دعت الجمعية الاقتصادية الكويتية إلى إعادة النظر في درجة تدخل السياسيين في الاقتصاد، وتعزيز التكوين الاقتصادي لرجال السياسة وحل مشكلة بيروقراطية صنع القرار، مؤكدة أن سوق النفط العالمية تتعرض في المستقبل القريب على الأرجح لتحولات ضخمة قد تحد من عوائد البترول ليطل شبح العجز المالي مستقبلاً وتظهر فزاعة التقشف التي تقلق المواطن الكويتي، ولتفادي مثل هذه المخاطر.
وأشارت في بيان إلى أنه أصبح من المهم تقليص ارتباط الاقتصاد برجال السياسة وربط تقرير مصيره أكثر بأصحاب الاختصاص، مؤكدة أن ذلك لا يخلو من أهمية وجود إرادة سياسية داعمة.
وأكدت أن الكويت تخلفت بشكل واضح عن ركب الدول الخليجية في تنويع أنشطة اقتصادها وصادراتها، وذلك بسبب عوامل مختلفة أهمها التدخل السياسي في الاقتصاد وضعف استمرارية برامج الإصلاح والتنمية بسبب وتيرة التغيير الحكومي السريعة ومحدودية الاستقرار الإداري، وكلها تصنيفات اقتصادية حديثة عكست فشلاً حكومياً متعاقباً في تنويع صادرات الكويت أو إيراداتها التي تعوّل بشكل مخيف على النفط.
خلق فرص عمل
بينت الجمعية أن نجاح الحكومات في معظم الدول يقاس بقدرتها على خلق فرص عمل وفق خطط اقتصادية ملموسة ومستدامة، إلا أن هذا المعيار المهم لا يمثل أي هم لدى الحكومات المتعاقبة غير آبهين بمعدلات البطالة المتزايدة.
وأشارت الجمعية إلى الإدارة المركزية للإحصاء أصدرت في سبتمبر 2022 تقريرا حول المتعطلين الكويتيين عن العمل، وفق بيانات ديوان الخدمة المدنية، كما في 2021، وبلغ عددهم 7668 متعطلاً، وتقدر نسبتهم إلى إجمالي عدد العاملين الكويتيين، وفق أرقام الهيئة العامة للمعلومات المدنية، والبالغ عددهم 455.7 ألفا، كما في 30/06/2021، أي نحو 1.7 في المئة، وهي نسبة بطالة مقبولة عالمياً، مشيرة إلى أن رقم العاطلين لدى الهيئة العامة للمعلومات المدنية في تقريرها حول السكان والقوى العاملة والصادر أيضاً في سبتمبر 2021، ويغطي نفس الفترة، يبلغ 32،851 عاطلاً، أي أن نسبة البطالة بلغت نحو 7.2 في المئة أو أكثر من 4 أضعاف أرقام العاطلين عن العمل وفق ارقام الإدارة المركزية للإحصاء، فأي أرقام نصدق؟
صندوق إدارة الأصول
وأفادت الجمعية في البيان بأن تأسيس صندوق لإدارة أصول الدولة هي فكرة استراتيجية ذكية للكويت في وقتها، خاصة وأن دولاً كثيرة أسست مثل ذلك الصندوق، أو تحت مسمى جهاز اختص بإدارة أصول الدولة للاستفادة منها بشكل جيد، إلا أن الفكرة سيتوقف نجاحها على وجود الإدارة الاقتصادية ذات الكفاءة العالية، التي سيقام عليها الصندوق، والتي ستتولى مهمة الإدارة، والمسألة المهمة في مفهوم الصناديق السيادية المعتبرة عالمياً، ليست كم ربحت وكم خسرت على المدى القصير؟ إنها أكبر من ذلك بكثير لتشمل أهدافا استراتيجية، من بينها الاقتصاد السياسي.
وذكرت الجمعية أنه رغم أن الكويت هي الأولى عالمياً في تطبيق فكرة الصناديق السيادية، فإن مرور أكثر من 60 عاماً لم يفلح في إنقاذ الاستدامة المالية العامة التي ما زالت تعتمد على النفط كمورد أساسي، لا شك أن الكويت استخدمت على مدى 50 سنة ماضية جزءاً كبيراً من إيرادات الخزينة العامة بشكل جيد في الاستثمار في البنية التحتية والتعليم، إلا أن جزءاً كبيراً يذهب إلى المصروفات التشغيلية، وإلى كثير من الإسراف والتبذير عن طريق ما يسمى توزيع الثروة على المواطنين، لافتة إلى أن الهدف قد يكون نبيلاً، لكن يحوله من استثمار يضيف قيمة، إلى استنزاف! وهذا يفرض علينا سؤالاً أخلاقياً: هل من حق هذا الجيل أن يتصرف بهذه اللامسؤولية؟
الشفافية والحوكمة
من جانب آخر، أوضحت أن مبدأ الشفافية والحوكمة يعد أحد أهم ركائز الاستثمار الغائبة عن الصناديق السيادية، فهذه الأموال العامة المقدرة بمئات المليارات لا رقيب واضح عليها، تعرض أمام مجلس الأمة مرة واحدة في السنة وملاحظات ديوان المحاسبة تظل معلقة دون رد. فهيئة الاستثمار لا تدير أموالاً خاصة لشخص أو شركة، وبالتالي يحق لها أن تفعل ما يحلو لها في هذه الأموال، وإنما تدير أموالاً عامة، التصرف فيها يجب أن يكون بحساب، ولكن ما إن بدأت الهيئة أعمالها في سبعينيات القرن الماضي، إذ إنها منذ تأسيسها تتسم بالغموض، ولا تقدم تقارير وافية عن الصفقات التي تبرمها، أو حتى التي أبرمتها منذ عشرات السنين، والمكاسب والخسائر التي تحققت منها، مضيفة نحن لسنا بصدد اتهام أحد ولكن في الفترة الحالية ومع ما نسمعه من اختلاسات صناديق سيادية فمن الواجب علينا اليوم أن نتحدث عن موضوع الافصاحات والشفافية الغائبة عن الهيئة العامة للاستثمار منذ عقود تحت ذريعة عدم سماح القانون بإفشاء المعلومات.
الإفصاح عن الأصول
وبينت الجمعية أن الإفصاح عن الأصول المدارة بالكامل يحمل في طياته مخاطر جيو-سياسية على حد زعم الحكومة في منطقة سريعة التقلبات والاشتعال، لكن بالمقابل هنالك حق أصيل للشعب في معرفة كيف تدار أمواله، وأين ذهبت، وما المكاسب أو الخسائر التي حققتها، مشيرة إلى أن الدولة تتعامل بمفاهيم قديمة لم يعد لها وجود، ولا تتناسب مع تحقيق الشفافية في الاستثمارات التي يبذل العالم كل جهوده لتحقيقها، حيث تخرج عشرات التقارير العالمية سنوياً، لتوضح حجم هذه الاستثمارات ونوعيتها، وحجم الخسائر أو المكاسب التي تحققت فيها، ففي العصر الذي نعيشه حالياً، لم تعد هناك معلومات يمكن التكتم عليها، ورغم كل ذلك، نجد العقلية الحكومية المتجذرة تتعامل بمبدأ «حسب ما جرت عليه العادة»، متناسين الأسس الاقتصادية القائمة على الشفافية والموضوعية، وكأننا لم نخرج بدرس كما حدث للعالم في الأزمة المالية العالمية، التي كان جزء كبير منها ناجما عن عدم توافر البيانات الصحيحة وقلة الشفافية في كثير من الاستثمارات الاقتصادية، ما تسبب في الانهيار المالي الذي شهده العالم في عام 2008.
وتابعت «لا نلوم الحكومة الجديدة كون أفرادها متغيرين، ولكن الملامة على المنطق الحكومي المتجذر من مفهوم الشفافية الذي ينطبق بذاته على هيئة الاستثمار، لأننا في العصر الذي نعيشه ومع الأزمات المالية المتلاحقة التي تضرب أكثر من دولة عالميا، يجب أن يتم أي استثمار خارجي بشفافية».
البديل الاستراتيجي
وأكدت الجمعية في ظل التضخم والطبقة الوسطى أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية دفع التضخم الإجمالي في الكويت إلى أعلى مستوى له في ثلاث سنوات، نتيجة لمزيج من ارتفاع أسعار المواد الغذائية الدولية، المرتبط جزئياً بانخفاض الدولار الأميركي، وإطالة أمد مشكلات سلسلة التوريد وارتفاع الأسعار من قبل تجار التجزئة المحليين أثناء تمريرهم لأسعار شراء أعلى، وبالمقابل لا نرى أي دور يذكر من قبل السلطة التنفيذية ولا السلطة التشريعية والتي نعتقد أن النظرة المستقبلية لأسعار المواد الغذائية لا تزال غير معلومة لصناع القرار.
غلاء الأسعار
وأضافت منذ فترة والحكومة تواجه موجة غلاء الأسعار، ونعي أن مع تداعيات الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا التي تلقي بظلالها سلباً على كثير من الدول العربية، ولكن سجلت معدلات التضخم في الكويت ارتفاعاً غير مسبوق بنهاية الربع الأول من هذا العام مدفوعاً بغلاء الأسعار بالأسواق العالمية وتبعه القفزة الكبيرة في الأسعار، والذي انعكس على الشأن المحلي.
وأوضحت أن اللافت في الأمر بأن نلاحظ من بين دول مجلس التعاون الخليجي، شهدت الكويت والمملكة العربية السعودية تضخماً في أسعار المواد الغذائية منذ بداية عام 2020 على خلفية ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية، وفي المقابل شهدت دول مجلس التعاون الخليجي المتبقية في الغالب أسعاراً ثابتة للمواد الغذائية، المستغرب من تلك البيانات أن معدلات التضخم السنوي في الكويت لتلك الفترة هي الأعلى مقارنة بالدول الخليجية على الرغم من الدعم الحكومي لبعض من المواد الغذائية الأساسية ولكنها وفي نفس الوقت تحاول تلك الدول باستثناء الكويت على تقليل اعتمادها على الغذاء من خلال الاستثمار في الأراضي الزراعية والتكنولوجيا في بلادهم والدول الأجنبية، في حين أشارت دراسات كثيرة بأن الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والحيواني (سالك) استوردت أكثر من «350 ألف طن» من القمح من أوكرانيا وكندا وأستراليا في عام 2021، وهو ما يمثل تقريباً في المئة 10 من احتياجات البلاد.
وكذلك قامت (حصاد) الذراع الزراعي لصندوق الثروة السيادي القطري بشراء أراضٍ في السودان وأستراليا، ولديها خطط لاستثمار مئات الملايين من الدولارات في مشاريع زراعية في كينيا والبرازيل والأرجنتين وتركيا وأوكرانيا. أما في الكويت، نسمع دائماً أن الهيئة العامة للاستثمار الكويتية تعتزم الاستثمار في أراض زراعية بالخارج منذ سنوات.
وأضافت الجمعية أن ما يجعلنا في حالة ريبة من أن الإجراءات الحكومية المحلية لن تجدي نفعاً هو انكشاف الاقتصاد الكويتي الذي يلامس حدود 75 في المئة، لتكون الكويت بذلك من أكثر الدول اعتماداً على الاستيراد في سد معظم احتياجاتها من السلع. ونعتقد أنه يجب الذهاب لإجراءات أوسع تشمل مكافحة «ارتفاع تكاليف الموانئ وإجراءات التخليص الجمركي وتبعات النقص الكبير في مساحات المخازن والتخزين»، لذلك على الدولة تحمل أي تكلفة أي زيادات مقبلة في أسعار السلع الأولية.
وألمحت إلى أن استمرار القطاع العام عالي التكلفة وضعيف الإنتاجية في الهيمنة على أكثر من ثلثي الناتج المحلي الإجمالي، يجعل الأداء الاقتصادي التاريخي للدولة غير موفق. المحزن أن درجة اعتماد الاقتصاد على النفط اليوم قد تزايدت، ودرجة ارتهان مستقبل الكويتيين به قد تضاعفت.