«مخاوف» من موافقة دمشق «المشروطة» على إيصال مساعدات عبر معبر حدودي

16 يوليو 2023 10:00 م

يثير إعلان الحكومة السورية موافقتها على استخدام الأمم المتحدة، لمعبر حدودي من أجل إيصال مساعدات حيوية الى شمال غربي البلاد، خشية منظمات إنسانية وحقوقية بعد فشل مجلس الأمن في تمديد العمل بآلية مطبقة منذ سنوات.

ما الأسباب التي تقف خلف موقف دمشق بعدما عارضت لسنوات إدخال المساعدات بلا موافقتها؟ ولماذا تثير هذه الخطوة المخاوف إزاء مصير أربعة ملايين شخص يقيمون خارج نطاق سيطرة دمشق ويعتمدون بشكل رئيسي على المساعدات الأممية؟

- ماذا اقترحت دمشق؟

تدخل مساعدات الأمم المتحدة إلى شمال غربي سورية بشكل رئيسي عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا بموجب قرار صادر من مجلس الأمن (2672) يتيح إيصال الدعم الإنساني من دون موافقة دمشق.

كما تدخل بنسبة أقل من مناطق سيطرة الحكومة السورية التي نادراً ما تمنح الأذونات.

بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسورية فجر السادس من فبراير الماضي، وافقت دمشق على فتح معبرين حدودين آخرين مع تركيا لفترة موقتة تنتهي في أغسطس.

لكن مجلس الأمن فشل الثلاثاء، في الاتّفاق على تمديد الآلية الرئيسية بإدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى، بعدما استخدمت موسكو أبرز داعمي دمشق، حق النقض (الفيتو) لمنع تمديد العمل بالتفويض لتسعة أشهر.

خلال الجلسة ذاتها، قدّمت روسيا مقترحاً بديلاً لتمديدها ستة أشهر، رفضه المجلس، مع إصرار الأمم المتحدة وعاملين في المجال الإنساني وغالبية أعضاء المجلس على ضرورة تمديد الآلية سنة واحدة على الأقلّ للسماح بتنظيم أفضل للمساعدات وضمان إيصالها إلى مستحقّيها.

والخميس، أبلغت دمشق التي طالما اعتبرت إدخال المساعدات من دون موافقتها خرقاً لسيادتها، الأمم المتحدة أنها ستسمح بعبور المساعدات الأممية عبر باب الهوى لمدة ستة أشهر.

وتبيّن، وفق وثيقة وجّهها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانيّة التابع للأمم المتحدة (أوتشا) إلى مجلس الأمن، أن دمشق وضعت شرطين، يتمثّل الأول في «تشديد الحكومة على وجوب ألّا تتواصل الأمم المتحدة مع كيانات مصنّفة إرهابيّة».

كما تشترط أن تشرف اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر والهلال الأحمر العربي السوري على توزيع المساعدات.

وتسيطر «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) المصنفة «إرهابية»، على نحو نصف مساحة إدلب ومحيطها.

ويقطن نحو ثلاثة ملايين شخص، غالبيتهم من النازحين، مناطق سيطرة الهيئة، بينما يقيم 1.1 مليون في مناطق الفصائل الموالية لأنقرة المحاذية.

ويحتاج غالبية سكان تلك المناطق المكتظة بخيمات النازحين مساعدات ملحة بعد سنوات من النزاع والانهيار الاقتصادي وتفشّي الأمراض وفقر متزايد فاقمه الزلزال.

- أي هواجس يثير الاقتراح؟

وصفت الأمم المتحدة الشرطين بـ«غير المقبولين».

وأعلن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، أن على الأمم المتحدة وشركائها أن «يستمرّوا في التواصل مع الجهات الحكوميّة وغير الحكوميّة المعنيّة، وهو أمر ضروري من الناحية التشغيليّة لإجراء عمليّات إنسانيّة آمنة وبلا عوائق».

واعتبر أن الطلب الثاني «لا يتوافق مع استقلاليّة الأمم المتحدة، كما أنه ليس عملياً، لأنّ اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري ليسا موجودَين في شمال غربي سورية».

وتنبّه منظمات عدة الى مخاطر مترتبة على السماح لدمشق بوضع يدها على إدخال المساعدات، خشية تسييسها وحرمان المحتاجين منها.

وشددت لجنة الإنقاذ الدولية، وهي من كبرى المنظمات العاملة في إدلب والمناصرة لتمديد العمل بآلية المساعدات عبر الحدود، على مسؤولية مجلس الأمن في «حماية السوريين أينما كانوا، وضمان عدم تعريض الأرواح للخطر».

ونبّهت منظمة «ميد غلوبال» التي تدير عيادات ومستشفيات وبرامج تلقيح في إدلب إلى أن «نقل السيطرة على باب الهوى، الذي يتدفق عبره الغذاء والدواء وحليب الأطفال... من طرف محايد (الأمم المتحدة)، إلى نظام ذبح شعبه وشرّد نصف عدد السكان، سيؤدي إلى مزيد من الموت والمعاناة بين المدنيين الأبرياء وسيطلق أزمة لاجئين» جديدة.

وقرابة نصف المقيمين خارج سيطرة دمشق في إدلب ومحيطها هم نازحون بفعل المعارك منذ اندلاع النزاع المدمر الذي أودى منذ 2011 بأكثر من نصف المليون شخص.

ولطالما كرر الرئيس السوري بشار الأسد عزمه على استعادة المناطق الخارجة عن سيطرته عبر التفاوض أو القوة العسكرية.

ويرى الباحث في معهد «نيولاينز» نيك هيراس، أن دمشق «تظهر ثقة متزايدة في قدرتها على الاحتواء، ومع مرور الوقت، تقليص المناطق» الخارجة عن سيطرتها.

ويقول لـ «فرانس برس»، إن دمشق التي استعادت أخيراً مقعدها في جامعة الدول العربية على وقع انفتاح عربي نحوها خصوصاً خليجي، تريد أن «تبسط سلطتها على المعابر الحدودية». ولا يستبعد أن تعمل وحلفاؤها على فرض ذلك «بالقوة» في المستقبل القريب.

وفي بيان السبت، رأى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، أبرز تشكيلات المعارضة في المنفى، أن «نظام الأسد المسؤول بشكل رئيسي ومباشر عن تهجير ملايين السوريين، لا يمكن أن يقدم لهم أي خدمات إنسانية».

- هل من خيارات بديلة؟

يراهن أعضاء في مجلس الأمن ومنظمات على العودة إلى طاولة التفاوض.

وقالت السفيرة السويسرية باسكال بيريسويل، والمكلفة بلادها مع البرازيل بهذا الملف في مجلس الأمن، إنّ الديبلوماسيين «سيعاودون العمل على الفور لإيجاد حلّ».

وتقول الباحثة في الشأن السوري لدى منظمة «هيومان رايتس ووتش» هبة زيادين «على أعضاء مجلس الأمن العودة إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى توافق يضع حقوق السوريين في المقام الأول».

ويعرّض السماح للسلطات السورية «بإملاء تدفق المساعدات إلى المناطق الخارجة عن سيطرتها، حياة وحقوق وكرامة ملايين السوريين لخطر جسيم»، وفق زيادين.

في إدلب، يقول الناشط عبدالوهاب عليوي (46 عاماً) «نرفض الأمر ولو قطعوا عنا المساعدات».

ويضيف «تسليم الأسد هذا الملف يعني بداية النهاية والذهاب الى الاعتراف بنظامه».