العدّ العكسي لحاكم «المركزي»... الغموض أكثر وضوحاً

لودريان العائد إلى لبنان بـ «قبّعتيْن»... مَهمة أكثر استحالة

11 يوليو 2023 10:00 م

- حُكْم غير مسبوق بالسجن على ديما صادق وحملة تضامن واسعة وتنديد بضرْب الحريات والتعسف
- لبنان يستعدّ لـ «القبة الحرارية» بإجراءات و.. تحوُّط
- حضانة التعنيف المتوحّش للأطفال استنفرت لبنان الرسمي وسخط شعبي عارم

تستعدّ بيروت لعودة الموفد الفرنسي جان - إيف لودريان في 17 يوليو أو الأسبوع الأخير من الشهر الجاري، كحد أقصى، وسط انكفاءٍ نافرٍ أقرب إلى «الانطفاء» لأي ديناميةٍ داخلية تتصل بالأزمة الرئاسية، في مقابل استعار الصراع حول كيفية ملء شواغر تتمدّد في جسم مؤسساتٍ تتحلّل ومرشّحة لمزيد من دومينو التفريغ وتصريف الأعمال.

وكما جاء قرار تعيين لودريان، موفداً شخصياً للرئيس ايمانويل ماكرون - مكلفاً متابعة المأزق الرئاسي ومحاولة إيجاد «حل توافقي وفعال» له - مفاجئاً للوسط السياسي اللبناني كونه أتى قبل أيامٍ من جلسة «المواجهة» الرئاسية في البرلمان (14 يونيو) بين المرشحيْن سليمان فرنجية (مدعوم من فريق الممانعة) وجهاد أزعور (رشّحه تَقاطُع غالبية المعارضة والتيار الوطني الحر) وأعطى «إشارة سماحٍ» بأن لا تؤتي ثمارها وأن يتم تطيير دورتها الثانية وما فوق، فإن الجولة الثانية من مَهمة الوزير السابق للخارجية الفرنسية (كان زار بيروت في 21 يونيو) ستكون أيضاً على وهج تطور مباغِت لا يقلّد دلالةً شكّله تعيين لودريان في منصب رئيس الوكالة الفرنسية لتطوير العلا السعودية.

وإذ يُنتظر أن يتسلّم لودريان مهمته الجديدة في سبتمبر المقبل، فإن ثمة تقديرات بأن هذا المنصب لن يمْنعه من متابعة الملف اللبناني فيكون حامِلاً «قبّعتيْن» ويستفيد من وجوده في المملكة للمضيّ في «ديبلوماسية التذكير» بموقف باريس الذي يسعى لانخراطٍ أكبر من الرياض في الواقع اللبناني، في مقابل اعتبار دوائر متابعة أن هذا التعيين «نَفَّس» مهمة الموفد الشخصي لماكرون التي تكاتفت عليها أصلاً التعقيدات الداخلية، وأعطى انطباعاً بأنها دخلت «مرحلةً انتقالية» وباتت ذات طابع موقت.

وفي حين بدا من الصعب الجزم بما إذا كان ماكرون سيعيّن بديلاً من لودريان يوكل إليه الملف الرئاسي أم أنه سيُبْقيه «على الخط» اللبناني، فإن الأكيد وفق هذه الدوائر أن مهمة وزير الخارجية السابق في السعودية، والتي ستضعه على تماس مباشر مع ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان (الذي يواكب أعمال تطوير العلا) ستأخذ الكثير من وقته وطاقته، حتى أنه سيتعيّن عليه بدء التحضير لتسلُّم منصبه والإحاطة الكاملة بكل الملفات التي تندرج في سياقه، وهو ما من شأنه أن يشجّع أكثر الأطراف اللبنانين على الالتفاف على أي مبادراتٍ يحملها، لاقتناعهم بعدم جدوى تسليفِ لودريان «الراحل» عن الشأن اللبناني أو الذي قد يواكبه «عن بُعد» أي تراجعاتٍ لم يكونوا أساساً في واردها.

وفيما لم يُحسم إذا كان لودريان سيعرّج قبل محطته اللبنانية الثانية على الرياض والدوحة، ولا إذا كانت مجموعة الخمس حول لبنان (تضم الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر) ستعقد اجتماعاً لها هذا الأسبوع، فإن أقصى ما قد يحمله الموفد الفرنسي، بحسب أوساط سياسية، هو طرْح الحوارِ لمحاولة كسْر الانسداد الذي عبّر عن نفسه في جلسة 14 يونيو التي طوت عملياً النسخة الأولى من المبادرة الفرنسية التي قامت على مقايضةٍ بين فرنجية للرئاسة ورئيس حكومة قريب مما كان يُعرف سابقاً بـ 14 مارس (نواف سلام)، وهو الحوار الذي تحفّظت عنه أطراف وازنة في المعارضة مبدية الخشية من أن يتحوّل «كميناً» لدستور الطائف انطلاقاً من جعل الأزمة الرئاسية مدخلاً لبحث مسألة النظام السياسي وتوازناته.

وكان لافتاً ما نقلته صحيفة «الأخبار» أمس، عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، من أن لودريان «عائد في 17 الجاري ومن المفترض أن يحمل معه دعوة للحوار»، مشيراً إلى أن «الحوار سيكون عاماً وليس ثنائياً، وقد ركّبنا طاولة الحوار في مجلس النواب ونفضّل أن يكون هناك، علماً أن الفرنسيين اقترحوا أن يكون في قصر الصنوبر، والبعض اقترح أن يكون خارج لبنان»، لافتاً إلى أنه «سيشارك في الحوار عبر ممثّل عنه (...) وأبلغتً لودريان أنني لن أدعو إلى الحوار أو أرعاه لأنني طرف»، ومضيفاً رداً على ما إذا كان المبعوث الفرنسي حاز موافقة بقية الأطراف على الحوار «بس يجي منشوف».

ولاية سلامة

في موازاة ذلك، يستمرّ بدء العدّ العكسي لانتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (بعد 19 يوماً) في صدارة الاهتمام، وسط طيّ صفحة تعيين حاكم جديد في ضوء الاعتراض المسيحي العارم على قيام حكومة تصريف الأعمال بمثل هذه الخطوة وعدم إعطاء «حزب الله» الضوء الأخضر لها، ليبقى سيناريو ما بعد 31 يوليو محكوماً:

- إما بـ «أرنبٍ» يتم إخراجه في ربع الساعة الأخير ويدفع لتمديد إداري للحاكم على قاعدة الطلب منه الاستمرار بتسيير المرفق العام بعد أن يكون نوابه الأربعة قدّموا استقالاتهم (وفق ما كانوا لوّحوا) فيُطلب منهم أيضاً البقاء في مراكزهم لتصريف الأعمال.

- وإما بأن يتسّلم النائب الأول للحاكم وسيم منصوري (الشيعي) مهماته وهو ما يريده «حزب الله» في سياق رغبةٍ بأن يكون الشغور الذي سيطاول تباعاً مراكز مسيحية حساسة (بينها قيادة الجيش في يناير المقبل) فتملأها شخصيات من طوائف أخرى «جرسَ إنذار» للقوى المسيحية التي تلاقت غالبيتها على رفْض السير بفرنجية.

- وإما أن يستقيل منصوري والنواب الثلاثة الآخَرين لسلامة، فلا تُقبل استقالاتهم ويكلَّفون لوحدهم الاستمرار بتسيير هذا المرفق، وإلا يكون انسحابهم الكامل بمثابة «عود ثقاب» قد يفجّر «برميل البارود» النقدي الذي كان حاكم «المركزي» يبرّده منذ أشهر.

... «قبة حرارية» وقنبلة قضائية

وعلى وقع الجدار المسدود رئاسياً والمَخاوف من سوء إدارة ملف حاكمية «المركزي» وإخضاعه لحسابات الصراع السياسي و«نكاياته»، وفيما يستعدّ لبنان لـ «القبة الحرارية» التي يُتوقّع أن تضربه مع 6 دول عربية أخرى ستكون في فم موجة حرّ عاتية وسط تحذيرات من حرائق وإرشادات للتحوّط، انشغلت بيروت في الساعات الماضية بتطوريْن:

- الأول سابقة خطيرة على المستوى الإعلامي شكّلها صدور حُكم قضائي بحق الإعلامية ديما صادق قضى بسجْنها سنة من دون وقف التنفيذ على خلفية دعوى قدح وذم ضدّها من رئيس التيار «الوطني الحر» جبران باسيل.

وفيما أعلن الوكيل القانوني لباسيل المحامي ماجد بويز، صدور القرار بحق صادق بجرائم القدح والذم وإثارة النعرات الطائفية وقضى «بحبسها سنة وتجريدها من بعض حقوقها المدنية، وإلزامها بمئة وعشرة ملايين كعطل وضرر لصالح التيار الحر»، نشرت صادق فيديو عبر حسابها على «تويتر» تناولت فيه الحكم واعتبرته «سابقة»، لافتة إلى أن الدعوى تقدّم بها باسيل (قبل 3 أعوام) كانت على خلفية تغريدة وصفت فيها ممارسات مرافقي النائب السابق زياد أسود بأنها «عنصرية ونازية» في إشارة إلى ما رافق اعتداءً على شابّين من مدينة طرابلس في منطقة جونيه.

وإذ كشفت صادق أنها ستستأنف القرار القضائي الذي صدر عن القاضي المنفرد الجزائي في بيروت روزين حجيلي «وإلا كان بالإمكان أن يوقفوني الآن»، قوبل الحكم بحملة تنديد وتضامن مع الإعلامية اللبنانية بوجه ما وُصف بأنه «حكم غير مسبوق لجهة تعسفه في قضايا حرية التعبير» وأنه «تعدٍّ على محكمة المطبوعات وهو إدانة للقاضية وليس لحرية الصحافة»، مع تذكير ناشطين حقوقيين بأن «محكمة المطبوعات تمنع سجن الصحافيين لكنّ الجهة المدّعية لجأت إلى القضاء الجزائي لملاحقة صادق بحجّة أنّ الفعل المشكو منه غير منشور في وسيلة مطبوعة، وأنّ المنشور الإلكتروني ليس بمعرض عملها الصحافي».

... حضانة التعنيف

- والملف الثاني هو الفيديو الصادم والمرعب الذي صعق كل لبنان ويُظْهِر تَوَحُّش مربيةٍ في إحدى دور الحضانة في منطقة الجديدة (شرق بيروت) على أطفال وتوجيهها إليهم ضربات وشتائم وإطعامها طفلةً بالقوة معرّضة حياتها لخطر الاختناق.

ووسط سخط شعبي، تحركت وزارة الصحة والقضاء والقوى الأمنية، فتم توقيف المربية وصاحبة الحضانة ومَن صوّرت الفيديوهات واحتفظت بها لفترة قبل إرسالها للأهالي، قبل أن يعلَن أمس سحب الرخصة من الحضانة وختْمها نهائياً بالشمع الأحمر مع درس حاجة الأطفال إلى متابعة نفسية مع اختصاصيين.

ونُقل عن والدة طفلة تعرّضت للتعنيف، أن «ابنتها تبلغ من العمر 11 شهراً وهي تواجه حالات هستيرية أثناء نومها».

وأضافت «ابنتي تبكي بشكلٍ مفاجئ ولم أدرك ما السبب في السابق. نعم، إنّ طفلتي اليوم باتت بحاجة إلى علاجٍ نفسيّ بعد التعنيف الذي تعرَّضت له».

وأعلن وزير الصحة فراس الأبيض لقناة «الحدَث»، الذي ترأس اجتماعاً طارئاً أمس، للجنة حماية الأحداث أن «فِرَقاً من الوزارة تقوم بجولات رقابية على الحضانات»، مؤكداً «يجب زيادة الزيارات المفاجأة إلى الحضانات، كما ينبغي إخضاع جميع العاملين في الحضانات للتدريب».

وأكد أنه «سيتم إخضاع جميع الأطفال في الحضانة التي أقفلناها للفحص الطبي وحوّلنا جميع العاملين فيها إلى القضاء».

وتابع «صدمتْني المعلمة التي صوّرت الفيديو أكثر من التي عنّفت الأطفال».

لبنان يشكو إسرائيل لدى مجلس الأمن

أوعزت وزارة الخارجية لبعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتّحدة في نيويورك، بتقديم شكوى إلى الأمين العام للأمم المتّحدة ومجلس الأمن، حول «تكريس الجانب الإسرائيلي احتلاله الكامل واستكمال ضم الجزء الشمالي اللبناني لبلدة الغجر الممتد على خراج بلدة الماري ما يشكّل خرقاً فاضحاً وخطيراً، يضاف إلى الخروق الإسرائيلية اليومية والمستمرة للسيادة اللبنانية وللقرار 1701».

وطلبت الوزارة «إدانة هذا الخرق المتعمد للسيادة اللبنانية والانسحاب الفوري وغير المشروط من كل الأراضي اللبنانية المحتلّة».