الموفد الفرنسي في معقل «حزب الله» في الضاحية و«الاقتراع المفتوح» يفرج عن الحلّ أو يفجّر المسعى؟

ما «مغزى» استمهال لودريان حتى سبتمبر لـ «اجتماع العمل» حول الرئاسة؟

27 يوليو 2023 10:00 م

- ارتفاع حظوظ تسلُّم منصوري مهمات حاكم «المركزي» سواء كـ «وكيل أصيل» أو بتسيير الأعمال
- رياض سلامة: المنظومة غسلت يديها مني منذ زمن وتريدني «كبش محرقة»

حَزَمَ الموفدُ الفرنسي جان - إيف لودريان حقائبَه بعد 3 أيام من لقاءاتٍ مكوكية في بيروت حَمَلَ فيها ما وُصف بأنه فكرة مدعومة من شركاء باريس في «مجموعة الخمس» حول لبنان تقوم على عقْد «ورشة عمل» في سبتمبر المقبل تتناول الأزمة الرئاسية، مواصفاتٍ وبرنامجاً، على أن يكون حصولها مرهوناً بفتْح البرلمان لجلسات انتخاب متتالية حتى تَصاعُد «الدخان الأبيض».

وقد انطبع اليوم الأخير من زيارة لودريان بمحطّتين ذات دلالات:

- الأولى في جغرافيّتها إذ حملت الموفد الفرنسي إلى الضاحية الجنوبية لبيروت حيث التقى رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد خلافاً لاجتماع يونيو الماضي بين الرجلين (خلال الجولة الأولى من مهمة لودريان) والذي كان في قصر الصنوبر (المقر الرسمي لسفير فرنسا في بيروت).

- والثانية في زمانها وتمثّلت في الزيارة الثانية خلال أقل من 48 ساعة التي قام بها لودريان لرئيس البرلمان نبيه بري الذي كرر أن كوةً فُتحت في الملف الرئاسي والذي كان موفد الرئيس ايمانويل ماكرون استهلّ (الثلاثاء) مهمّته «المعدّلة» في بيروت بلقائه ليختتمها أيضاً من عين التينة.

وإذا كان الاجتماع مع رئيس البرلمان أمس، وُضع في إطار الرغبة في الحصول على صورة واضحة حيال مسألة «الجلسات المتتالية» التي قد تكون «جاذبةَ» قوى المعارضة إلى «ورشة التشاور» التي لم يكن اتضح قبيل مغادرة لودريان شكلها، وهل تكون بجلوس المتخاصمين (وبأي «رتب» سياسية، رؤساء كتل وأحزاب أم ممثلون عنهم) حول طاولة مستديرة يراعاها وهو المرجَّح، أم بمشاورات ثنائية أو ثلاثية يجريها الديبلوماسي المخضرم على ضفتي «الممانعة» والمعارضة، فإن علامات استفهام توهّجت حيال مغزى تحديد سبتمبر موعداً لما اعتُبر «آخِر المحاولات» العربية – الدولية التي تتولاها كل من واشنطن والرياض وباريس والقاهرة والدوحة لتأمين مظلة لـ «هبوطٍ ناعم» يقي لبنان... الارتطام المميت.

وراوحت القراءات لموعد سبتمبر بين حدّيْن:

* الأول اعتبر أنه يعطي فسحةً لأفرقاء الداخل لترتيب أوراقهم على أساس أن «وقت اللعب انتهى» وأن ساعة الحقيقة اقتربت، فإما يوقفون المغامرة بمستقبل لبنان وشعبه وينتخبون رئيساً عبر الآليات الدستورية وبعد أن ترعى فرنسا، ومن خلْفها دول «مجموعة الخمس» الأخرى، «منصة تشاور» شرط أن تكون قابلة للصرف رئاسياً، وإما تلجأ هذه الدول إلى ما لوّحت به في اجتماعها الأخير في الدوحة من إجراءات (عقوبات) بحق المُمْعِنين في تعطيل الاستحقاق الرئاسي ومَن يأخذونه رهينة منذ نحو 10 أشهر.

* والثاني عَكَسَ تَخَوُّفاً من ارتداداتٍ محتملة أو استثمار ممكن لهذه المهلة، وسط اعتبار أوساط مراقبة أن تحديد سبتمبر (والأرجح منتصفه) كموعد مفترض للمشاورات الرئاسية - التي اعتُبرت «صيغة مخفّفة» من حوارٍ سعى لودريان لتسويقه الشهر الماضي ولكنه اصطدم برفض داخلي (المعارضة) وخارجي خشيةَ تحوُّله جسر عبور لمزيد من تقويض اتفاق الطائف – قد ينعكس سلباً على «التوازن الدقيق» وإن السلبي الذي تم إرساؤه في الملف الرئاسي وتُرجم في جلسة 14 يونيو بتفوُّقٍ بالنقاط لمرشحِ تَقاطُع غالبية المعارضة مع التيار الوطني الحر أي جهاد أزعور على مرشح «حزب الله» وحلفائه سليمان فرنجية قبل أن يعمد نواب الممانعة إلى تطيير نصاب الدورة الثانية.

وفي رأي هذه الأوساط أن استمهال التشاور حتى سبتمبر من شأنه أن يشكّل «مساحة زمنية ذهبية» لقوى الممانعة تتبلور خلالها نتائج الحوار المستعاد بين «التيار الحر» وحليفه «حزب الله» والذي يتمحور حول محاولة تبديد هواجس النائب جبران باسيل من خيار فرنجية ولو عبر ضماناتٍ متعددة الوجه يكون الحزب «بوليصة التأمين» للالتزام بها، وهو ما سيعني بحال نجاحه حصول التشاور بموازين مختلفة تماماً تنطلق من حصول فرنجية على غالبية النصف زائد واحد أو يقترب منها، الأمر الذي سيضع المعارضة تحت الضغط في ضوء عدم قدرتها على لعب ورقة تعطيل النصاب، خصوصاً ما لم تكن أمّنتْ تقاطعاً بديلاً قابلاً لـ «كسْر» حظوظ زعيم «تيار المردة».

ومن هنا كانت الأنظار أمس على ما إذا كان «عرْضُ» لودريان سارٍ لِما بعد مغادرته، ما لم يكن حصل على «جواب نهائي» من الأطراف، كما على موقف قوى المعارضة التي كانت ترفض الحوار وفق صيغه التي جرت محاولات لاعتمادها في الفترة الماضية من «الممانعة» كما من باريس، علماً أن ممثلين لهؤلاء عقدوا اجتماعاً بعد الظهر، وسط انطباعٍ بأن أي فريق لن يعمد إلى الظهور بمظهر معرقلِ مسارٍ محكوم في نهايته بانتخاب رئيسٍ وانطوى في الشكل على:

- مراعاة للمعترضين على حوارٍ سقط اسمه وحتى طابعه المفتوح واعتُبر «تصفيراً» للملف الرئاسي وترشيحاته بمعنى أنه لا ينطلق من تسميات بل من مواصفاتٍ تتلازم مع البرنامج الرئاسي الذي يراعي طبيعة المرحلة لبنانياً ومدعوماً بسقفٍ عالٍ كرسّه اللقاء الخماسي في الدوحة وشنّ «حزب الله» حملةً عليه في الأيام الماضية.

- في المقابل أقرّ المسار المفترض بالحاجة إلى «كلام مسبق» بين الأفرقاء اللبنانيين حول الأزمة الرئاسية، ولو مرهوناً بحتمية الانتخاب بعد ذلك، في ما بدا محاولة لاسترضاء فريق «الممانعة» الذي لا بد أنه يتوجّس من أي التزامٍ مسبق بجلسات انتخاب متتالية.

وفيما كانت الخارجية الفرنسية تعلن عصراً أن لودريان وجّه خلال زيارته دعوة إلى «الفاعلين المشاركين في عملية انتخاب رئيس الجمهورية لاجتماع في سبتمبر»، برز موقف للسفير السعودي في بيروت وليد بخاري خلال عشاء تكريمي أقامه لمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان في دارته في اليرزة في حضور غالبية النواب المسلمين السنّة وأكد فيه أن «موقف المملكة ثابت في دعمها للبنان الدولة والمؤسسات ومساعدة اللبنانيين وحرصها عليهم، وهي تقوم بجهود دائمة ومتواصلة وكبيرة في اللجنة الخماسية وتقدّم كل الأفكار والطروحات التي تساهم في إنقاذ لبنان».

وشدد بخاري على أنه «ليس لدى المملكة أي مبادرة لدعم هذا أو ذاك من الأسماء المطروحة لتولي رئاسة الجمهورية، ولا تتدخل في أسماء المرشحين وهي على مسافة واحدة من الجميع، وهذا خيار للسادة النواب وهي تطرح معايير ومواصفات فقط»، مشيراً إلى «ان السعودية تتمسك بوثيقة الوفاق الوطني، وبتنفيذ اتفاق الطائف الذي حمى اللبنانيين ويحميهم، وتؤيد أي لقاء فيه خير للبنانيين وتتمنى ان يجري انتخاب الرئيس اليوم قبل الغد».

وكان لافتاً ما أعلنه النائب بلال الحشيمي الذي كان حاضراً الغداء التكريمي، إذ نقل عن بخاري إصرار السعودية على المواصفات الأساسية التي تم الاتفاق عليها لرئيس الجمهورية مع الفرنسيين والأميركيين، لجهة النزاهة وتوحيد اللبنانيين وتنفيذ الاصلاحات، لافتاً إلى ان «الرياض تعتبر أن لبنان ما عاد يُمكنه أن يتأخر في إنجاز الاستحقاق الرئاسي».

واستشف الحشيمي (عبر موقع «النهار») من بخاري «إيجابية» اللقاء الخماسي الذي «وضع النقاط على الحروف»، لكنه أشار إلى أن «السعودية لا تملك رؤية سياسية للخروج من أزمة الشغور الرئاسي، بل تدعو اللبنانيين إلى حل أزماتهم، فيما تدعم الرياض الحوار برئاسة رئيس الجمهورية بعد إنجاز الاستحقاق لبحث المشكلات».

وحول زيارة لودريان وما يحمله الأخير في جعبته، كشف الحشيمي أن «الموفد الفرنسي قال إن المبادرة الفرنسية الأصلية التي دعمت ترشيح فرنجية وطرحت مبدأ المقايضة باتت قديمة ولا نتائج فعلية لها، وهو طرح مبدأ التشاور بين الأطراف كسبيل لانتخاب رئيسٍ للجمهورية».

حاكمية «المركزي»

ولم يحجب الملف الرئاسي في ضوء زيارة لودريان الأنظار عن استحقاق الشغور الذي يبدأ في 1 أغسطس في حاكمية مصرف لبنان مع انتهاء ولاية «حاكم الـ 30 عاماً» رياض سلامة، من دون أن تتضح كامل الصورة حيال كيفية إدارة المرحلة الانتقالية في هذا الموقع الحساس حتى انتخاب رئيس للجمهورية وتعيين خلَف أصيل لسلامة.

ولم يتفاجأ الوسط السياسي بتطيير جلسة مجلس الوزراء التي دعا إليها الرئيس نجيب ميقاتي أمس وكانت ستشهد محاولة لتعيين حاكم جديد للمركزي، بعدما لم يحضر إلا 7 وزراء (نصاب الجلسة 16 وزيراً) وقاطع الوزراء الآخرون وهم من أطياف سياسية مختلفة تتشكل منها الحكومة وفي مقدّمهم «حزب الله»، الذي راعى موقفاً حاسماً وعلنياً لقيادته كان أعلن قبل أسابيع رفْض مثل هذا التعيين من حكومة تصريف أعمالٍ داعياً النائب الأول للحاكم (وسيم منصوري الشيعي) ليتحمّل مسؤولياته وفق القانون (تنتقل إليه بالوكالة صلاحيات الحاكم)، وفي الوقت نفسه عزّز (بمقاطعته) «جسور الثقة» التي يُعاوِد بناءها مع «التيار الحر» علّها تثمر رئاسياً.

وبعد السقوط النهائي لـ «مناورة» محاولة تعيين حاكم، ارتفعت أمس حظوظ أن تؤول الحاكمية إلى منصوري، سواء بعدم استقالته أو بعدم اعتكافه عن تسيير المرفق العام وفق ما سيتم تكليفه به حال استقالته التي ستُرفض حُكْماً، في حين أشارت تقارير إلى أن تلويح وزارة العدل بإطلاق مسار تعيين مدير موقت للمركزي تلافياً لأي فراغ هو «ورقة احتياط» تحسباً لإمكان امتناع النائب الأول للحاكم عن أي مسؤولية سواء كـ «وكيلٍ أصيل» أو من باب تصريف الأعمال.

وكان بارزاً أن ميقاتي الذي التقى نواب الحاكم الأربعة بعد ظهر أمس، أكد في تصريح تلفزيوني أن «لدينا الإمكانيات اللازمة لاستيعاب ما قد يحدث (نقدياً) بعد يوم الاثنين عند انتهاء ولاية حاكم المركزي»، موضحاً أن «الحكومة سترفض استقالة النائب الأول لحاكم المركزي إذا قدمها وعليه أن يقوم بواجبه»، ولافتاً إلى أنه «ليس مرحباً بتعيين حاكم لمصرف لبنان بغياب رئيس للجمهورية».

وفيما سادت أمس معلومات عن محاولة ستجري لعقد جلسة تشريعية يتخلّلها توفير الحد الأدنى من التغطية القانونية لنواب الحاكم للمضي بإقراض الحكومة (ولو لثلاثة أشهر) من الاحتياطي الإلزامي لمصرف لبنان والتدخل في السوق عبر منصة «صيرفة»، كان ميقاتي أصدر بياناً بعد الإطاحة بجلسة الحكومة أعلن فيه «أن الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان ودقة الوضعين المالي والنقدي تتطلب من السادة الوزراء ومختلف القيادات السياسية المعنية اداء استثنائياً لتلافي المزيد من التوترات، والأهم الترفع عن المزايدات والتباهي بالتعطيل الذي لا يخدم أحداً من اللبنانيين الى أي فئة انتموا، ويزيد من الشلل والتعطيل في المؤسسات».

وإذ أعلن أن «الدعوة لانعقاد مجلس الوزراء كانت لمناقشة الأوضاع المالية والنقدية وكان مقرَّراً أن نتشاور في الاقتراحات الممكنة لتفادي الشغور في منصب(الحاكمية)»، شدد على«أن الحكومة غير مسؤولة عن الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية، ولا عن التداعيات المترتبة عن ذلك، والمطلوب أن يبادر السادة النواب الى تحمل مسؤوليتهم في انتخاب رئيس في أسرع وقت».

وأضاف:«كانت أمامنا اليوم فرصة لمعالجة موقتة لملف مرتبط بالوضعين المالي والنقدي، وآسف أن الحسابات السياسية للأطراف المعنية داخل الحكومة لها الأولوية على ما عداها، فليتحمل كل طرف المسؤولية عن قراره. سأستمر في القيام بواجبي الدستوري والوطني والعمل الجاد لسير عمل المؤسسات العامة خصوصاً مصرف لبنان، من دون كلل. حمى الله لبنان».

وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أطل في مقابلة تلفزيونية وَداعية (عبر شاشة ال بي سي آي) جازماً أنه في 31 يوليو تنتهي ولايته و«هذا الأمر محسوم».

وقال: «أعلنت منذ سنة أن هذه آخر ولاية لي في مصرف لبنان، وبعد أيام سأطوي صفحة من حياتي»، متمنياً«عدم حصول اضطرابات في السوق بعد مغادرتي، كما آمل أن تستمر الآليات التي ساهمت في استقرار السوق، ولكن لا علاقة لي بعد الآن في اتخاذ القرارات»، ومعتبراً«أن المنظومة غسلت يديها مني منذ زمن وليس خافياً أنني كبش محرقة».

وأضاف: «جرى كبّ شعارات لتضييع الناس وإظهار أنني أزعر سارق أموال المودعين، لكن الحقيقة مغايرة كلياً، إذ لا يستطيع أي مصرف مركزي الصمود أمام الأزمة التي واجهناها».

الخارجية الفرنسية: تحرك لودريان يحظى بدعم «مجموعة الخمس» حول لبنان

أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، أنّ«نهج التوافق والمساعي الحميدة الذي أطلقته فرنسا يحظى بالدعم الكامل من شركاء وأصدقاء لبنان المجتمعين في الدوحة في 17 يوليو».

وكشفت أنّ «المبعوث الرئاسي الخاص الى لبنان جان - إيف لودريان شدّد خلال زيارته الثانية الى بيروت، لجميع محاوريه على ضرورة الخروج من المأزق السياسي والمؤسسي الحالي الذي يفرضه تمديد فترة الشغور الرئاسي الذي يشكل مخاطر كبيرة على لبنان ودولته واستقراره».

وأشارت إلى أنّ «لودريان اقترح، في هذا السياق، على جميع الفاعلين المشاركين في عملية انتخاب رئيس الجمهورية دعوتهم، في سبتمبر، إلى اجتماع في لبنان يهدف إلى التوصل إلى توافق حول القضايا والمشاريع ذات الأولوية التي سيتعين على رئيس الجمهورية المقبل القيام بها، وبالتالي، الصفات اللازمة لمواجهتها».

وأوضحت أنّ «الهدف من هذا الاجتماع هو إيجاد مناخ من الثقة والسماح للبرلمان بالالتقاء بخطى حثيثة مع الظروف المؤاتية لإجراء اقتراع مفتوح للخروج بسرعة من هذه الأزمة».