«الراي» عاينتْ «ضيعة الكويتيين» عشية «عرس الصيف» في لبنان

«تسونامي الفرح»... هل تكون له محطة في بحمدون المحطة؟

26 يونيو 2023 10:00 م

- تباشير وصول عائلات كويتية إلى بحمدون بما يفوق ما كان عليه العام المنصرم
- الوزير السابق الجميعان لـ «الراي»: بحمدون فيها الأمن والأمان لكن الخدمات ناقصة والفنادق مقفلة
- الجميعان: بحمدون منطقة سياحية ويجب الحفاظ على طابعها هذا وعدم تحويلها مخيماً للاجئين
- الكويتيون المتمسكون ببحمدون زوّدوا منازلهم بالطاقة الشمسية ويؤمنون المياه من الآبار
- رئيس بلدية بحمدون المحطة: هواجس الكويتيين «على الراس» وبدأنا معالجتها ومستعدون لتقديم كل التسهيلات
- مهرجان كبير في بحمدون من 26 يوليو إلى 6 أغسطس تريده البلدية محطة تنشّط الحياة التجارية والترفيهية
- الرحلات من الكويت إلى لبنان فيها حجوزات كبيرة بحيث يصعب إيجاد أمكنة في بعض التواريخ

لا ينسحب التعطيلُ المتمادي للانتخابات الرئاسية في لبنان المرشّحة لأن تتمدّد «عطلتها» حتى الخريف المخيف، على فصل الصيف الذي يحلّ بـ «طبل وزمر» وكأنه «عرس فرح» يراهن كثيرون على إمكان أن يبلسم جِراح أبناء «بلاد الأرز» ويمسح بعضاً من دموعهم، هم الذي يتقلّبون فوق جمر أزمة سياسية مستحكمة وانهيار مالي من الأعتى في العالم.

... كأنه «صيف وشتاء» تحت سقف واحد. هكذا يحلو لكثيرين وصْف الواقع «الانفصامي» في لبنان السهر والحياة وأضواء الليل الذي بات مصدر «قطرات النور» القليلة التي تحمل أملاً، ولو «تخديرياً» بأن «الآتي أفضل»، ولبنان النكد والضوضاء السياسية والمطاحنات و«الرقص فوق أشلاء» المؤسسات التي يتآكل الفراغ أو الشلل غالبيتها بدءاً من «الرأس المقطوع» للجمهورية فيما الانسحاق المالي على عصْفه مُنْذِراً بآتٍ أعظم ما لم تبرد «الرؤوس الحامية» ويتم استنقاذ الوطن الصغير بمعجزةِ حلٍّ قبل «الطوفان».

في لبنان الصيف الموعود، لا مكان لمَهمة جان - إيف لودريان و«ربْط النزاع» الذي قام به بين كل الأطراف بانتظار عودةٍ قريبة بعدما حزَم حقائبه التي «ضُبِط» يجرّها لوحده في مطار رفيق الحريري الدولي وكأنه مسافر عادي وليس برتبة موفد رئاسي ملقّناً درساً بـ «ديبلوماسية الصورة» لـ «متعالي السياسة» المحليين... فعيون اللبنانيين على حقائب السياح والمغتربين الذين يحلّون كل سنة، وصيف 2023 خصوصاً، وكأنّهم «بساط ريح» يحمل الوطن المنكوب إلى فوق سحاب الانهيار، بدفْعٍ من روحِ صمودٍ شعبٍ يصرّ على ركوب الأحلام بوجه كل... الكوابيس.

ديوانية الكويتيين وضيْعتهم

وعشية عيد الأضحى المبارك، ومع اكتمال نصاب الاستعدادات لصيف «نار» يصل الليل بالنهار، على السطوح، على الرمل المتحرّك فرحاً ورقْصاً، وفي كل مكان من لبنان، عاينت عدسة «الراي» بلدة بحمدون المحطة، ديوانية الكويتيين وضيْعتهم التي لطالما كانت ملعب صيفهم ومسرح ذكرياتهم، ورصدتْ استعداداتِها لموسم واعد، وسألت عمّن باتوا «أهل الدار» الكويتيين وهل ضربوا مواعيد معها وفيها هذا الصيف.

«أميرة الجبل»، تغيّرت. تركت الحرب فيها ندوباً لا تزال واضحة على البشر والحجر، لكنها تجاهد لاستعادة بعض مما كان لها من ألق.

هواؤها العليل لايزال دواءً، ومناظرها الساحرة على حالها.

أحياؤها الهادئة، بيوتها الجبلية بشبابيكها الخشبية الحمراء وعماراتها المكسوة بالحجر لاتزال واقفة مسيجة بالأزهار والشتول الخضراء.

روح الضيافة لم تنطفئ، لكن الظروف تبدلت والأزمات المتكرّرة ألقت بثقلها على بحمدون وغيرت مرتكزات الاصطياف والسياحة فيها.

بدءاً من بعلشميه في أول طلعة بحمدون، يلاحظ الزائر أن شيئاً ما قد تغيّر. حركة ناس وسيارات كثيفة أمام مجموعة من المحال تحمل كلها اسماً واحداً «صولدوري ماهر».

أبواب كثيرة لبضائع غالبيتها سورية المنشأ معروضة بأسعار زهيدة نسبةً إلى سواها من المحال التجارية.

بضائع تتراكم في عدد من «محال الصولدوري المتتالية» تطبع مدخل بحمدون بطابع شعبي (سوري الملامح) لم يكن لها من قبل. الزمن تغيّر والناس يبحثون عن الأرخص والأوفر مهما كان مصدره.

بعد زحمة المحلات الشعبية تلك، يعود الشارع طلوعاً الى هدوئه المبالغ فيه مع مطعميْن أو ثلاثة من المطاعم السريعة على جانبيه ومحلات سمانة بسيطة.

جامع بعلشميه بقبته الخضراء لا يزال معلماً من معالم المكان يعيد الحنين إلى العابر في الشارع ويذكّره بأنه حقاً في طريقه إلى بحمدون.

هدوء لا يليق ببحمدون

نكمل الطريق صعوداً، السير خفيف وغالبية المحلات مقفلة. هدوء لا يليق ببحمدون. أمام محل صغير نلتقي بمجموعة من الرجال متحلّقين على الرصيف حول طاولة صغيرة وفناجين من القهوة.

نتوقف لنسألهم إذا بدأوا يلاحظون وجوداً للكويتيين في بحمدون؟ يفرحون بالسؤال، يتحمّسون له وكأنهم في انتظاره: «أكيد هناك كويتيون لكن العدد لايزال قليلاً.

العام المنصرم أتوا وهذه السنة سيأتون أيضاً»، يقولها أحدهم بقناعة تامة ليضيف: «وتأكيداً على ذلك، ها هي مضافة الدعيج قد بدأت تستعد لقدومهم. وأعمال الدهان قائمة فيها لتكون لائقة لاستقبال أهلها. وأمام البنك الكويتي ستجدين مواطنين كويتيين إطرحي عليهم السؤال وسيؤكدون بدورهم ما نقوله. الكويتيون لا يغيبون عن بحمدون مهما تكن الظروف، وحدهم يشغلون بحمدون ويعيدون الحياة إليها».

أمام بنك الكويت الوطني، نلتقي بمواطن كويتي كما وُعدنا، السيد أنور عبدالرحمن بن حسين، الذي يجيب بكل كياسة عن أسئلتنا ويخبرنا بتأثر واضح عن علاقته ببحمدون.

ويقول: «أنا أسكن في لبنان بشكل متقطع منذ 23 سنة، صيفاً وشتاءً. هي بلدي الثاني وبحمدون بلدتي. عشت في أوروبا وأميركا لكنني لم أجد مثل لبنان بشعبه الطيب المضياف. أعشق بحمدون وأهلها الطيبين ومرتاح بينهم كما لو أنني في بلدي، وجميعهم أصدقاء لي. في كل أزمات لبنان كنت موجوداً هنا. وحكومتنا تركت لنا الخيار ولم تمنعنا عن المجيء إلى لبنان».

ويضيف «ككويتي أشعر بمعاناة الشعب اللبناني وأدرك كل الصعاب التي يواجهها لكنني أعرف أن الكويتيين رغم كل ذلك يحبون المجيء إلى لبنان وبحمدون بالذات».

لكن لا يمكن الإنكار أن كثافة الزوار الكويتيين التي شهدها لبنان منذ العام 2000 قد تراجعت بشكل دراماتيكي. كثر من الكويتيين كما يقول السيد أنور باتوا يتوجهون نحو تركيا، ولكنه يؤكد أنهم مهما جالوا في بلدان فهم يعودون الى لبنان كمحطة إجبارية في شهر سبتمبر لأنهم لا يجدون في أي مكان ترحيباً ومعاملة كالتي يَلقونها من اللبنانيين.

نسأل أين يسكن المواطنون الكويتيون حين يأتون الى بحمدون؟ في بيوتهم أم في الفنادق؟

بعضهم تركوا بيوتهم منذ أعوام ولا سيما الأربع الأخيرة وهم الآن يسعون الى ترميمها وتحضيرها لاستقبالهم، وبعضهم يأتون الى الفنادق في انتظار أن تجهز بيوتهم.

لكن في المقابل ثمة أفراد باعوا منازلهم بسبب عدم وجود الخدمات الأساسية من كهرباء وماء، فيما هناك منازل لاتزال مهمَلة كلياً وقد هجرها أهلها الكويتيون، ومنها مهدَّم جزئياً ومنها متروك أو معروض للبيع مع رقم هاتف كويتي كما لاحظنا أثناء جولتنا.

المتمسكون بالسكن في بحمدون تأقلموا تماماً كما اللبنانيين، زوّدوا منازلهم بالطاقة الشمسية وسعوا للتزوّد بالمياه من الآبار الارتوازية، وحتى الإنترنت وجدوا له حلولاً. لكن الخدمات لاتزال ضعيفة وهذه نقطة سلبية تؤثر بشكل واضح على مَن يفكرون بالقدوم.

خالد الجميعان

الوزير الكويتي السابق خالد الجميعان أو «أبو سالم» الموجود في بحمدون والذي تَواصَلْنا معه هاتفياً يختصر الوضع قائلاً: «بحمدون رائعة وفيها الأمن والامان، لكن الخدمات فيها للأسف ناقصة نظراً للظروف. والفنادق مقفلة ولا شقق جاهزة متوافرة للإيجار وهذا ما يعوق بشكل كبير قدوم الكويتيين. ثمة أمور لا يمكن التغاضي عنها، ومنها إزالة النفايات من الشوارع وإضاءة الشوارع ليلاً. فالعتمة تعمّ الشوارع وتجعل الحركة الليلية صعبة وغير آمنة».

ويضيف «لا نلوم المحلات التي لم تفتح أبوابها. فالخدمات غير متوافرة وهذا ما يجعل الحركة في بحمدون قليلة». لكن رغم هذه الشكوى النابعة من حرقة قلب يعترف الوزير السابق أن له اجمل الذكريات في بحمدون منذ طفولته «فالأجواء كانت رائعة و الحياة حلوة والناس ذهب. الماضي كان جميلاً وبحمدون كانت قمة الجمال والمتعة لكنها للأسف تغيرت كثيراً».

الجميعان حاول التكيّف مع الظروف وزوّد شقته بالطاقة الشمسية مثلاً، لكنه يؤكد أن ثمة أموراً عالقة وأبرزها وجود اللاجئين السوريين في كل مكان: «هذه منطقة سياحية لذلك يجب الحفاظ على طابعها هذا وعدم تحويلها الى مخيم للاجئين».

نحمل هذه الهواجس إلى رئيس بلدية بحمدون المحطة فيليب متى الذي يتفهّمها جميعها، ويقول: «أسعى جاهداً رغم إمكانات البلدية الضئيلة ومواردها المالية المحدودة هذه الأيام الى تحسين الخدمات في بحمدون. لقد قررنا إضاءة الشوارع ولن نألو جهداً حتى لو اضطررتُ أن أتوسل الأموال من أجل هذا الهدف الحيوي. وأجبرت أصحاب المولدات أن يعطوا 16 ساعة من الكهرباء. أما بالنسبة للفنادق فكأننا ندور في حلقة مفرغة. فأصحابها ينتظرون الحجوز حتى يفتحوا، فيما الراغبون في القدوم لن يتحمسوا لذلك إلا متى فتحت الفنادق أبوابها».

فنادق مقفلة

السفير، لامارتين، كارلتون وغيرها من الفنادق التي صنعت عز بحمدون هي اليوم مقفلة.

مع الإشارة إلى أن أكبر هذه الفنادق مملوك من كويتيين. والفنادق الأخرى مترددة ويقول أصحابها كما علمنا «ما دامت فنادق الكويتيين لم تُفتح فهذا يعني أنهم غير قادمين هذا العام، وبالتالي علينا الانتظار لفتح أبوابنا. علماً أن بعض الفنادق الصغرى ورغم الكلفة التشغيلية العالية فتحت جزءاً من غرفها وهي مستعدة للبدء في العمل».

الريس متى يحصي نحو 180 بيتاً للكويتيين في بحمدون قدم إليها 10 في المئة من سكانها العام الماضي لكنه يأمل مجيء نسبة أكبر هذه السنة رغم أن لا حضور لهم بعد حتى اليوم.

ويتذكر أيام العز من سنة 2000 حتى 2006 حيث كان الشارع العام يشهد ازدحاماً لا مثيل له.

حرب يوليو 2006 التي شهدت قَصْفَ جسر صوفر شكّلتْ انعطافةً في حالة المنطقة حيث اضطر الخليجيون للمغادرة براً وسط أجواء من الخوف والقلق.

لكنهم ما لبثوا أن عادوا في الأعوام التالية حتى بدء الحرب في سورية وانقطاع الطريق البري الذي منع مجيء الكويتيين براً بسياراتهم الى لبنان، ناهيك عن مجموعة أزماتٍ عصفت على مراحل بعلاقات بيروت مع دول الخليج العربي وخضّات أمنية فرْملت حضور «الحبايب» إلى بلاد الأرز.

ومنذ ذلك الحين خفّت الحركة جداً حتى 2019 وأزمة كورونا لتعود من جديد في 2021. ويعترف ناطور إحدى البنايات المملوكة من كويتيين بأنه لم يسمع منهم أي خبر منذ سنوات ولا يعرف مطلقاً إن كانوا يفكرون بالعودة هذا الصيف.

«فوضى» الوجود السوري

لا ينكر رئيس البلدية فوضى الوجود السوري الذي يشكو منه كثيرون ويسعى إلى تنظيمه قدر الإمكان.

كما يحاول حض أصحاب المحلات على إعادة فتحها ويقدّم الحوافز لهم لإعادة إحياء السوق التجاري ومحاله ومقاهيه وفنادقه، لكن كثيرين لا يتجاوبون معه نظراً الى ارتفاع الكلفة التشغيلية وعدم وجود العدد الكافي من الزبائن لا سيما الخليجيين.

لكن بحمدون تسعى بما تيسّر لإعادة الحياة إليها ولذلك ستكون على موعد مع مهرجان كبير في السوق من 26 يوليو الى 6 أغسطس تعدّه بلديتها ليكون محطة فرح وفنّ تنشّط الحياة التجارية والترفيهية فيها.

ويقول متى: «نحن مستعدون لمساعدة أهلنا الكويتيين بكل طاقتنا والإصغاء الى كل مشاكلهم، ومستعدون أن نفتح لهم الملعب البلدي وتقديم كل التسهيلات لأي نشاط يودونه. فهذا جزء من رد الجميل لهم ولا سيما أنهم بذلوا الكثير من أجل إعادة إعمار بحمدون».

نتجوّل في سوق بحمدون الهادئ شبه الخالي من الناس ونستصرح عدداً من أصحاب المقاهي والمحلات.

بعضهم يتذمّر من الوضع ولا يأمل خيراً في تشاؤمٍ ملحوظ «أنظري بنفسك لا أحد في الطرق. لا حركة لكويتيين، ولا محلات مفتوحة. لمن سنفتح أبوابنا»؟

هؤلاء يقيسون على اليوم وينسون أن الأشهر المقبلة ستكون أفضل وفق كل المؤشرات. فالرحلات من الكويت الى لبنان كما علمنا فيها حجوزات كبيرة بحيث يصعب إيجاد أمكنة في بعض التواريخ.

عائلات كويتية

في المقابل، البعض الآخَر متفائل بموسم بدأ يرى تباشيره مع وصول عائلات كويتية الى بحمدون. بوظة وحلويات «ورد» الشهيرة في وسط بحمدون منذ العام 1945 بدأت تشهد إقبالاً من عائلات كويتية مع أطفالها يفوق ما كان عليه العام المنصرم.

مطعم Olivo وهو معلم من معالم بحمدون منذ العام 1998 وجزء من فندق كارلتون المعروف، يقول المسؤول عنه شارل ورديني إنه لم يتأثر كثيراً بالوضع لأن له زبائنه. لكنه لا ينكر «أن الحركة خفيفة في سوق بحمدون الذي ليس فيه حتى اليوم ما يجذب السواح وكله مطفأ ليلاً ولا حياة سهر وليل فيه».

ويضيف: «للأسف لم تعد بحمدون كما كانت في ذاكرة السياح الخليجيين، لكن ببعض الهمة والشغل المدروس يمكن إحياء السوق وإعادة الحركة إليه من هنا سعينا لفتح مشروع جديد بجانب المطعم لتوليد بعض الحركة في الليل».

ومن المسؤول نفسه عرفنا أن نسبة الحجوز في فندق الكارلتون لا تتعدى اثنين في المئة حالياً.

ويقول: «سابقاً لم يكن يتبقى لدينا غرفة واحدة فارغة من أصل 60. اليوم نحن مستعدون لفتح 30 غرفة في حال توافر الحجوزات».

الوضع صعب لا شك، لكن الجهود التي تُبذل كبيرة والكل ينتظر ما بعد عيد الأضحى المبارك لانطلاقة صيفية واعدة.

فبحمدون العزّ لا تمحى بسهولة من ذاكرة محبيها، وتسونامي الفرح الذي يَعِد لبنان فيه زواره هذا الصيف لا شك واصِل لإلى بحمدون (المحطة) وستكون له محطة فيها... فاستعِدّوا!