، والشعب اللبناني بانتماءاتِه كافةً، إلى التشبث بالهوية الوطنية وآدابها العامة وأخلاقياتها المتوارَثة جيلًا بعد جيل، وقِيَمها الايمانية لا سيما قيمة الأسرة وحمايتها، ومواجهة الأفكار التي تخالف نظام الخالق والمبادئ التي يجمع عليها اللبنانيون».
وإذ طالب بـ «التعاون الصادق بين كل المكونات اللبنانية لبلورة موقف موحّد من أزمة النزوح السوري في لبنان والتعاون مع الدولة السورية والمجتمع الدولي لحل هذه المسألة بما يحفظ وحدة لبنان وهويته»، تضمّن البيان الختامي إشارة ذات مغذى إلى أن الراعي "جدّد تثمير جهود رئيس الحكومة والوزراء كافة في تمرير هذه المرحلة الصعبة مع المحافظة على مندرجات الدستور».
وكان البيان استهلّ بإعلان «أن وطننا لبنان يمرّ اليوم في مرحلةٍ من أخطر مراحل تاريخه، مليئةٍ بالأزمات والتحديات السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية غير الخافية على أحد، والتي تضاف إليها أزمة أخرى كيانيةُ الطابع تتعلق بجوهر وجوده ودوره الحضاري على صعيد الإنسانية جمعاء».
وقال «إن اللبنانيين جميعاً مدعوون لحماية هذه الصيغة بترسيخ انتمائنا إلى هويتنا الوطنية الجامعة، والعملَ على تمتين الوحدة من خلال التنوع، والتخلي عن دعوات التنصّل من الآخَر، مهما كانت عناوينُها».
وأضاف «كما تطالعنا في هذه الأيام، على صعد رسمية وغير رسمية، مفرداتُ خطابٍ مموَّه بدعاية الحداثة والحرية وحقوق الإنسان، يناقض القيم الدينية والأخلاقية التي هي في صلب تكويننا النفسي والروحي والاجتماعي. ويشكل هذا الخطاب مخالفة صريحة لنص وروحية المادتين التاسعة والعاشرة من الدستور اللبناني».
وفي بداية اللقاء، رحّب الراعي برئيس الحكومة والوزراء، وقال إن «فكرة اللقاء صدرت بعفوية، وهي ليست جلسة لمجلس الوزراء بل لقاء عفوي للتشاور والتحاور في كل القضايا العامة، والديمان دائماً يجمع على كلمة سواء، وآسف ان البعض قام بتحميل اللقاء أكثر مما يحتمل».
أضاف «عندما زارني الموفد الرئاسي الفرنسي جان - إيف لودريان للمرة الاولى قلت له إن كل ما تسمعه لا يعّبر عن الحقيقة. نحن جمهورية ديموقراطية برلمانية وهناك مرشّحان للرئاسة، فليقم النواب بواجباتهم في الاقتراع، فإما يُنتخب رئيس او لا يُنتخب. وفي ضوء النتيجة يصار الى حوار واتفاق على مرشح ثالث. وللاسف البلد سائر الى الخراب والدولة تنازع وما نشهده من سجال في شأن حق الحكومة في العمل وحدود ذلك هو نتيجة».
ثم تحدث رئيس الحكومة فقال إن «فكرة الاجتماع كانت «بنت ساعتها» عندما اجتمعنا الاسبوع الفائت، واتفقنا على هذا اللقاء للنقاش في الأمور التي تجمع اللبنانيين وفي مقدمها احترام الصيغة اللبنانية والتنوع داخل الوحدة اللبنانية التي نعتبرها ثروة لبنان. وهناك إجماع عند جميع اللبنانيين للتمسك بالقيم اللبنانية الروحية الأخلاقية والأسرة».
أضاف «من هذا المنطلق رغبنا في عقد هذا اللقاء ونحن نستغرب بعض التفسيرات التي أعطيت له واعتبار البعض انه يشكل انقلابا على اتفاق الطائف، علماً أن روحية اتفاق الطائف تنص على التحاور والتلاقي بين اللبنانيين».
وأكد «نحن على استعداد لأن نكون جسر عبور بين جميع اللبنانيين وان نتحاور في كل المواضيع التي تجمع اللبنانيين. البلد من دون رئيس جمهورية وبحكومة تتولى تصريف الاعمال، ومجلس النواب لا ينعقد، والمناكفات السياسية بلغت اقصى حد. نحن مستعدون للتلاقي اينما كان لنكون جسر تحاور واخوة بين جميع اللبنانيين».
مقتل عنصر من «سرايا المقاومة» في إشكال فردي
ساد التوتر الشديد منطقة وادي الزينة (قضاء الشوف) في لبنان، بعد مقتل شخص قيل إنه من «سرايا المقاومة» التابعة لـ«حزب الله».
ونقلت تقارير إعلامية عن مصادر أمنية أنّ خلافاً فردياً بين عناصر من«سرايا المقاومة» تطوّر الى إطلاق نار أمام مجمع البحار السكني، ما أدى إلى مقتل بلال عباس كنعان (برصاصة في قلبه) وإصابة نجله حسين بطلق في قدمه، وأن مطلقي النار تمكّنوا من الفرار.