عَكَسَ تَقاسُمُ استحقاقِ نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (في 31 يوليو الجاري) المشهدَ الداخلي مع اجتماعِ «مجموعة الخمس» العربية - الدولية حول لبنان الذي انعقد أمس في الدوحة، اقتناعاً محلياً بأنّ قطارَ الحلّ للأزمة الرئاسية ما زال بعيداً عن بلوغ محطة الوصول، ما يجعل التصدّي للتشظياتِ المتدحرجة للفراغ المتمادي منذ نحو 10 أشهر يتصدّر الأولوياتِ سواء نتيجة ارتباطها المباشر بالفتائل التي تزنّر «برميل البارود» المالي - النقدي - المعيشي أو بفعل تَحَوّلها من «عُدّة الصراع» الرئاسي «المتعدد الرأس».
وبعد «الويك اند» الذي باغت معه «الدولار الأسود» الواقع اللبناني بـ «وَثْبات» جنونية خرقتْ ثباتاً لليرة استمرّ أسابيع طويلة عند حدود نحو 91 ألفاً لكل دولار، استعادت السوق الموازية انضباطها أمس تحت «قواعد الاشتباك» نفسها وبـ «إشارةٍ» أعطاها سلامة في بيانٍ (عصر الأحد) أكد استمرار العمل بمنصة «صيرفة» و«تلبية كل الطلبات التي ترد عن المصارف ما دامت ضمن الأصول المرعية»، وهو ما زاد ارتياب مَن يخشون أن تكون الأيام الـ 13 الفاصلة عن انتهاء ولاية حاكم «المركزي» مفتوحة على مناوراتٍ أو «كمائن»:
- إما لتحويل بقاء سلامة أمراً واقعاً ولو بتمديد إداري تحت عنوان «تأخير الانهيار المميت».
- وإما لمحاولة «ترويض» إصرار نواب الحاكم الأربعة على فرْض إطارٍ جديد لعمل «صيرفة» يضع ضوابط لها تحول دون المزيد من استنزافها الدولارات وتحوُّلها «دجاجة تبيض ذهباً» على شكل عمولات هائلة للمصارف، وذلك على قاعدة استبدالها «بمنصة دولية شفافة ومعروفة المرجع عبر وكالة بلومبرغ المالية» كما أشارت تقارير في بيروت.
وقد عقد نواب الحاكم أمس، اجتماعاً لهم، أكد المؤكد لجهة أنهم ليسوا - أقله في هذه المرحلة - بوادر إعلان الاستقالة التي كانوا لوّحوا بها في بيانهم الأخير ما لم يُصَر إلى تعيين خَلَف أصيل لسلامة، وسط منْحهم «فترة سماح» لأيامٍ لاستطلاعٍ مباشر لمواقف المعنيين من دفتر شروطٍ وضعوه، ولا سيما النائب الأول وسيم منصوري (الشيعي) الذي سيتولى مهام الحاكم بالوكالة، وأبرز بنوده تأمين غطاء قانوني لأي تصرف بأموال «المركزي» وهي ما بقي من أموال المودعين، وإقرار قوانين عالقة في البرلمان مثل الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة المصارف، وإلا سيكون «آخِر الدواء الكيّ» أي الاستقالة التي ستقابلها الحكومة بتكليفهم بتسيير المرفق العام بانتظارِ عودة انتظام المؤسسات وملء الشواغر التي تتمدّد في طول المؤسسات وعرْضها وذلك بعد انتخاب رئيس للبلاد وتشكيل حكومة جديدة.
وفي موازاة الهاجس المالي - النقدي المستعاد في عزّ موسم صيف لاهب بحرارة الطقس وتَدَفُّق الزوار والذي انطبع أمس، بتكرار عمليات اقتحام مصارف من مودعين يستردّون ودائعهم بالقوة (كما حصل في أحد فروع بنك الموارد حيث استرجع لبناني وديعة بـ 15ألف دولار)، بدا من الصعب استخلاص نتائج شاملة لِما خلص إليه اجتماع «مجموعة الخمس» حول لبنان في الدوحة الذي حضره ممثلو كل من الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، مصر وقطر.
وكان هذا الاجتماع هو الثاني للمجموعة منذ انطلاقها (في فبراير الماضي)، والأوّل منذ تكليف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزير الخارجية السابق جان - إيف لودريان الملف اللبناني (قبل شهر ونيف)، وهو أعقب جولةً قام بها الأخير على مختلف القوى اللبنانية بعد أيام قليلة من جلسة الانتخاب الرئاسية في 14 يونيو الماضي وما خلصتْ إليه من تكريس «التعادل السلبي» بين داعمي ترشيح سليمان فرنجية (فريق الممانعة بقيادة «حزب الله») ومؤيّدي جهاد أزعور (تَقاطُع غالبية المعارضة والتيار الوطني الحر) الذي تَفَوَّق على الأول بـ 8 أصوات لم تكن كافية لانتخابٍ لم يكن مرة في لبنان نصابُه عددياً بل سياسي محلي - إقليمي - دولي.
كما أتى اجتماع الدوحة بعد 5 أيام من زيارة لودريان الرياض، ولقائه المستشار في الأمانة العامة لمجلس الوزراء السعودي نزار العلولا، المكلف الملف اللبناني والذي يمثّل بلاده في «مجموعة الخمس».
ورغم مسارعة وسائل إعلام لبنانية إلى رسْم سيناريوهاتٍ لِما جرى في الاجتماع - وبالكاد كان انتهى - تمحورتْ حول أنه كان إيجابياً وأن الأمور اتخذت في ضوئه منحى جدياً في البحث عن حلول، فإن أوساطاً سياسية حاذرتْ الانزلاق إلى قراءات بين سطور اللقاء الذي كان مستوى التمثيل الأميركي فيه مخفّضاً حيث غابت مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف (تردد أنها بدأت إجازتها)، وحلَّ مكانَها مساعدها ايثون غولدريتش، في حين ذكرت تقارير أن الرياض تمثّلت فيه بالسفير في بيروت وليد بخاري من دون أن يحضر العلولا.
وفي انتظار تَبَلْوَرَ ما جرى في لقاء الدوحة حيث استقبل رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني لودريان، فإن الأوساطَ نفسها ترى أن ثمة أمرين مؤكدين:
- أن الموفد الفرنسي لم يَعُد، ولا بلاده، تتحرّك في الملف الرئاسي منفردة وبمبادرات «بالمفرّق» كتلك التي قامتْ على مقايضةٍ «لم تمرّ» لبنانياً ولا خارجياً بين فرنجية ورئيس حكومةٍ قريب مما كان يُعرف بـ 14 مارس (نواف سلام).
- أن أي عودة للودريان إلى بيروت لا بد أن تكون على قاعدة «مشتركة» ما، بين أعضاء مجموعة الخمس، يصعب اعتقاد أنه حوارٌ رَفَعَ أطراف وازنة في الداخل لا حاسمةً له لاعتبارات عدة بينها الخشية من تحوّله فخاً يُنصب لاتفاق الطائف وتوازناته، في حين أن لعب ورقة الاسم الثالث تتطلّب توسيع التشاور الإقليمي ومجموعة الخمس لتصبح زائد واحد هو إيران، فهل دقّتْ هذه الساعة؟ وهل ستعود طهران عن جواب الأمر في لبنان لـ«حزب الله»؟
لبنان بين محمد بن عبدالرحمن ولودريان
المجموعة الخماسية: للتعجيل بانتخاب رئيس!
اجتمع ممثلون عن مصر وفرنسا وقطر والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، أمس، لمناقشة الحاجة الملحة للقيادة اللبنانية للتعجيل في إجراء الانتخابات الرئاسية وتنفيذ إصلاحات اقتصادية ضرورية من أجل الوفاء بمسؤولياتها تجاه مواطنيها.
وأشارت المجموعة الخماسية، في بيان، الى أنّ «إنقاذ الاقتصاد وتأمين مستقبل أكثر ازدهاراً للشعب اللبناني يعتمد على ما ستقوم به القيادة اللبنانية».
وإذ أكدت الالتزام بسيادة لبنان واستقلاله، اشارت الى أننا «نتابع بقلق أنه وبعد تسعة أشهر تقريباً من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون لم ينتخب القادة السياسيون للبنان خلفاً له».
وشدد المجتمعون على أن «من الأهمية بمكان أن يلتزم أعضاء البرلمان اللبناني بمسؤوليتهم الدستورية وأن يشرعوا في انتخاب رئيس للبلاد»، لافتين الى أننا «ناقشنا خيارات محددة في ما يتعلق باتخاذ إجراءات ضد أولئك الذين يعرقلون إحراز تقدم في هذا المجال».
وأوضح البيان أنه «بغية تلبية تطلعات الشعب اللبناني وتلبية احتياجاته الملحة، فلا بد أن ينتخب لبنان رئيساً للبلاد يجسد النزاهة ويوحد الأمة ويضع مصالح البلاد في المقام الأول، ويعطي الأولوية لرفاه مواطنيه ويشكل ائتلافاً واسعاً وشاملاً لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الأساسية، لا سيما تلك التي يوصي بها صندوق النقد الدولي».
وفي الإطار، أكدت المجموعة الخماسية أنّها على استعداد للعمل مع لبنان لدعم تنفيذ هذه الإجراءات الإصلاحية التي لا مفر منها لتحقيق ازدهار البلاد واستقرارها وأمنها في المستقبل.
من جهة ثانية، شددت على «الحاجة الماسة إلى الإصلاح القضائي وتطبيق سيادة القانون، لا سيما في ما يتعلق بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت عام 2020»، كما حثت بـ «قوة القادة والأطراف اللبنانية على اتخاذ إجراءات فورية للتغلب على المأزق السياسي الحالي».
وأكّد المجتمعون «أهمية تنفيذ الحكومة اللبنانية لقرارات مجلس الأمن والاتفاقيات والقرارات الدولية الأخرى ذات الصلة، بما في ذلك تلك الصادرة عن الجامعة العربية، إضافة إلى الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني التي تضمن الحفاظ على الوحدة الوطنية والعدالة المدنية في لبنان».
وختم البيان: «تواصل كل من مصر وفرنسا ودولة قطر والسعودية والولايات المتحدة دعمها الثابت للبنان وتتطلع إلى استمرار التنسيق بما يصب في مصلحة الشعب اللبناني».
وكانت أعمال اللجنة الخُماسية لأجل لبنان انتهت في الدوحة ظُهر أمس، بمشاركة مُمثلي السعودية ومصر والولايات المُتحدة وقطر والموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف - لودريان الذي سبق أن زار لبنان ثم السعودية.
وبحسب ما علمت الـ LBCI فإن الاجتماع كان ايجابياً، وقد بدأت الامور تأخذ منحى جدياً في البحث عن حلول.
واتفق الحاضرون على متابعة ودعم جولات لودريان بين لبنان ودول المنطقة.
وقال مصدر ديبلوماسي فرنسي ربطاً باجتماع الخماسية، إن«فرنسا لن تترك لبنان وستواصل جهودها مع شركائها الدوليين المشاركين في الاجتماع وغيرهم للتوصل الى حل للازمة الرئاسية والمطلوب تعاون القوى اللبنانية».
إلى ذلك، استقبل رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني أمس، لودريان.
وجرى استعراض علاقات التعاون، بالإضافة إلى آخر المستجدات في المنطقة، لا سيما في لبنان.