التعليم ليس مهماً للإنسان، التعليم هو الإنسان، ومن لا يؤمن بذلك فعليه أن يبتعد عن المحفل التربوي، ما يحدث للتعليم في الكويت أمرٌ يدعو لعشرات من الأسئلة، كل سؤال يحمل علامات تعجب عدة، هل يمكن أن نقول لما يجري للتعليم (إن هذا شيء يُراد) إننا نحترم ونقدر المعلم، ولكننا نقف أمام نظام التعليم وطرق بنائه.
ومن أجل التذكير نعود لتاريخ التعليم في الكويت، يمكن اعتبار عام 1887 ميلادي هو عام بداية التعليم في الكويت حيث بدأ التعليم المقصود وهي مرحلة (المُلا أو المطوّع)، بعدها وفي عام 1911 بدأ التعليم النظامي بافتتاح المدرسة المباركية، وشهد هذا التعليم تطورات متواصلة ومنها إنشاء مجلس المعارف؛ وتبعها إنشاء المعهد الديني عام 1943؛ وإنشاء الكلية الصناعية عام 1954؛ وافتتاح معهد المعلمين والمعلمات في العام الدراسي 1962/ 1963، ثم جامعة الكويت عام 1966.
إن تاريخ معهد المعلمين والمعلمات في الكويت مرتبط بتلك الأسئلة التي ذكرناها في بداية المقال، لم يكن ذلك المعهد قادراً على خلق الأسس القوية لصناعة المعلم رغم أن هناك مخلصين تخرجوا منه، كان الانضمام لمعهد المعلمين وسيلة إما لحصول الشاب على مرتب بسرعة، أو أن نسبة القبول فيه مُشجّعة لمن لا تتوافر له فرص أخرى. من هنا بدأ افتراس التعليم، في تلك الفترة دخلت المدارس الخاصة التي توسعت وتضخمت على حساب التعليم الحكومي الذي بدأ يضعف وانتهينا بكارثة انتشار ثقافة المدارس الأجنبية التي نجحت بجعل تلك الثقافة مرتبطة بعقل المواطن وربطه بحسن المكانة والتعليم الراقي ما فتح المجال لخلق أجيال من الطلبة لا يُحسنون القراءة بالعربي ولا يهتمون بثقافة الأُمة وكل همّهم النطق باللغة الأجنبية، هذا هو الأمر الذي يُراد، شعب عربي نجحوا من بوابة التعليم بإخراجه من ثقافته، نجحوا بإضعاف التعليم الحكومي وخلق تعليم موازٍ من أجل تغريب أطفالنا، وأيضاً من أجل كسب الأموال التي شجعّت المزيد من المدارس والمعاهد الخاصة.
اليوم نتمنى لو كنا في عام 1887 حيث المُلا أو المطوّع يُعلم أبناءنا قيم ثقافتنا ولو بعلم محدود أفضل من تعليم معارف سطحية وبلسان أجنبي لا يضيفون لثقافتنا شيئاً بقدر ما يهدمون بقايا ما نفتخر به.
الأُمهات يبتسمن وهن يخاطبن أطفالهن بغير لغتهم، وشباب سطحي، بعضهم ينال درجات لا يستحقها بالأموال والهدايا، تلك المدارس التي أصبح بعضها معمل تفريخ للفاشلين المؤهلين!
نعم (ان هذا شيء يُراد) سواء كان من أجل الكسب المادي أو من أجل خلق جيل لا قيمة له... مجرد أجساد وعقول تتحرك دون أن تكون عوناً لأمتها هذا إذا لم تكن عوناً عليها.
في السابق ذكرنا بأكثر من مناسبة أن مناهج التعليم في المدارس الخاصة فيها أخطاء تاريخية وثقافية، وأن هناك عدم اهتمام باللغة العربية وثقافة الأمة في كثير منها، وأن مسؤولية وزارة التربية والجهة المعنية بالتعليم الخاص، مسؤوليتها تطوير أدوات الرقابة، والحرص على التدقيق على تلك المناهج، كل هذا تم التذكير به وربما سعى البعض للمتابعة ولكن هناك من بيننا من له أهداف أخرى، إن هذا شيء يُراد.
من يريد إصلاح التعليم لا بد أن يؤمن أن التعليم هو الحياة وليس أمراً مُهماً.